[caption align="alignleft" width="300"]مسلمو الروهينجيا.. بين مقصلة الطائفية وصمت المسلمين في العالم أكثر من 800 ألف مسلم معرضون للإبادة[/caption]
أحمد الشلقامي
رغم ما أشيع دولياً عن التفاؤل بشأن حقوق الأقلية بدولة ميانمار حالياً (بورما سابقاً)، خاصة بعد حل السلطة العسكرية في مارس 2011م، وتعيين حكومة شبه مدنية، إلا أن أعمال العنف والاضطهاد لم تتوقف، وممارسات القمع ضد الأقلية المسلمة تزداد وتيرتها في ظل تخاذل دولي وصمت إسلامي غير مبرر. ففي يوم الثلاثاء الموافق 19/6/2012م، اندلعت الحرائق ووقعت اشتباكات مسلحة في غربي ميانمار بين المسلمين والبوذيين؛ مما أودى بحياة 31 شخصاً على الأقل، وذلك في وجود قوات الجيش، وهي الاشتباكات التي كانت على خلفية قيام مجموعة من البوذيين بالهجوم على حافلة تقل مجموعة من المسلمين التابعين لجماعة التبليغ والدعوة غير السياسية حيث هجموا عليهم وقاموا بقتل من كان في الحافلة بصورة بشعة وغير إنسانية في منطقة تاونجوب جنوب راخين، وجميع من قُتلوا من أقلية «روهينجيا». انتقادات دولية وتخاذل المعارضة ورغم ما تتعرض له الحكومة البورمية من ضغوط لحملها على وقف أعمال العنف، وتسبب هذه الأزمة مزيداً من القلق للمجموعة الدولية والمدافعين عن حقوق الإنسان، حيث بدأت الأمم المتحدة في إجلاء موظفيها من المناطق التي امتدت إليها أعمال العنف، وأعربت الولايات المتحدة عن «قلقها الكبير» تجاه الوضع في ميانمار. كما دعت وزيرة الخارجية الأمريكية «هيلاري كلينتون» بإلحاح جميع الأطراف إلى ضبط النفس ووقف هذه الهجمات، وطالبت بفتح تحقيق سريع وشفاف في أعمال العنف. وانتقدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» التعامل الرسمي مع الأزمة، وقالت المسؤولة المساعدة لآسيا في المنظمة «إيلين بيرسون»: إن أعمال العنف الدامية في راخين تمضي في دوامة يصعب السيطرة عليها تحت نظر الحكومة، وطالبت بإرسال «مراقبين دوليين مستقلين». كما صرح مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان في ميانمار «توماس أوجيا كوينتانا» قائلاً: إن التمييز ضد المسلمين تسبب في اندلاع الاشتباكات الطائفية في ميانمار. ورغم هذا التوجه الدولي وهذه الانتقادات التي لم تخرج عن كونها تصريحات صحفية، فإن الغريب في الأمر أن زعيمة المعارضة في ميانمار «أونغ سان سو تشي» لم تكن عابئة بالأحداث، ففي جولتها الأوروبية والتي بدأتها بزيارتها للبرلمان السويسري، حيث قوبلت باستقبال حار، قبل أن تتوجه إلى أوسلو المحطة الثانية في جولتها، ورغم تسليط الضوء على زيارتها من قبل المسؤولين الغربيين ووسائل الإعلام، فإنها امتنعت عن تقديم دعم يليق بحجم المأساة التي يعيشها 800 ألف مواطن مسلم من طائفة روهينجيا في راخين. وقال محمد إسلام، ممثل لاجئي الروهينجيا في مخيم في مدينة تكناف على الحدود مع بنجلاديش: نوجه نداءنا إلى الأمم المتحدة والدول الأجنبية والحكومة البورمية خصوصاً زعيمة المعارضة «سو تشي»، مؤكداً أن «سو تشي» لم تفعل ولم تقل شيئاً، مذكراً ما قامت به الروهينجيا، بمن فيهم والده، قاموا بحملة لمصلحتها خلال انتخابات 1990م. المسلمون في ميانمار في «بورما» سابقاً «ميانمار» حالياً، عدد السكان يزيد على 55 مليون نسمة، ونسبة المسلمين في هذا البلد لا تقل عن 15% من مجموع السكان، أغلبهم في إقليم أراكان ذي الأغلبية المسلمة، ويختلف سكان بورما من حيث التركيب العرقي واللغوي بسبب تعدد العناصر المكونة للبلاد، ويتحدث أغلب سكانها اللغة البورمانية، ويطلق على هؤلاء «البورمان»، وأصلهم من التبت الصينية، وهم قبائل شرسة، وعقيدتهم هي البوذية، هاجروا إلى المنطقة (بورما) في القرن السادس عشر الميلادي، ثم استولوا على البلاد في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وهم الطائفة الحاكمة، وباقي السكان يتحدثون لغات متعددة، ومن بين الجماعات المتعددة جماعات أراكان، ويعيشون في القسم الجنوبي من مرتفعات أراكان بورما وجماعات