وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
تغيب غالبية وسائل الإعلام العربية عن تغطية مناطق النزاعات الملتهبة حول العالم بحثاً عن معلومات وأنباء موثوقة، وتكتفي بالاعتماد على وكالات ومصادر أجنبية، خصوصاً أن العمل في تلك المناطق ينطوي على أخطار عدة، ويتطلب من المؤسسات الصحافية والتلفزيونية العربية تدريب صحافييها ومراسليها على التغطية الميدانية في ساحات الحروب والتي تتطلب تأهيلاً خاصاً.
وجاءت أزمة اضطهاد أقلية «الروهنغيا» في ميانمار لتكشف هذا العوار في الإعلام العربي الذي غاب عن الحدث، فتأججت مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤازرة «الروهنغيا» أو التشكيك في صحة الروايات والأخبار الواردة من هناك، إلى أن قررت قناة «سكاي نيوز عربية» إيفاد مراسل لاستبيان الأزمة والاقتراب من تفاصيلها، ووقع الاختيار على مدير مكتبها في القاهرة سمير عمر الذي كشف لـ «الحياة» تفاصيل رحلته وصعوباتها.
وقال: «جاء تكليفي من قبل «سكاي نيوز»، وهي محطة رائدة في مثل هذه التغطيات المهمة، واستقبلته سعيداً لأسباب عدة منها أنها «تجربة مثيرة» لأي صحافي يبحث عن حقيقة الأوضاع حول «أزمة الروهنغيا»، والأوضاع في معسكرات اللجوء في بنغلادش والمأساة التي تعرضوا لها، موضحاً أن لم يكن ثمة إمكان للدخول إلى ميانمار كونها ترفض دخول الصحافيين والبعثات الأممية، لذا دخلنا من الجانب الآخر عبر بنغلادش حيث توجد معسكرات اللجوء».
التغطية العربية عاطفية وتفتقر الدقة
وسئل: ألا ترى الإعلام العربي تأخر أو غاب عن تغطية تلك الأحداث، فقال: «لا يمكنني تقويم ما فعله الإعلام العربي في شأن متابعة الأحداث على الأرض، لكن يمكن القول إن كل التغطيات الناطقة بالعربية في تلك الأزمة تفتقر إلى الدقة والمهنية، وتعاملت مع الأزمة بروح عاطفية من دون تحقق عما يدور على الأرض في غالبيتها».
وحول استعداده لتلك المهمة، قال: «قبل السفر وتنفيذ هذه المهمة، اطلعت على تقارير ومعلومات وصور يغلب الجانب الإنشائي والعاطفي عليها. ومع ذلك لم أذهب بقناعات مسبقة، كي أحلل وفقاً للمعلومات المتاحة وما أراه رؤى العين في الواقع». وأضاف: «اعتمدت الاستقصاء، باحثاً حول كون كل اللاجئين من الروهنغيا مسلمين فقط أم بينهم هندوس، وهل البوذيون يدعمون ما تقوم به السلطات في ميانمار في حق الأقلية باعتبار أن الديانة الأكبر والأكثر انتشاراً هي البوذية هناك. كما بحثت عن أبعاد الأزمة ما إذا كانت دينية وإثنية فقط، أم ذات أبعاد سياسية واقتصادية، واقتربت أكثر من القضية والتقيت مواطنين وبعض المسؤولين في المنظمات الأممية وغيرها. ومن ثم يمكن أن أقول بضمير مرتاح إن الصراع ليس دينياً فقط، هو إثني في جزء كبير منه، لكنه يشتمل على أبعاد سياسية واقتصادية أيضاً».
وأكد: «التقيت عدداً من الكهنة البوذيين من بنغلادش، وهي دولة ليست مسلمة مئة في المئة، بل تضم بوذيين وهندوس ولادينيين، في سرادق عزاء بوذي في كوكس بازار (مدينة ساحلية بنغالية)، وجميعهم أكدوا رفضهم لأي ممارسات تنطوي على اضطهاد أو تعذيب أو إبادة تمارس ضد أي إنسان، إضافة إلى رفضهم ما تقوم به ميانمار ضد الروهنغيا».
وفسر كون غالبية تقاريره جاءت إنسانية وليست سياسية، بقوله: «نظراً إلى ذهابي إلى النصف الآخر من المأساة التي تنقسم إلى قسمين، أولهما «مأساة الاضطهاد»، والثاني «معاناة اللجوء»، التي تابعتها عن كثب. أما مأساة الاضطهاد فقد وردت على لسان عدد من مواطني «الروهنغيا» الذين سجلت معهم هناك، وسيتم عرضها في شكل أكثر تفصيلاً عبر «وثائقي» سيعرض قريباً على شاشة سكاي نيوز عربية».
وحول الصعوبات التي واجهته خلال رحلته قال إنها «تنطوي على صعوبة في الحصول على تأشيرة دخول إلى بنغلادش لا سيما للصحافيين، لكن السفارة قدمت تسهيلات في هذا الصدد شرط البقاء 7 أيام فقط. واضطرنا إلى البقاء 10 أيام، مع سداد غرامة التأخير من أجل استكمال التصوير بعد انتهاء صلاحية التأشيرة.
