بقلم: كاميلو كازولا
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
عادت ميانمار إلى دائرة ضوء العدالة الدولية بعد أن رفضت الزعيمة الميانمارية أون سان سو تشي، التي طُلب منها المثول أمام قضاة محكمة العدل الدولية، اتهامات الإبادة الجماعية الموجهة إلى حكومة نايبيداو، ضد أقلية الروهنغيا خاصة في الولاية الجنوبية الغربية أراكان، مما أجبر أفرادها على الفرار وطلب اللجوء في بنغلادش المجاورة. بات تجريد أون سان سو تشي من جائزة نوبل للسلام التي حازت عليها في سنة 1991 أمرا قريبا.
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، أثارت غامبيا - وهي دولة صغيرة في غرب إفريقيا - قضية الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها الجيش الميانماري في حق الأقليات المسلمة من جماعة الروهنغيا التي غالبًا ما يُشار إليها في الصحافة الدولية باسم "أكثر الجماعات العرقية غير المرحب بها في العالم". ومنذ الاستقلال عن الاستعمار البريطاني، تجمعت هذه الأقلية في ولاية أراكان على الحدود مع بنغلادش. وبما أن ميانمار لا تمنحهم الجنسية، فلا يمكنهم التنقل بحرية ويعيشون في حقول مكتظة خارج عاصمة أراكان، مدينة سيتوي.
يُعتبر الروهنغيا ضيوفًا على الأراضي الميانمارية، ويُبَرّر العنف المرتكب في حق هذه المجموعة الإثنية بالرغبة في ضمان أمن السكان الميانماريين ضد الجماعات الإرهابية الناشطة في المنطقة. ولا يزال المجتمع الميانماري يعرّف الروهنغيا بأنهم "مسلمون بنغاليون" وتظل دياناتهم أساس عدم الاندماج. ويشكل البوذيون حوالي 80 بالمئة من سكان ميانمار، على عكس خصمتها الحالية، غامبيا، التي يعتنق حوالي 95 بالمئة من سكانها الإسلام السني.
من خلال مطالبة محكمة لاهاي بالحكم في القضية، أظهرت الحكومة الغامبية دورًا غير مسبوق على الساحة الدولية. ترأس الوفد وزير العدل في بنجول، أبو بكر تامبادو. وحث تامبادو محامي حقوق الإنسان، وهو عضو سابق في المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، على بدء الإجراءات ضد نايبيداو عقب زيارة إلى مخيم كوكس بازار للاجئين، وهو مخيم الاستقبال الرئيسي للاجئين الروهنغيا في جنوب بنغلادش، وذلك بمناسبة انعقاد قمة منظمة التعاون الإسلامي في البلاد.
شدد ممثل الحكومة الغامبية على وجود عناصر قوية للمقارنة مع ما حدث في رواندا في سنة 1994، عندما أدى تقاعس المجتمع الدولي إلى إبادة جماعة التوتسي الإثنية على أيدي أغلبية الهوتو في البلاد، وقام بتوجيه تهمة الإبادة الجماعية ضد ميانمار. يبدو أن صورة شخصية تامبادو وتجربته المهنية كان لها تأثير كبير على مبادرة غامبيا السياسية، التي تبدو سياسية أكثر من كونها قانونية. مع ذلك، من الصعب أن نتخيل أن هذا يمكن أن يمثل في حد ذاته العامل الوحيد لتفسير رغبة غامبيا في تولي مسؤولية الملف المتعلق باضطهاد الأقليات المسلمة في جنوب ميانمار نيابة عن منظمة التعاون الإسلامي.
إن قرار رفع دعاوى ضد ميانمار بسبب انتهاكها لاتفاقية الإبادة الجماعية يرجع إلى خط واضح في القطع مع الماضي الغامبي الأخير. في سنة 2016، كانت الانتخابات بمثابة نهاية غير متوقعة لنظام يحيى جامع، الذي وصل إلى السلطة سنة 1994، وعزز على مر السنين سمات الحكم الاستبدادي والقمعي للغاية، من خلال الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان والتعذيب والاعتقالات التعسفية والقتل المستهدف للصحفيين والمعارضين والرقابة.