الكاشين. تصل نسبة المسلمين إلى أكثر من 20% وباقي أصحاب الديانات من البوذيين «الماغ» وطوائف أخرى، ويتكون اتحاد بورما من عرقيات كثيرة Ethnicities جداً تصل إلى أكثر من 140 عرقاً، وأهمها من حيث الكثرة «البورمان»، وهناك أيضاً الـ«شان وكشين وكارين وشين وكايا وركهاين، والماغ»، وينتشر الإسلام بين هذه الجماعات، والمسلمون يعرفون في بورما بـ«الروهينجيا»، وهم الطائفة الثانية بعد «البورمان»، ويصل عددهم إلى قرابة الـ10ملايين نسمة، أما منطقة أراكان فيسكنها 5.5 مليون نسمة، حيث توجد كثافة عددية للمسلمين يصل عددها إلى 4 ملايين مسلم يمثلون 70% من سكان الإقليم، وإن كانت الإحصاءات الرسمية لا تنصف المسلمين في هذا العدد، حيث يذكر أن عدد المسلمين، حسب الإحصاءات الرسمية، بين 5 و8 ملايين نسمة، ويُعدّ المسلمون من أفقر الجاليات في ميانمار وأقلها تعليماً ومعرفتهم عن الإسلام محدودة. آليات قمع الإسلاميين تواجه الأقلية المسلمة في بورما صنوفاً من الحقد والكره من جانب البوذيين، فمنذ أن حدث الانقلاب العسكري على يد «نيوين» عام 1962م، وبمساعدة النظاميين القمعيين الشيوعيين في ذلك الوقت «الاتحاد السوفييتي والصين»، وأصبح المسلمون هم وجه النظام العسكري المتتابع على بورما، وتنوعت وسائل وآليات القمع ضدهم. عمد النظام العسكري في بورما على تهجير المسلمين هناك، وذلك لتغيير الخريطة الديمجرافية للسكان، ووفقاً لإحصاءات مؤسسة «غوث» للاجئين، فإنه قد تم في العام 1978م طرد أكثر من 500 ألف، الآن يعيشون أوضاعاً قاسية جداً، مات منهم قرابة 40 ألفاً من الشيوخ والنساء والأطفال حسب إحصائية الوكالة التابعة للأمم المتحدة، والأصعب الذي يتعرض له البورميون من المسلمين أنهم عندما يهجرون فإنهم يلاقون معاملة وقسوة لا تقل عن التي يلاقونها في بورما من جانب الدول المجاورة التي يهجرون إليها، ففي ظل الأوضاع الحالية لهم أعلنت بنجلاديش أنها لن تفتح حدودها أمام الأشخاص الفارين من العنف الطائفي في ميانمار رغم صدور مناشدات دولية. تضيق اجتماعي حيث بلغ الجبروت والصلف بأن كان العسكر الحاكمون في ميانمار يمنعون على المسلمين استضافة أي أحد من خارجهم إلا بإذن مسبق، ويمنع منعاً باتاً المبيت في منازلهم للغرباء، وهذه لو تم الكشف عنها تعتبر جريمة يعاقب عليها. وقد مارست فيها السلطات في بورما أبشع الأفعال والمواقف سعياً منها لتذويب المسلمين داخل المجتمع البوذي وإلغاء ثقافتهم وهويتهم، فبجانب منع أبناء المسلمين هناك من التعليم الجامعي، فإن مساجد ومدارس المسلمين هناك غير معترف بها، وكثير منها تم هدمه، وما بقى لا يسمح بإعادة بنائها وتجديدها، حتى أن كثيراً من المساجد قد هدمت على رؤوس المصلين نظراً لتهالك جدرانها. صرخة «أوغلو» وفي ظل الصمت الإسلامي، والتجاهل غير المقبول، أدانت منظمة التعاون الإسلامي الاعتداءات الممنهجة والمنظمة التي تمارس ضد سكان الروهينجيا المسلمين في ولاية راخين والمقاطعات الأخرى في ميانمار.. وقال الأمين العام للمنظمة «أكمل الدين إحسان أوغلو»: «المنظمة تشعر بقلق بالغ إزاء التقارير الواردة عن استخدام العنف ضد أبناء الروهينجيا»، مؤكداً «أنهم مسالمون، ويعانون جراء هذه الانتهاكات منذ فترة طويلة». وجاء موقف «إحسان أوغلو» عقب تقارير وردت قبل أيام أشارت إلى تكرار الاعتداءات على أقلية الروهينجيا وأماكن عبادتهم وأملاكهم بالإضافة إلى أماكن إقامتهم بميانمار. وطالبت المنظمة الدول الأعضاء فيها والمجتمع الدولي إلى التدخل السريع لدى حكومة ميانمار من أجل العمل على منع عمليات العنف والقتل التي يتعرض لها أبناء الجالية، وتقديم المسؤولين عن هذه الأعمال إلى العدالة. ودعت منظمة التعاون الإسلامي السلطات في ميانمار للارتقاء إلى مستوى العملية الديمقراطية التي تشهدها البلاد، وتحمل مسؤولياتها في هذا الشأن، وأخذ كل الإجراءات اللازمة بهدف وقف العنف في راخين والحفاظ على المعايير الدولية إزاء حصول أبناء أقلية الروهينجيا على كامل حقوقهم.