وتأتي اللغة في صدارة الصعوبات التي واجهت موفد «سكاي نيوز»، لا سيما أن اللهجة الروهنغية تختلف عن تلك التي يتحدثها أهل بنغلادش، ما دفع فريق العمل إلى اصطحاب اثنين من المترجمين أحدهما روهينغي والآخر بنغالي، يقوم الروهينغي بترجمة البنغالية إلى الشخص البنغالي، فيما يقوم المترجم البنغالي بالترجمة إلى الإنكليزية لهم، ما استغرقهم مزيداً من الوقت أثناء التسجيل والتصوير.
اضطهاد «هندوس الروهنغيا» أيضاً
ويروي عمر فصول المأساة التي شاهدها قائلاً إن «عدداً من المواطنين لم يكن لديهم القدرة على التعبير عن طبيعة مأساتهم، سجلنا مع كثيرين لكنهم تلعثموا، فغالبيتهم أمّيون، وجميعهم فقراء». لافتاً إلى أن «الملاحظة المهمة أنني التقيت لاجئين من الهندوس الروهنغيا» داخل معسكرات اللاجئين في مدينة كوكس بازار البنغالية، وأكدوا أيضاً أن الاضطهاد لم يقع على المسلمين فقط بل امتد إلى هندوس الروهنغيا، لأن التحرك جاء ضد العرقية كلها في ميانمار. موضحاً «لا تخلو الأزمة من بعد ديني»، فغالبيتهم من المسلمين لكن حتى الهندوس واجهتهم المشكلات ذاتها.
ونفى عمر تخوف اللاجئين من الحديث إلى وسائل الإعلام بقوله «لم يكن ثمة صعوبة إلا في فهم ما يقولونه أو التعبير عن مشكلاتهم»، لافتاً إلى أن «أكثر المشاهد المؤثرة هي تلك السيدة التي ضاع عنها زوجها وظلت تبحث عنه في أرجاء بنغلادش، من دون جدوى، إذ ظلت تبكي فتعذر التصوير معها. وثمة رجل آخر لم أتمكن من التسجيل معه، بفعل بكائه الهستيري، إذ فقد سبعة من أفراد عائلته في إحدى المراكب التي واجهت الغرق أثناء فترة وجودنا هناك».
وصادف عمر متطوعين كثيرين لتقديم الخدمات ومساعدة اللاجئين، غالبيتهم من أوروبا لا سيما الجنسية البريطانية تحديداً، وأولئك الذين ينحدرون من أصول بنغالية.
وحول الاستعدادات المصاحبة للذهاب إلى تلك المناطق الساخنة، أوضح أن «ثمة إجراءات خاصة»، ولدى «سكاي نيوز عربية» قسم للأخطار وتغطية المناطق ذات الأهمية الخاصة، وفور تحديد موعد السفر أرسل لنا «القسم» تعليمات خاصة لكونها منطقة خطيرة، وقمنا بأخذ الأمصال الخاصة ضد أمراض تلك المناطق، وتم متابعتنا لحظة بلحظة هناك. وعند خروجنا تم إبلاغنا بهوية السائق ورقم السيارة والمعاونين لنا، وموعد الانطلاق من الفندق والعودة إليه. وتعذر التواصل أحياناً أثناء التصوير في مناطق نائية بفعل ضعف شبكة الاتصال على مدار اليوم. وعند وصولنا أخطرناهم بأننا بخير، لأن من المهم متابعة فريق العمل على الأرض».
وأضاف: «غطيت مناطق حروب وأماكن ذات طبيعة خاصة، لكن الحقيقة أن هذا الفقر وتلك المعاناة التي رصدتها في مخيمات اللجوء في «كوكس بازار» أو في مناطق الهروب عبر مدينة شاهبورير ديب على الحدود الجنوبية لبنغلادش، حيث الموقع الأهم لعبور الفارين من ميانمار إلى الجارة الآمنة، غير مسبوقة.
ثمة مشاهد لم أر مثلها في طبيعة المعاناة أو مستوى الفقر، إذ يعيش نحو عشرين إلى ثلاثين فرداً داخل خيمة صغيرة، ويشكل الأطفال والنساء نحو 60 في المئة من عدد اللاجئين وهو رقم ضخم للغاية ويعاني معظمهم من سوء التغذية أو النزلات المعوية، فيما يتأخر وصول بعض المساعدات، ما يضطرهم إلى البقاء من دون طعام لأوقات طويلة، بينما تنهمر الأمطار الغزيرة التي غالباً ما تتصاحب مع درجة حرارة مرتفعة، ما يجعلهم يواجهون معاناة مركبة».
وتيقن عمر أن «هذا الصراع له مستويات أربعة، فهو صراع ذو طبيعة إثنية عرقية ودينية طائفية وسياسية ويحمل وجهاً اقتصادياً أيضاً، إذ يعاني الهندوس الروهنغيا معاناة المسلمين ذاتها».
ودعا سمير عمر أي صحافي وليس العرب وحدهم إلى أن يقترب من الحدث والسعي للحصول على المعلومات الصحيحة ووضعها في سياقها، كي يتمكن من تحليل الأوضاع في شكل سليم ونقله للجمهور، لافتاً إلى أن كاميرا «سكاي نيوز» كانت الأولى التي وصلت إلى أقلية الروهنغيا عام 2012 وذهبت إلى كوكس بازار، ورصدت موجة اللجوء، إذ أرسلت فريقاً لتصوير المأساة، وأنتجت وثائقياً قصيراً ومجموعة من التقارير، بالطبع لم تكن الأزمة بهذا الحجم آنذاك، لكن كان لها السبق في الوصول وبث ما يحدث يوماً بيوم.