بقلم: دلال العكيلي
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
وسط تصاعد أزمة أقلية الروهنغيا في ميانمار دعت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) لجنة جائزة نوبل إلى سحب جائزتها للسلام من زعيمة ميانمار أونغ سان سو تشي، كما شن ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حملات لنفس الهدف، بسبب ما وصفوه بمعرفتها وتأييدها لممارسات السلطات هناك ضد أقلية الروهنغيا.
أون سان سو تشي، زعيمة معارضة سابقة في ميانمار ولدت في 19 يونيو عام 1945م تشغل حاليًا منصب مستشار الدولة في ميانمار، وهي أول من شغل هذا المنصب، الذي يعادل منصب رئيس الوزراء، والدها هو الجنرال أون سان الذي قام بمفاوضات أدت إلى استقلال البلاد من المملكة المتحدة في سنة 1947م، بعدما كانت أون سان سو تشي رمزاً للديموقراطية، تجد مستشارة الدولة البورمية أونغ سان سو تشي نفسها في مقدم المواجهة للدفاع عن بلادها ضد اتهامات "الإبادة" الموجهة إليها بحق أقلية الروهنغيا، وذلك بعد قرارها المفاجئ بالحضور شخصياً إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، ورفعت في جميع أنحاء بورما لافتات كبيرة تحمل صورا لأونغ سان سو تشي وكتب عليها "نحن إلى جانبك"، فيما تستعد الحائزة جائزة نوبل للسلام للمواجهة في محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة حول أزمة الروهنغيا.
ويقوم مناصرو سو تشي بدعمها عبر طباعة شعارات مؤيدة لها على قمصان، وتنظيم تجمعات وحجز رحلات إلى لاهاي لإظهار تأييدهم لها، وعززت الأحزاب السياسية في البلاد وكذلك بعض المجموعات المتمردة المسلحة جهودها لإبراز الدعم للمستشارة، في بلد لا تحظى فيه أقلية الروهنغيا بالكثير من التعاطف ويعتبر أبناؤها مهاجرون غير شرعيين، لكن في الخارج وخصوصا في الغرب والعالم الإسلامي، ينظر لـ"سيدة رانغون" التي اعتبرت في يوم من الأيام رمزاً للسلام مثل الماهاتما غاندي ونلسون مانديلا، بأنها مدافعة عن منظمة عسكرية دموية تريد القضاء على المسلمين الروهنغيا في بورما، ولذلك، حرمت سو تشي من العديد من الامتيازات التي منحت لها، كما سحبت منها جنسيتها الكندية، وإن كان مشهد دفاع سو تشي عن بلادها أمام محكمة دولية سيلقى أصداء إيجابية محلياً، فقد يشكل ضربة قاضية لما تبقى من سمعتها الدولية، وأوضح ديفيد ماتيسون المتخصص في حقوق الإنسان والمستقر في رانغون لوكالة فرانس برس "إن لم تستغل هذه الزيارة سوى لتحدي العالم ومواصلة الدفاع عما لا يمكن تبريره، فسيزداد المأزق تعقيداً".
اعتراف خجول
باسم 57 دولة مسلمةً، تدعو غامبيا محكمة العدل الدولية إلى الإعلان عن تدابير موقتة بهدف منع حصول أية إبادة جديدة في بورما، وتؤكد غامبيا، البلد الصغير ذو الغالبية المسلمة في غرب إفريقيا، أن بورما انتهكت اتفاقية الأمم المتحدة حول الإبادات بقمعها الدموي لأقلية الروهنغيا قبل عامين، وفرّ نحو 740 ألف من الروهنغيا إلى مخيمات آخذة بالتوسع في بنغلادش، حاملين معهم شهادات عن عمليات القتل والاغتصاب والحرائق المفتعلة التي طالتهم، وهي انتهاكات اعتبر محققون في الأمم المتحدة أنها ترقى لمستوى إبادة.
وتؤكد بورما أن تلك العمليات كانت تستهدف مقاتلين وتصرّ على أن الادعاءات بوقوع انتهاكات هي موضوع تحقيق في البلاد لدى لجان معنية، لكن المجموعات المدافعة عن حقوق الإنسان تؤكد أن تلك اللجان لا تقوم سوى بتلميع صورة الانتهاكات، واتهم فريق الأمم المتحدة كذلك سو تشي وحكومتها بالتواطؤ في العنف، ما يمثل سقوطاً مدوياً لشخصية اعتبرت يوماً أيقونة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وقضت 15 عاماً قيد الإقامة الجبرية في ظل الحكم العسكري السابق في البلاد.
