بقلم: إبراهيم حافظ
وكالة أنباء أراكان ANA | خاص
أنا شهر رمضان ، أحدثكم عن الروهنغيا في أراكان ؛ أراكان التي خلت أو كادت تخلو منهم . لم يعد بها من يستطيع أن يحتفي بي ويحكي عني . لم يبق هنا من آثارهم غير الأطلال الخربة والديار المحترقة . أين ذهب الناس الطيبون الذين كانوا هنا؟ كلهم أو جلهم طردوا من هنا وشردوا ، وفرقهم أعداؤهم شذر مذر ما بين مخيمات اللجوء الموزعة في مختلف الدول ؛ ولهذا أجدني مضطرا لأن أنوب عنهم في الحديث عن ذكرياتهم عني وعن أيامي ، أستحضرها لكم من ذاكرتي وأنا أتجول بين أطلالهم وخرائبهم !
يدخرون أقواتهم !
▪️أول ما أتذكره أنهم كانوا يستعدون لمجيئي من قبل شهرين أو ثلاثة ، فكنت أراهم يدخرون أقواتهم الرمضانية في مخازنهم ومستودعاتهم بكل حماس ؛ لئلا ينشغلوا بها في رمضان عن عبادتهم !
يرممون مصاحفهم !
▪️وكانوا ينظفون المساجد والشوارع ، ويرممون المصاحف الممزقة . وكنت أراهم يعتنون بشكل خاص بالغرف الملحقة بالمساجد ، ويهيئونها لتكون موضع إفطار للصائمين من أهل الحي وغيرهم من المغتربين وأضيافهم .
يكرمون حفّاظهم !
▪️كانوا يعتنون بالبحث عمن يصلي بهم التراويح في مساجدهم من أهل القرآن وحفظته من قبل دخولي عليهم بشهر أو شهرين ، وكانوا يكرمونهم غاية الإكرام في نهاية شهرهم .
يتحرون هلالهم !
▪️كنت أرافق بعض مشايخهم وهم يصعدون إلى ذرى الجبال والمرتفعات لتحري رؤية هلالي ، وكانت رحلات سمر سعيدة أشاركهم فيها وهم يتحملون مشاقها بطيب نفس منهم .
قرن الثور بوقهم !
▪️كنت أسمعهم يهتفون ويعلنون عن فرحة قدومي بالنفخ في أبواق يصنعونها من قرون الثيران ! يظلون ينفخون فيها متجولين بها بين الأحياء والقرى إعلانا وإشهارا لسكانها بدخولي عليهم .
البليلة تمرهم !
▪️كانت البليلة أشهر طبق رمضاني لديهم ، وكنت أراهم يتناولونها بلذة روحانية غريبة ؛ ربما لارتباطها في نفوسهم بأعظم شعيرة من شعائر دينهم . وما كان معهودا عندهم الإفطار بالتمر ؛ لأنهم ما كانوا يجدونه ولا كانوا يزرعونه في بلادهم .
ماء الزير عصيرهم !
▪️كانوا يقطعون مسافات طويلة داخل غاباتهم لاستجلاب ماء عذب من أعماقها على ظهورهم ؛ ليقوموا بتبريده داخل جرار مدفونة في الأرض من تحتهم ، ثم يوزعونه مبردا بحصص مقدرة بأباريق على المساجد والأهالي في أحيائهم ، وكنت أغبطهم وهم يتلذّذون بشربه أيما تلذذ ساعة إفطارهم !
سر الصحة في أبدانهم !
▪️كنت أرى الفواكه المزروعة في حقولهم حاضرة بقوة على موائد إفطارهم ، من مثل : جاك فروت أو كاكايا (هاتول) ، فاكهة القشطة (شوريبا) ، فاكهة البابايا (خويّا) ؛ ربما لذلك كنت أراهم في الجملة يتمتعون بصحة جيدة في أبدانهم !
فيراهم تزاحم فواكههم !
▪️كنت أرى بعض أنواع الكعكات أو المعجّنات التي يتفننون في صنعها ، ويحتفون ويعتزون بتناولها ويسمونها (فيرا) تزاحم الفواكه في إثبات الحضور على موائدهم !
الغروي سحورهم !
▪️كانت لهم طرائق خاصة في طبخ الأرز الغروي (بني بات) وتناوله خلال سحورهم . وكنت أمتعض وأنا أرى أغنياءهم يمتعون أنفسهم ويميزونها بنوع خاص غالي الثمن من هذا الأرز يسمونه (خوجبو بِني) لا يطاله فقراؤهم !
في المسجد إفطارهم !
▪️كنت أرى أغلب رجالهم يجتمعون على الإفطار في المساجد بأن يأتي كل منهم بما تيسر من بيته ؛ ليشاركوه أهل المسجد ومن فيه من جيرانهم وأضيافهم .
يزرعون مساجدهم !
▪️كان لمساجدهم حقول صغيرة ملحقة بها ، وكنت أراهم يزرعونها بدأب ، وأعجب من تخصيصهم ثمارها إفطارا وإكراما لمن يفد على مساجدهم من أبناء السبيل ومن يحل فيها ضيفا بهم !
يحتفون بضيوفهم !
▪️وكانت ضيافتهم الرمضانية للمغتربين وأبناء السبيل تمتد من مساجدهم إلى بيوتهم ، يستضيفونهم فيها ثلاثة أيام ويطعمونهم !
يختمون في تراويحهم !
▪️كنت آنس برؤيتهم يصلون التراويح عشرين ركعة كل ليلة ، يختمون القرآن كله خلال شهرهم . وكانوا يستقلون من لا يصليها عشرين ، أو يكادون يزدرون من لا يختمون القرآن في تراويحهم !
القرآن مصباحهم !
▪️كنت أصحبهم بسعادة وهم يقضون الليالي الطوال في تلاوة القرآن على ضوء الشموع في بيوتهم ، يتلذذون وينتشون بتلاوة كلام ربهم ، ويتألمون ويحترقون لفواتهم إدراك معناه رغم حرصهم واشتياقهم !
الاعتكاف ديدنهم !
▪️كنت ألمس تحرّجهم الشديد من ترك المساجد بلا اعتكاف في العشر الأواخر ، فلا يكاد يخلو مسجد لهم خصوصا الجوامع من عشرة معتكفين أو أكثر يتنافس وجهاؤهم وأعيانهم في ضيافتهم وتوفير مؤنتهم !
عزيز علي فراقهم !
▪️كان يعز علي فراقهم وأنا أراهم متأثرين بشدة متبتلين متخشعين ، تتصاعد منهم الزفرات وتعلو أصواتهم بالبكاء ألما وحزنا على فراقي إياهم !
المصدر : لقاء حواري مع الباحث الروهنغي د. محمد أيوب السعيدي عبر مكالمة هاتفية .