وكالة أنباء أراكان ANA:
بقلم/ ديتريش بونهوفر
كم هو صعب ترك عالم سلمي للأجيال القادمة؟ ففي السيناريو الحالي والصراعات المتداعية التي تهز العالم من كل ركن ، تتزايد معها صعوبة الحياة يوما بعد يوم ، وهذا وصمة عار على المجتمع عندما يسقط في الفوضى التي تؤثر على الأجيال القادمة، إذ إن الصراعات حول العالم قد غيرت حياة الأطفال، وكثير منهم ينتقلون إلى بلدان أخرى بحثا عن السلام وتنتهي حياتهم في الشوارع، حيث يسقط العديد فريسة لوعود وهمية من الثورات، وللأسف الغالبية منهم تستسلم للموت، وهكذا تتشابه ظروف الأطفال الذين يجدون أنفسهم محاصرين في الصراع الدائر في بورما حيث أدى التطهير العرقي للروهنجيا المسلمين إلى وقوعهم في حاجة ماسة للترحيل أو إلى الوقوع فريسة للظلم.
وبعد اندلاع الاشتباكات الطائفية المميتة في ولاية أراكان في عام 2012، انتشر العنف ضد المسلمين إلى أجزاء أخرى من بورما، فالمشاعر العميقة المعادية للمسلمين في البلاد، والاستجابات غير الكافية من قوات الأمن، ولدت احتمالات لمزيد من الاشتباكات.
هناك ما يقرب من 133,0000 من الروهنجيا في بورما، لكن قانون عام1982م للجنسية في البلاد حرمهم من المواطنة على الرغم من الحقيقة أنهم عاشوا في بورما لأجيال.
ينفي الرئيس البورمي "ثين سين" قطعيا وجود الروهنجيا كجماعة عرقية في بورما ووصفها بدلا من ذلك بأنها "بنغالية" ، ووصف الروهنجيا "بالبنغاليين" هو تمييز عنصري، ووسيلة لكره الأجانب مما يعني بطريقة خاطئة أن الروهنجيا هم من المهاجرين غير الشرعيين من بنجلاديش.
في عام 2012، نزح ما يقدر بنحو 140،000 شخص داخليا في بورما، وتقريبا 86،000 قاموا برحلة خطرة إلى البلدان المجاورة، وفي محاولة للفرار من العنف، أصبح الروهنجيا من أكثر شعوب العالم التي لا ترغب الدول باستضافتهم وإعادة توطينهم خصوصا في تايلاند وبنغلاديش وماليزيا واستراليا، وهؤلاء الناس يخاطرون بكل شيء من أجل فرصة للسلامة، والكثير منهم يموتون في البحر أو في محتجزات مكتظة.
تنتشر عمالة الأطفال على نطاق واسع في جميع أنحاء بورما بين الأطفال الروهنجيا المسلمين لأن الكثير من آبائهم اضطروا لترك أعمالهم لأنهم كانوا في مناطق محظورة على المسلمين ، كما لدى آخرين غيرهم كثير من الآباء والأمهات طريحي الفراش لأنهم لا يستطيعون الحصول على الرعاية الصحية المناسبة.
على هؤلاء الأطفال العمل للمساعدة في إطعام أسرهم التي تفقد الحياة الاجتماعية، ومعظمهم يقضون حياتهم كلها تقريبا محاصرين في المخيم، ومع الوسائل المعطاة لهم فإنهم بالكاد يتمكنوا من البقاء على قيد الحياة. ومعظمهم على وشك الموت جوعا، وتظهر علامات سوء التغذية الحادة عليهم.
هؤلاء الأطفال محاصرون في تلك المخيمات لأن العصابات المتطرفة البوذية هاجمتهم بينما كانوا في منازلهم. البعض الآخر الذين لا يعيشون في هذه المخيمات وهم معزولون في قراهم بسبب التمييز الواسع النطاق والمنهجي الذي يجري في بورما ، حيث تُحدد تحركاتهم مما يجعل فرص حصولهم على الغذاء والماء والتعليم والرعاية الصحية محدودة.
الأطفال هم ضحايا مختلف المشاكل بما في ذلك فقدان الأسرة وسوء التغذية وانعدام الأمن، والاعتداء الجنسي، والتعذيب.
هؤلاء الأطفال مجردون من حقوقهم الأساسية بالنسبة للتعليم والعمل وهذا سيكون الخطاب للسيناريو الحالي. لا تتوفر تسوية دائمة لهؤلاء الأطفال القابعين في مخيمات مكتظة لأنهم لا يحصلون على الغذاء والرعاية الطبية على النحو المطلوب، كما أن توفير التعليم وغيرها من الحقوق هو خارج السياق.
سابقا كانت جامعة سيتوي (أكياب) مفتوحة لجميع أعضاء المجتمع واليوم يمنع المسلمون من الدخول إليها؛ لقد تحولت المدارس الحكومية والكليات إلى منازل مكتظة للحبس الاحتياطي.
لم يبق أي هدف لهؤلاء الأطفال في الحياة باستثناء الكفاح من أجل البقاء على قيد الحياة حتى نهاية كل يوم، هذا إذا لم يقتلهم التطرف أو سوء التغذية وربما الأمراض.
واضطر العديد من الأطفال للانضمام إلى المتمردين للقتال لأنهم وُعدوا بأن يدفع لهم مالاً لتوفير الطعام لأسرهم، وقد فُقد الأطفال الذين انضموا إلى منذ ذلك الحين.
المدارس والجامعات في جميع أنحاء بورما تنهار مع الإهمال ونقص التمويل، والفقر المستشري يعني أن الروهنجيا هم الشعب الوحيد المحروم من التعليم.
وحقيقة الأمر هي أن السكان المسلمين في بورما ، الذين تم تجريدهم من حقوقهم الأساسية كمواطنين، والذين تم اضطهادهم بشكل شديد يعتبرون حاليا الأقلية الأكثر اضطهادا في العالم وهم بحاجة إلى مزيد من الأمن في المنطقة وتوفير السكن اللازم لهم.
يحتاج المجتمع الدولي إلى ممارسة ضغط أقوى على حكومة بورما ، البلد الذي يضم العديد من المجموعات العرقية والدينية المختلفة طوال تاريخه، وعلى هذه الحكومة أن تدرك أن إعطاء المساواة في الحقوق والحريات لجميع الناس الذين يعيشون على تلك الأراضي لن يؤدي إلا لتحقيق الراحة والسهولة، ليس فقط للروهنجيا، ولكن أيضا لحكومة وشعب بورما .
المجتمع الدولي ينبغي أن يسعى لجعلها ترى هذه الحقيقة، فهؤلاء الأطفال الروهنجيا يستحقون أن يذهبوا إلى المدارس وتناول الطعام الصحي والحصول على حياة رغيدة أيضا.
أصبح المجتمع الروهنجي شيئا من العدم، فمن حق كل إنسان أن يُعامل كإنسان وعدم توفير الهويات وتهجيره من أراضيه أمر ليس مقبول في ظل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
إن حياة الذين يعيشون في ظل تقييد الحركة ليست سهلة، وقد عانى هؤلاء الناس كثيرا في السنوات القليلة الماضية وعلى المجتمع الدولي أن يقوم بخطوة إلى الأمام والاحتجاج من أجل حقوقهم.