شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)
مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)
يسود هدوء حذر في سيتوي، عاصمة ولاية راخين، في شمال ميانمار بعد أسابيع من أعمال العنف الطائفي بين مسلمي الروهينجا والبوذيين في راخين. وقالت ميات هلا (46 عاماً) لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، وهي تجلس على أرض دير سوتونج بايي، خارج المدينة حيث يعيش حوالى ألفي نازح من سكان راخين: “ما زلنا مصدومين. ويساورنا القلق من إمكانية تكرار حدوث مثل تلك الاضطرابات مجدداً”.
وقد ادعت ميات وسكان بوذيون آخرون في قريتها تعرضهم للهجوم على يد مسلمي الروهينجا الذين قاموا بتحطيم منازلهم. والآن هم يتساءلون متى أو هل سيستطيعون العودة مرة أخرى؟ ويتساءل تون ثين (64 عاماً): “كيف يمكننا الشعور بالأمان والسلام؟ هل يجب أن يتم إجبارنا نحن البوذيين وهم المسلمين على العيش معاً مثل ما كنا في السلبق؟”
هذا ويُنظر إلى الاضطرابات الدموية الأخيرة على أنها اختبار كبير للحكومة الإصلاحية للرئيس البورمي، ثين سين، الذي أعلن حالة الطوارئ في المنطقة يوم 10 يونيو. وكانت موجة العنف قد اندلعت في 8 يونيو بعد مزاعم عن اغتصاب وقتل امرأة بوذية شابة في أواخر مايو على أيدي ثلاثة رجال مسلمين. وقد أدى الهجوم الذي وقع في 3 يونيو مستهدفاً حافلة إلى سقوط 10 قتلى مسلمين وتم إحراق آلاف المنازل وقتل العشرات في الهجمات الانتقامية التي تلت ذلك.
ووفقاً للأرقام الحكومية، نزح أكثر من 52,000 شخص من ديارهم وها هم يعيشون الآن في 66 موقع إغاثة مؤقت في ست مدن، بينما تشير التقديرات غير الرسمية إلى أن العدد الحقيقي للمتضررين يقترب من 90,000. هذا وقد ذكرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين مؤخراً أنه من الممكن أن يبقى العديد من الناس في حالة نزوح لمدة ثلاثة أشهر أو ربما أكثر. وتقول الحكومة أنه تمّ تدمير أكثر من ألفي منزل وأنه يتم إيواء معظم النازحين الآن في المدارس والمباني الدينية.
ويتم عالمياً تسليط الضوء مرةً أخرى على محنة الروهينجا- وهم أقلية عرقية ولغوية من المسلمين يبلغ عددهم حوالى 800,000 في راخين. فقد واجهوا لفترة طويلة الاضطهاد في ميانمار، وهم يُعتبرون بنظر القانون البورمي عديمي الجنسية. وتشير جماعات حقوق الإنسان إلى أن أفراد الروهينجا يواجهون التمييز بصورة منتظمة، حيث يُطلب منهم الحصول على تصاريح لكل معاملاتهم، بدءاً من تجديد منازلهم إلى الزواج والسفر. وحتى داخل راخين، ينبغي على الروهينجا التقدم للحصول على تصريح عند السفر من مدينة إلى أخرى، في حين أن فرص حصولهم على الخدمات الصحية والتعليمية محدودة للغاية. كذلك، تشير التقارير إلى انتشار العمالة القسرية في صفوف هذه الفئة.
وقد فر مئات الآلاف منهم إلى بنجلاديش المجاورة- حيث يعيشون في ظروف مزرية ويُنظر إليهم كمهاجرين غير شرعيين- أو إلى أماكن أخرى في المنطقة مثل ماليزيا وتايلاند. وفي تصريح عبر الهاتف لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال كيميائي من الروهينجا طلب عدم ذكر اسمه: “نحن لا نعرف متى سيحل السلام وستعود حياتنا إلى طبيعتها. والدتي مريضة وأختي حامل وأنا قلق جداً عليهما”. وقد أضاف أنهم أجبروا على الفرار من سيتوي للهرب من السكان البوذيين الغاضبين.
هذا وقد تم تطويق معظم قري الروهينجا منذ اندلاع أعمال العنف، وتقوم شرطة مكافحة الشغب بمراقبتها بغية منع نشوب المزيد من الاشتباكات. وقالت سيدة من الروهينجا من سيتوي: “لقد أجبرتنا السلطات على الخروج من سيتوي إلى تلك القرى الموجودة في الريف حيث يعيش شعبنا من الروهينجا. في الحقيقة نحن لا نرغب في ذلك ولكن كيف يتسنى لنا أن نرفض؟”
يتساءل تون ثين عما إذا كان يمكن للطائفتين التعايش معاً
ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، تمت إعادة افتتاح المكاتب الحكومية والمصارف ومعظم المتاجر والأسواق في منطقة سيتوي. وقد تم استئناف خدمة العبّارات العامة في 18 يونيو بين سيتوي ومونجدو على نهر ناف. ولكن العديد من السكان يقولون أن الوضع ما زال متوتراً، لا سيما في تلك المناطق حيث كثافة الروهينجا السكانية عالية. فلطالما كان هناك توتر بين الطائفتين، ولكن السياسيين المحليين يقولون أن هذا التصاعد الأخير في العنف يمكن أن يجعل الأمور أسوأ. هذا وقال هلا سو من حزب تنمية القوميات في راخين أن “الجانبين يكرهان بعضهما البعض الآن أكثر من قبل. وهما لا يشعران بالأمان في العيش سوياً كما كان الوضع في السابق”.
ورغم مساعدة العديد من النازحين، ثمة قلق متزايد بشأن صحتهم. فقد قالت طبيبة في عيادة مؤقتة أن “أربعة من بين كل عشرة أشخاص يعانون من الإسهال نتيجةً للصرف الصحي غير النظيف”، مضيفةً أنها تعالج العديد من المرضى الذين يعانون من نزلات البرد والسعال والانفلونزا بسبب موسم الأمطار حيث ينام النازحون على أرضية مصنوعة من الخرسانة. وذكرت الطبيبة أنه “ينبغي ترتيب مساكن لائقة للجميع بصورة عاجلة، لأنهم إذا استمروا في العيش في مثل تلك الظروف فإن صحتهم ستزداد سوءا”.
وقد طالبت حكومة ميانمار- التي تقدم مساعدات تشمل الغذاء والمسكن والمستلزمات الطبية ومواد غير غذائية إلى النازحين- الأمم المتحدة وشركائها من الوكالات الإنسانية تقديم الدعم لجهودها. واستجابةً لذلك الطلب، يقوم برنامج الأغذية العالمي- الذي تشير تقديراته إلى وجود حوالى 90,000 شخص بحاجة إلى المساعدة- بوضع اللمسات الأخيرة على الخطط الخاصة بعملية توزيع الأغذية لمدة ثلاثة أشهر، الأمر الذي سيتطلب دعماً إضافياً من الجهات المانحة.