لكنها رفضت بشكل قاطع الانتقادات الموجهة ضد الجيش البورمي، ومن بينها التقرير الدامغ الصادر عن الأمم المتحدة، بحجة أن العالم الخارجي لا يفهم مدى تعقيد الوضع الداخلي، والتنازل الوحيد الذي قدمته سو تشي هو اعترافها الخجول خلال المنتدى الاقتصادي الدولي العام الماضي بأنه "كان يمكن إدارة الوضع بشكل أفضل"، غير أن ذلك لم يضع حدا للانتقادات.
سياسة أو مبادئ
ينقسم المراقبون إزاء الأسباب التي دفعت سو تشي لتضع نفسها تحت الأضواء، ويرى البعض أن حماية الجيش في هذه القضية قد يسمح للزعيمة البورمية بالحصول على تنازلات متعلقة بالدستور الذي وضعه الحكام العسكريون للبلاد، وبحسب المحلل السياسي مونغ مونغ سو "سيكون هناك مفاوضات وتنازلات أكثر بين الحكومة والجيش"، لكن يرى آخرون أن هذه الخطوة ليست سوى مناورة لاستقطاب الناخبين قبل الانتخابات الرئاسية، والتي يتوقع أن يفوز بها حزب سو تشي "الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية"، وأعلن خين يي من حزب "الاتحاد للتضامن والتنمية" المعارض والمرتبط بالجيش لوكالة فرانس برس "غالبية الأحزاب السياسية تعتقد أن (حزب سو تشي) سوف يستفيد من الانتخابات".
لكن المؤرخ والكاتب البورمي ثانت ميينت أو رأى أن الأمر ليس متعلقاً فقط بالحسابات السياسية، وأعلن خلال مناسبة في بانكوك "أعتقد أنها تكبت في داخلها غضباً كبيراً إزاء ما تعتبره موقفاً غير عادل من العالم الخارجي. وأعتقد أنها في الواقع تريد أن تطرح هذه الحجة أمام المحكمة"، وأضاف "هي تؤمن بصدق أنها الأفضل للقيام بهذا الدور"، ولم تجرؤ سوى ثلاث جماعات مسلحة متمردة هي "جيش التحالف الديموقراطي في ميانمار" و"جيش التحرير الوطني في تانغ" و"جيش أراكان"، على الإعراب عن تأييدها للاتهامات بوقوع إبادة.
لكن هذه الجماعات لم تستخدم تعبير "روهنغيا"، بل وصفتهم في بيان باسم "البنغاليين"، وهو تعبير يعد مسيئاً، لأنه يوحي بأن هؤلاء المسلمين متحدرون من بنغلادش، ورأى من جهته آي لوين من المركز الإسلامي في رانغون أن سو تشي تقوم بما يجب القيام به عبر تحملها شخصياً المسؤولية والذهاب إلى لاهاي، حيث سيكشف تماماً عن حجم الانتهاكات المرتكبة، وأضاف "الأمر لا يتعلق بالربح والخسارة بل بكشف الحقيقة ورفع الظلم".
تنديد بصمت أونغ سان سو تشي عما تعرض له الروهنغيا
نددت غامبيا أمام محكمة العدل الدولية ب"صمت" اونغ سان سو تشي حيال ما تعرضت له أقلية الروهنغيا المسلمة، وذلك غداة رفض الزعيمة البورمية اتهامات الإبادة، وتتهم غامبيا، بدعم من 57 دولة عضوا في منظمة التعاون الإسلامي، بورما بانتهاك ميثاق الحماية من جريمة الإبادة وتطالب محكمة العدل بأن تتخذ إجراءات عاجلة لحماية الروهنغيا، وقال احد محامي غامبيا فيليب ساندز إن "صمتك أكثر تعبيرا من كلماتك"، في إشارة إلى تصريحات سو تشي، علما أنها تترأس شخصيا الوفد الميانماري أمام المحكمة في لاهاي، ومنذ آب/اغسطس 2017، لجأ نحو 740 ألفا من الروهنغيا إلى بنغلادش هربا من تجاوزات الجيش الميانماري ومجموعات بوذية مسلحة، وأكد محامو غامبيا أن حجج سو تشي لجهة أن الجيش الميانماري استهدف ناشطين، تتجاهل الاتهامات بارتكاب جرائم جماعية وعمليات اغتصاب وطرد قسري، ورفضت سو تشي بشدة اتهامات غامبيا بان الجيش الميانماري تحرك "بنية ارتكاب إبادة" بحق الروهنغيا.