لقد أدت العزلة السياسية التي فرضتها قيادة جامع إلى جعل غامبيا "دولة منبوذة" في المجتمع الدولي، مما أجبر نسبة كبيرة من المواطنين الغامبيين على الفرار. ومثّل سقوط نظام جامع وصعود أداما بارو وتوليه الرئاسة، بعد نهاية أزمة ما بعد الانتخابات الخطيرة التي جازفت بإغراق البلاد في هاوية الحرب الأهلية، بداية مرحلة جديدة في تاريخ السياسة الغامبية.
مع ذلك، لا يزال التوازن السياسي في بنجول محفوفًا بالمخاطر، خاصة أن رئاسة بارو الهشة تعد مصدرا للاحتجاجات الشعبية بسبب انتهاك الاتفاقيات مع بعض القوى السياسية التي كانت في الأصل جزءًا من تحالف الأغلبية، والتي تضمنت التنصيص على مرحلة انتقالية مدتها ثلاث سنوات على إثرها تجرى انتخابات جديدة.
يبدو أن استراتيجية الحكومة، في هذا المعنى، تسعى للحصول على الدعم الدولي ومساندة الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي من أجل اكتساب شرعية خارجية قوية، بينما تعمل على تعزيزها داخليًا بزيادة احتمالات تفويض انتخابي جديد في سنة 2021.
مع ذلك، يسلط النقاش السياسي الغامبي الضوء على جانب من المفارقات. فبينما تحاول بنجول حشد الدعم على الساحة الدولية، كحصن للدفاع عن حقوق الأقليات المضطهدة، ظهرت شائعات بشأن اتفاق يسمح للرئيس السابق جامع بالعودة إلى وطنه. على الرغم من أن الحكومة الغامبية نفت وجود اتفاق بين بارو وجامع، إلا أن الصعوبات السياسية التي يواجهها الرئيس الحالي داخليًا وصعود حركة شعبية لدعم الرئيس المنفي يبدو أنها تشير على الأقل إلى احتمال حدوث ذلك. وفي الأثناء، لا يزال ضحايا نظام جامع، في كثير من الحالات، في انتظار تحقيق العدالة.
يعد قرار اللجنة الحكومية الدولية المؤيد للاتهامات التي أثارتها غامبيا انتصارًا كبيرًا للدولة الإفريقية الصغيرة، بعد أن أعلنت المحكمة بالإجماع عن الجرائم التي ارتكبتها القوات العسكرية الميانمارية في أراكان. من بين خمسة عشر قاضيًا دوليًا يشكلون تقليديًا المحكمة، أبدى القاضيان اللذان عينا من قبل ميانمار وغامبيا تأييدهما للقضاة. وعلى الرغم من أن هذا الحكم غير ملزم، إلا أنه في الواقع يخلق أساسًا قانونيًا يمكن أن يبرر فرض عقوبات على نايبيداو. وبما أن ميانمار ليست مسرح المواجهة الوحيد في العالم بين الأقليات المسلمة والحكومات الوطنية (كشمير أو سنجان)، فإن موقف اللجنة الحكومية الدولية بشأن الروهنغيا يخلق سابقة مهمة.
كما هو قائم اليوم، سيمكن الحكم من وضع ميانمار في مواجهة ضغوط دولية أكبر. لكن توقيت زيارة الدولة، التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ يومي 17-18 كانون الثاني/ يناير 2020، يخفف بالتأكيد من تأثير التدابير المؤقتة للجنة الحكومية الدولية. وقد وقّعت كل من بكين ونايبيداو على 33 اتفاقية تتعلق بمشاريع مبادرة "حزام واحد طريق واحد"، أحدها يتضمن إنشاء ميناء في أعماق البحار على خليج البنغال، في ولاية أراكان.
في الحقيقة، يؤكد هذا الاتفاق أن "مبدأ عدم التدخل" الصيني لا يزال يتعارض مع الأدوات التقليدية للعلاقات الدولية في الغرب. ويظل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يضطلع الآن بمهمة فحص عمل المحكمة وتحديد كيفية المضي قدما، الضامن للتنفيذ الفعال لتدابير اللجنة الحكومية الدولية. وسيستغرق المجلس عدة سنوات لاتخاذ قرار وفقا للأغلبية.