بقلم: محمد الدابولي
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
مواقف متناقضة سجلتها مواقف الدول الأفريقية تجاه أزمة الروهنغيا، حيث كشف تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة ــ بتاريخ 28 ديسمبر 2019 ـ علي القرار المعنون «حالة مسلمي الروهنغيا وغيرهم من الأقليات في ميانمار» عن تضارب المواقف الأفريقية حيال تلك الأزمة.
تقلبت المواقف التصويتية الأفريقية علي القرار الأممي ما بين مؤيد للقرار وممتنع عن التصويت وأخيرا رافض للقرار الذي يدين انتهاكات التي يتعرض لها المسلمين وباقي الأقليات في ميانمار، حيث جاءت أغلب المواقف الأفريقية مؤيدة للقرار الأممي (31 دولة أفريقية) فيما امتنعت 11 دولة أفريقية عن التصويت كما لم تحضر 11 دولة أخري عملية التصويت من أساسه، في حين سجلت زيمبابوي الموقف الأفريقي الوحيد الرافض للقرار.
أزمة الروهنغيا في سطور
يقصد بها الأزمة التي اندلعت في عام 2017 في دولة ميانمار ـ جنوب شرق آسيا ـ حينما شن جيش ميانمار في أغسطس من العام نفسه حملة عسكرية لتطهير ولاية أراكان شمالي غرب البلاد من ما أسماهم الجماعات المتمردة الروهنغية، مما أدى إلى نزوح 740 ألف من مسلمي الروهنغيا وبعض الأقليات الأخرى إلى دول الجوار مثل بنغلادش وذلك وفق إحصائيات أممية، كما حذر رئيس بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في أكتوبر 2019 من احتمالية وجود خطر الإبادة الجماعية
وتتهم أيضا الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الحقوقية الدولية جيش ميانمار بارتكاب عمليات قتل واغتصاب جماعي وإحراق الآلاف من منازل أقلية الروهنغيا، فضلا عن حرمانهم من جنسية ميانمار، لذا جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير بأغلبية 134 صوت وامتناع 28 ورفض 9 أصوات مطالبا حكومة ميانمار بضرورة اتخاذ تدابير عاجلة لوقف التحريض على الكراهية تجاه الروهنغيا وتسريع الجهود لتجنيسهم وتفكيك معسكرات النازحين وأخيرا معاقبة المتورطين في الانتهاكات وحماية كافة المواطنين.
مواقف داعمة
أثبت التصويت الأممي الأخير عن دعم أفريقي متزايد لأزمة مسلمي الروهنغيا حيث صوتت 31 دولة أفريقية لصالح القرار الذي يدين الانتهاكات ضد الروهنغيا، وبتحليل مواقف الدول المؤيدة نجد أن الدول الأفريقية الكبرى مثل مصر والجزائر والمغرب ونيجيريا والسنغال وجنوب أفريقيا وإثيوبيا كانوا في مقدمة المؤيدين للقرار.
ومن المثير أيضا في ذلك التصويت أن التأييد الأفريقي لم يقتصر على الدول ذات الأغلبية الإسلامية مثل السنغال وتونس ومصر أو التي ترتفع بها نسبة المسلمين كغانا وبوركينافاسو بل أيضا شمل الدول الأفريقية الغير إسلامية مثل أوغندا ومالاوي وتوجو، وهو ما يعد إشارة إلى تجاوز الدول الأفريقية البعد الديني في تحقيق التضامن الإنساني بين الشعوب المختلفة.
جامبيا تقود العالم لإنقاذ الروهنغيا
في مفاجأة لم تكن متوقعة، قامت دولة جامبيا الواقعة في أقصي غرب أفريقيا والتي تبعد 7 آلاف ميل عن ميانمار برفع دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها السلطات في ميانمار بارتكاب إبادة جماعية بحق أقلية الروهنغيا، ونالت خطوة جامبيا إعجاب المجتمع الدولي ومعظم منظمات حقوق الإنسان مثل منظمة هيومن رايتس ووتش، كما حصلت على تأييد منظمة التعاون الإسلامي ـــ مقرها مدينة جدة السعودية ـــ والتي تضم 57 دولة إسلامية.
مشروعية التحرك الغامبي
استندت غامبيا في دعواها أمام محكمة العدل الدولية إلي توقيعها وتوقيع ميانمار علي اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها عام 1948، التي تمنع الدول من ارتكاب الدول جرائم إبادة جماعية وتسمح للدول الأخرى الموقعة التدخل لمنع تلك الجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها.
وفي هذا الإطار أوضح وزير العدل في غامبيا أن الهدف هو محاسبة ميانمار على أفعالها بحق شعبها، حيث أكدت مذكرة الدعوة (46 صفحة) التي قدمتها بلاده أن السلطات في ميانمار ارتكبت إبادة جماعية والقتل الجماعي والتسبب في أذي بدني ونفسي جسيم واتخاذ إجراءات لمنع التكاثر، كما طالبت جامبيا في دعواها ضرورة اتخاذ التدابير الفورية لضمان وقف الإبادة الجماعية بحق جماعة الروهنغيا.
لماذا غامبيا؟
مثلما أثارت خطوة غامبيا الإعجاب أثارت أيضا التساؤل حول دوافع تلك الدولة الصغيرة في أقصي غرب أفريقيا والتي ليس لها أية صلات مباشرة بدول جنوب شرق آسيا للقيام بهذا الأمر؟
وفي إطار الإجابة على هذا التساؤل أشارت «دانييل باكيت» مديرة مكتب صحيفة الواشنطن بوست في غرب أفريقيا إلي الخبرة القانونية والحقوقية في القضايا ذات الصلة (الإبادة الجماعية) لوزير خارجية جامبيا «أبو بكر تامبادو» الذي عمل لسنوات عدة في الأمم المتحدة كمحام في المحكمة التي أقرتها الأمم المتحدة لمحاكمة المتهمين بالإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.