وقال محام آخر لغامبيا هو بول ريشلر "ليس هناك دليل واحد على أن عمليات التطهير التي قامت بها القوات المسلحة البورمية كانت تستهدف إرهابيين وليس السكان من الروهنغيا"، وأوضح أن بين القتلى "أطفالا ضربوا حتى الموت أو انتزعوا من أحضان أمهاتهم وألقوا في البحيرات قبل أن يغرقوا، وأضاف أمام القضاة أن "نزاعا مسلحا لا يمكن أن يكون أبدا عذرا لارتكاب إبادة"، وستدلي سو تشي بتصريحات ختامية في وقت لاحق، ولن تتخذ محكمة العدل قرارا في شان طلب اتخاذ إجراءات طارئة قبل أشهر.
الدفاع عن ميانمار أمام محكمة العدل
تسلط الأضواء اعتبارا على الحائزة جائزة نوبل للسلام أونغ سان سو تشي حين تمثل شخصيا أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي لتتولى بنفسها الدفاع عن بورما بوجه اتهامات "الإبادة" الموجهة إليها بحق أقلية الروهنغيا، ورفعت غامبيا بتكليف من الدول الـ57 الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، شكوى أمام محكمة العدل الدولية ضد البلد الواقع في جنوب شرق آسيا لاتهامه بارتكاب "أعمال إبادة" بحق مسلمي أقلية الروهنغيا.
وحضور مستشارة الدولة في ميانمار بنفسها أمام القضاء الدولي للدفاع عن بلادها المتهمة بارتكاب أسوأ الفظاعات، هو بحد ذاته بادرة غير اعتيادية إطلاقا، وخلافا لما قام به قادة آخرون، فإن أونغ سان سو تشي لا تنتقل إلى لاهاي حيث مقر أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، لمجرد الحضور، بل أعلنت أنها ستتولى بنفسها الدفاع عن "مصالح" بورما، وقال أستاذ القانون الدولي في جامعة تيلبورغ بهولندا فيليم فان غينوغتن "أمر استثنائي للغاية أن يذهب قادة كبار إلى محكمة العدل الدولية للدفاع بأنفسهم عن بلادهم" وليس فقط "لجذب انتباه وسائل الإعلام"، وتعقد محكمة العدل الدولية التي أنشئت عام 1946 لتسوية الخلافات بين الدول الأعضاء، للنظر في التجاوزات المرتكبة بحق الأقلية المسلمة في بورما، فاتحة بذلك ملفا بالغ الحساسية، ولجأ حوالي 740 ألفا من الروهنغيا منذ آب/أغسطس 2017 إلى بنغلادش هربا من حملة القمع التي ينفذها الجيش الميانماري والميليشيات البوذية، والتي وصفها محققو الأمم المتحدة بأنها "إبادة".
سحب لقب "مواطنة الشرف"
أعلنت متحدثة باسم عمدة مدينة باريس آن هيدالغو، أنها اتخذت قرارا بسحب لقب "مواطنة الشرف" من الزعيمة البورمية أونغ سان سو تشي وبررت المبادرة التي "لا سابق لها" بأنها جاءت احتجاجا على صمت الزعيمة البورمية حيال العنف الذي تعرضت له أقلية الروهنغيا المسلمة، وأوضح المصدر أنه "بالنظر إلى الانتهاكات المتعددة لحقوق الإنسان التي لوحظت في بورما والعنف والاضطهاد الذي ارتكبته قوات الأمن الميانمارية ضد أقلية الروهنغيا ووصفته الأمم المتحدة بالإبادة، فان رئيسة بلدية باريس ستقترح سحب لقب مواطنة الشرف التي منحت عام 2004 لأونغ سان سو تشي".
وقال باتريك كلوغمان مساعد رئيسة البلدية المكلف بالعلاقات الدولية "إنها بادرة ذات رمزية شديدة، غير مسبوقة في تاريخ مواطنية الشرف بمدينة باريس" مبديا أسفه إزاء "الصمت غير المفهوم والذي لا يمكن التسامح معه" للزعيمة البورمية، وكانت عمدة باريس وجهت في نهاية 2017 رسالة للزعيمة البورمية "تعبر عن القلق وتدعوها لاحترام حقوق أقلية الروهنغيا وبقيت الرسالة دون رد"، بحسب البلدية، ولم يسبق للزعيمة البورمية أن نددت بأعمال العنف والاضطهاد بحق الروهنغيا، وكانت منظمة العفو الدولية سحبت منها جائزة منحتها إياها عام 2009، كما سحبت كندا وعدة مدن بريطانية منها لقب مواطنة شرف.
