وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
قالت له “لا أعرف ما إذا كنت محظوظة لأنني على قيد الحياة، أو بائسة لأنني فقدت كل أفراد أسرتي”. هي شابة من الروهنغيا اضطرت إلى الفرار إلى بنغلادش بسبب العنف في ميانمار، التقاها أداما ديانغ الممثل الخاص للأمم المتحدة المعني بمنع الإبادة الجماعية. هذا الحوار بينهما دفعه للتساؤل: أين إنسانيتنا؟
كان ديانغ يزور منطقة كوكس بازار في بنغلادش التي وجد فيها نحو 700 ألف مسلم من الروهنغيا ملاذا آمنا من العنف الذي شهدوه في ميانمار ودفعهم إلى ترك ديارهم والفرار بدون مقتنياتهم القليلة في رحلات محفوفة بالمخاطر.
ديانغ تحدث هاتفيا مع ريم أباظة من بنغلادش عن القصص المروعة التي استمع إليها من الضحايا، مستنكرا الصمت وعدم التحرك لإنقاذهم.
أداما ديانغ: ما سمعته من الروهنغيا مروع وآمل بشدة ألا يتكرر في أي مكان. قابلت شابة تبلغ من العمر حوالي 35 عاما. قالت لي إنها لا تعرف ما إذا كانت ممتنة لبقائها على قيد الحياة أو بائسة لأنها فقدت كل أفراد أسرتها، لقد فقدت 21 شخصا. تحدثت معي عما وقع في ميانمار، وقالت إن الجيش قتل الرجال في قريتها وأبقى النساء في المنازل كرهائن، ثم اغتصب أفراد من الجيش الكثير من النساء، وفي الليل أحرقوا المنازل، ولقيت الكثيرات حتفهن. تمكنت بعض النساء من الفرار، وكن يتعثرن أثناء ذلك في الجثث الملقاة في الخلاء. بعد إصابتها بحروق، استمرت في الركض تجاه الغابة المظلمة. وفي الصباح قالت إن أفراد الجيش عادوا إلى قريتها فلم يجدوا سوى الرماد. نامت في الغابة، واستيقظت في الليل واستمرت في السير بين التلال لمدة سبعة أيام بدون طعام أو ماء أو دواء. لم يكن باستطاعتها حتى التوقف للحظة لاستيعاب مشاعر الحزن على فقدان أسرتها. أثناء اختبائها، وجدت مزيدا من الفارين مثلها، ومعا ركبوا قاربا قرب الحدود مع بنغلادش، وعندما وصلوا إلى الحدود تم الإسراع بنقلهم إلى المخيم الطبي. وأريد هنا الإشادة بالعمل الذي يقوم به موظفو اليونيسف على الأرض من أجل الأطفال الذين التقيتهم ممن يحملون آثار جراحهم. على سبيل المثال قابلت فتى صغيرا أصيب برصاصة في منطقة حساسة من جسده. إنه وضع مروع. لم أشهد في حياتي مثل هذا المستوى من الهمجية. قابلت أشخاصا وصلوا إلى بنغلادش قبل أسبوع، بما يدل على أن العنف ما زال مستمرا في ميانمار رغم تراجع حدته. ما قالوه لي إن المدنيين تعرضوا للضرب والتهديد والتجويع وكان يقال لهم “غادروا ميانمار لأنها ليست بلدكم”. وأتساءل هنا: إلى متى سنظل صامتين بدون أن ننقذ أولئك الناس الذين يوصفون بأنهم الأكثر تعرضا للاضطهاد في العالم.
-أخبار الأمم المتحدة: قلت إن ما شهدته وسمعته في كوكس بازار هو مأساة إنسانية تحمل بصمات حكومة ميانمار والمجتمع الدولي، ماذا تقصد بذلك؟
أداما ديانغ: حكومة ميانمار تتحمل المسؤولية الرئيسية تجاه حماية سكانها، وقد فشلت في ذلك عندما تعرض السكان لهذا المستوى من الهمجية، وارتكبت الجرائم بهذا المستوى، وأُحرقت القرى واُغتصبت النساء. رأيت في كوكس بازار طفلة رضيعة تبنتها واحدة من الضحايا الفارين من العنف، لأنها وجدت الصغيرة وحيدة بدون من يرعاها بعد أن قتل أمها وأبوها. شعرت الحزن الشديد لحال هذه الرضيعة. وتأثرت بمستوى التضامن من هؤلاء الضحايا. وتساءلت: أين إنسانيتنا؟ قلت إن المأساة تحمل بصمات المجتمع الدولي أيضا، وذلك لأن الوضع في ميانمار والاضطهاد الذي عانى منه الروهنغيا لم يبدأ أمس ولكنه بدأ منذ عقود طويلة. كيف نسمح بمثل تلك الأوضاع بعد 70 عاما من صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. بعد الحرب العالمية الثانية أكد العالم أنه لن يسمح بتكرار حدوث الفظائع، ولكنها تكررت.
-أخبار الأمم المتحدة: ذكرت أن المعلومات لديك تفيد بوقوع جرائم خطيرة في ميانمار، لكن ما الخطوات الضرورية الآن للتحرك قدما؟
أداما ديانغ: ما قلته واضح للغاية، لقد ارتكبت جرائم دولية في ميانمار. المسلمون الروهنغيا قتلوا، وعذبوا، واغتصبوا، وأحرقوا وهم أحياء، وأهينوا بسبب هويتهم. كل المعلومات التي تلقيتها تشير بوضوح إلى أن نية الجناة كانت تطهير شمال ولاية أراكان من وجود الروهنغيا، واحتمال القضاء على الروهنغيا كجماعة، وإذا ثبت ذلك الاحتمال فسيكون جريمة إبادة جماعية. وبالطبع سيعود الأمر للمحكمة للبت في ذلك.
-أخبار الأمم المتحدة: وما هي الخطوات التي يتعين اتخاذها الآن؟
أداما ديانغ: أولا من المهم معالجة الأسباب الجذرية للمشكلة. معظم اللاجئين الذين التقيتهم يريدون العودة إلى ميانمار، ولكنهم لن يستطيعوا العودة في ظل الظروف الراهنة. سيعودون إذا وجدت تأكيدات بشأن كفالة كل حقوقهم، وإزاء تطبيق توصيات اللجنة المعنية بأراكان التي يرأسها الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان. سيعودون إذا وجدت تأكيدات بشأن تقديم مرتكبي الجرائم ضد الروهنغيا إلى العدالة. لا يمكن السماح بالإفلات من العقاب فيما يتعلق بالجرائم التي ارتكبت، والتي للأسف ما زالت مستمرة.