وفي تصريح صحفي لواشنطن بوست ربط تامبادو بين الجرائم التي تمت في روندا عام 1994 بنظيرتها التي تقام حاليا في مناطق الروهنغيا خاصة بعد زيارته للإقليم في مايو 2018 ومشاهدته للواقع الإنساني في شمال ميانمار، ويضيف أن جرائم ميانمار أعادت إحياء ذاكرة الإبادة الجماعية الرواندية لديه نظرا للتشابه الشديد بينهما، من حيث تصاعد أعمال القتل الجماعي وتقاعس المجتمع الدولي في اتخاذ الإجراءات المناسبة لوقف تلك الانتهاكات، وجديرا بالذكر أن رواندا من الدول المؤيدة للقرار الأممي الأخير.
لذا يمكننا القول أن جامبيا نجحت في توظيف خبراتها الطويلة في التعامل مع قضايا الإبادة الجماعية في التصدي للانتهاكات الجسيمة في ميانمار، كما أنها تعد بادرة طيبة في تجاوز التضامن الإنساني الأفريقي حدود القارة الأفريقية، حيث أن أغلب قضايا التضامن الإنساني التي انخرطت فيها الدول الأفريقية كانت داخل الدول الأفريقية مثل التضامن مع ضحايا المجاعات والنزاعات الداخلية أو حتي التضامن مع بعض القضايا التي تكون إحدى الدول الأفريقية منخرطة فيها مثل التضامن مع القضية الفلسطينية.
موقف ضبابي
رغم تصدي معظم الدول الأفريقية وفي مقدمتهم جامبيا للانتهاكات في ميانمار، إلا أن بعض المواقف الأفريقية اتسمت بالضبابية وعدم الوضوح حيث امتنعت 11 دولة عن التصويت في حين غابت 11 دولة أخري عن عملية التصويت.
ومن المثير في هذا الأمر أن دول ذات أغلبية مسلمة مثل النيجر والصومال وجزر القمر لم تحضر عملية التصويت، في حين امتنعت دول مثل كينيا وتنزانيا والكاميرون وزامبيا وموزمبيق ونامبيا عن التصويت على القرار الأممي.
يمكن إرجاع تلك المواقف الضبابية إلي أسباب مختلفة أولهم إتباع معظم تلك الدول سياسة الانكفاء على الذات وعدم الانخراط في المشكلات العالمية وهو ما يتضح في مواقف بروندي وتنزانيا وليسوتو وموزمبيق وزامبيا.
أما السبب الثاني فيعود إلي معاناة بعض تلك الدول إلي أزمات تقترب من الأزمة في ميانمار على سبيل المثال أفريقيا الوسطي التي شهدت أحداث قتل جماعي وعنف طائفي خلال السنوات الأخيرة وكذلك الكاميرون التي تشهد مناطقها الشمالية اضطرابات مستمرة لذا تفضل تلك الدول الامتناع عن التصويت أو حتى عدم الحضور.
ويوجد سبب أخر ألا وهو حرص تلك الدول على تماهي مواقفها السياسية مع مواقف بعض الدول الكبرى مثل الصين وروسيا، فالموقف الصيني رافض تماما لإدانة سلطات ميانمار بارتكاب إبادة جماعية، نظرا لوجود حدود مشتركة بين ميانمار والصين، وخشية الصين من إدخال منطقة جنوب شرق آسيا في دوامة العنف الأهلي والإثني الأمر الذي قد يؤثر علي مستقبل الصين السياسي وكذلك الاقتصادي، حيث تعد تلك المنطقة ـــ أي جنوب شرق آسيا ـ هي منطقة النفوذ الأولى لبكين.
صدمة في زيمبابوي
تعد زيمبابوي هي الدولة الأفريقية الوحيدة التي صوتت ضد القرار الأممي الأمر الذي أصاب العديد من الوسائل الإعلامية في زيمبابوي بالصدمة متسائلين حول الدوافع التي دفعت حكومته للتصويت ضد قرار أممي يدين انتهاكات جسيمة.
وفي هذا الإطار أشارت صحيفة «زيمبابوي الجديدة new Zimbabwe»» إلى أن القرار الزيمبابوي جاء متسقاً مع ممارسات الحكومة المناهضة لحقوق الإنسان حيث تواجه قوات الجيش سجلا حافلا من الاتهامات الخاصة بقتل المدنيين أثناء تظاهرات عامي 2017 و 2018، فيما انتقد وزير التعليم السابق «جوناثان مويو» تصويت بلاده مؤكدا أنه كشف توجهات الحكومة الحالية ضد حقوق الإنسان والتي تعد استمرارا لسياسة الرئيس الراحل روبرت موجابي.
ويمكن تفسير الموقف الزيمبابوي بأن هراري اتخذت موقفا متماهيا مع الموقف الصيني فمن المعروف أن زيمبابوي تعد أحد أبرز مناطق النفوذ التقليدية للصين في أفريقيا حيث يعود تاريخ هذا النفوذ إلي فترة السبعينيات والدعم الذي تلقاه «الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي ZANU » الحزب الحاكم حاليا من الحزب الشيوعي الصيني.