العفو الدولية تسحب جائزة كانت منحتها للزعيمة الميانمارية سان سو تشي
جردت منظمة العفو الدولية الزعيمة البورمية أونغ سان سو تشي من جائزة كانت منحتها لها، وذلك بسبب "عدم اهتمامها" بالفظاعات التي ارتكبها جيش بلادها بحق المسلمين الروهنغيا، وقالت المنظمة الحقوقية العالمية ومقرها لندن أنها قررت تجريد سو تشي من جائزة "سفيرة الضمير" التي منحتها لها عام 2009 بينما كانت تخضع للإقامة الجبرية، وقال رئيس منظمة العفو الدولية كومي نيدو في رسالة إلى سو تشي "اليوم نحن نشعر بالصدمة العميقة لأنك فقدت مكانتك كرمز للأمل والشجاعة والدفاع المستميت عن حقوق الإنسان".
وأضاف "لا يمكن لمنظمة العفو الدولية أن تبرر وضعك الحالي كحائزة على جائزة سفيرة الضمير لذا، وبحزن كبير نحن نسحب منك هذه الجائزة"، وقالت المنظمة أنها أبلغت سو تشي ولم تعلق حتى الآن، ووصلت سو تشي وحزبها "الرابطة الوطنية للديموقراطية" إلى السلطة في 2015 في نصر كبير أنهى عقدا من الحكم العسكري في البلد الجنوب شرق اسيوي البالغ عدد سكانه نحو 50 مليون.
إلا أنها لم تدافع عن المسلمين الروهنغيا الذي أجبرهم الجيش على الفرار من البلاد في عملية وصفتها الأمم المتحدة بأنها حملة تطهير عرقي، وجردت سو تشي (73 عاما) من جنسيتها الكندية الفخرية بسبب قضية الروهنغيا، كما خسرت العديد من الجوائز من جامعات وحكومات، وفر أكثر من 720 ألف من المسلمين الروهنغيا من ولاية أراكان التي تسكنها غالبية بوذية، وكانت سو تشي تعتبر على مستوى العالم مدافعة عن الحرية وقفت في وجه الدكتاتورية العسكرية في بلادها وقضت 15 عاما في الاقامة الجبرية.
جماعات حقوقية تطلق حملة لمقاطعة ميانمار
عبر نشطاء في جماعات معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان عن دعمهم لأقلية مسلمي الروهنغيا في ميانمار ودعوا إلى مقاطعة عالمية للبلد الآسيوي قبل يوم من بدء جلسات محكمة العدل الدولية في قضية الإبادة الجماعية، ووصلت زعيمة ميانمار أونغ سان سو تشي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، إلى هولندا للدفاع عن بلادها خلال ثلاثة أيام من جلسات الاستماع بعد أن أقامت غامبيا دعوى قضائية أمام المحكمة، ونشر مكتب سو كي صورة لوصولها لمطار سخيبول في أمستردام حيث كان سفير بلادها في هولندا في استقبالها ثم اتجهت إلى لاهاي حيث مقر المحكمة، ومن المتوقع أن تشهد المدينة عددا من المظاهرات في الأيام المقبلة لجماعات تضم ناجين من الروهنغيا وأخرى ينظمها مؤيدون لحكومة ميانمار.
كانت غامبيا، وهي دولة صغيرة تسكنها أغلبية مسلمة في غرب أفريقيا، قد أقامت الدعوى التي تتهم ميانمار ذات الأغلبية البوذية بارتكاب الإبادة الجماعية بحق أقلية الروهنغيا المسلمة. والإبادة الجماعية هي أخطر الجرائم الدولية، وفر أكثر من 730 ألفا من الروهنغيا المسلمين من ميانمار عام 2017 بعد حملة وحشية قادها الجيش وقالت الأمم المتحدة إنها تمت "بنية الإبادة الجماعية" وشملت عمليات قتل جماعي واغتصاب، وترفض سلطات ميانمار هذا التصور تماما وتصف العملية العسكرية بأنها رد مشروع على هجمات نفذها مسلحون من الروهنغيا وأسفرت عن مقتل 13 من أفراد قوات الأمن.