وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
الظروف بعيدة عن أن تكون مهيّأة لعودة الروهنغيا بأمان وكرامة، ما دامت الأسباب الجذرية للأزمة على حالها.
في الأسبوع الماضي وقعت الأمم المتحدة وحكومة ميانمار اتفاقاً من المفترَض أن يبدأ عملية طويلة لإعادة مئات الألوف من اللاجئين الروهنغيا إلى ديارهم. وقد أثنت الأمم المتحدة على الاتفاق باعتباره «الخطوة الأولى لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع في أراكان».
قالت «أونغ سان سو تشي»، مستشارة الدولة في ميانمار، وزعيمتها السياسية الفعلية، إن الاتفاق سوف «يعجّل» عودة اللاجئين.
ومع ذلك، تُركت بقية العالم لتخميناتها. ولم يتمَّ إطْلاع الجمهور على النص الكامل لمذكرة التفاهم الموقعة بين حكومة ميانمار ووكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ولم يتمَّ إطلاع وسائل الإعلام، والمنظمات غير الحكومية، والحكومات المانحة، وحتى وكالات الأمم المتحدة الأخرى.
وهذا الافتقار إلى الشفافية، ليس العلامة الوحيدة التي تنذر بوجود خلل في الصفقة.
وما لا يمكن إنكاره، ممّا يُستشفُّ من بيانات الأمم المتحدة الرسمية، أنه يمكن استخلاص بعض الجوانب الإيجابية، التي تتعلق بصورة رئيسية بزيادة وصول وكالات الأمم المتحدة إلى أنحاء ولاية أراكان. وهي المناطق التي ظلت مغلقة بإحكام في وجه العالم الخارجي منذ أغسطس/ آب 2017، عندما شنّ جيش ميانمار «عملية تطهير مميتة»، فقتل ألوفاً من الروهنغيا، وأرغم مئات الألوف على الهرب عبر الحدود إلى بنغلادش. وهنالك حاجة ماسة إلى المساعدات وإعادة الإعمار لمن بقوا، وهو الأمر الذي يمكن أن يستفيد من زيادة وجود الأمم المتحدة.
ولكن الصفقة تثير من التساؤلات أكثر مما تعطي من الإجابات بكثير. فأولاً، تمّ التفاوض عليها خلف أبواب مغلقة، دون إشراكٍ أبداً لممثلين عن الروهنغيا. فكيف يمكن أن يضمن الاتفاق عمليةَ إعادة آمنة وكريمة إلى الوطن، دون إشراك للمجتمع الذي تعنيه بالذات؟ وباستبعادنا نحن الروهنغيا، والتعامل مع ميانمار فقط، يوحي المجتمع الدولي مرة أخرى برسالة مفادها أننا لسنا جديرين بأن نكون أسياد مصيرنا.
كما أن توقيت الصفقة، يجعل من الصعب أن لا نرتاب في دوافع ميانمار. فقد جرى الإعلان عن مذكرة التفاهم، في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه ميانمار، أنها ستشكل لجنة جديدة «للتحقيق في انتهاك حقوق الإنسان والقضايا المتعلقة بذلك» في ولاية أراكان منذ عام 2017. وكوْنُ ميانمار، لم تتطرق حتى إلى ذكر انتهاكات جيشها، ينبئ بالكثير عن مدى الصدقية التي سيتحلى بها هذا التحقيق. وميانمار لها سجلٌّ حافل بإنشاء لجان مماثلة، في أوقات ملائمة من الناحية السياسية، ولكنها لم تؤدّ إلى أي مساءلة حقيقية. ومن المرجح أن تحاول مذكرة التفاهم ولجنة التحقيق، شراء بعض الوقت، وكسب وُدّ المجتمع الدولي.
والصورة الأشمل للوضع، بطبيعة الحال، هي أن الظروف بعيدة جدّاً عن أن تكون مهيّأة لعودة الروهنغيا بأمان وكرامة، ما دامت الأسباب الجذرية للأزمة على حالها.
وفي الوقت ذاته، لا تزال سلطات ميانمار تحتفظ بنظام لقمع وعزل الروهنغيا، يجرّدهم من إنسانيتهم عبر أجزاء واسعة من ولاية أراكان. وليس الروهنغيا محرومين من الجنسية فقط بموجب القانون الميانماري، بل نحن معزولون أيضاً عن المجتمعات المحلية الأخرى. ونحتاج إلى ترخيص خاص للسفر، ودخول المستشفيات، والحصول على التعليم- لو سُمِح لنا حتى بدخول المدارس أصلاً.
في بلدة «سيتْوِي»، عاصمة ولاية أراكان، تمّ حصر معظم مَنْ بقي من مجتمع الروهنغيا، داخل أحياء تشبه الحارات المغلقة (الغيتو)، معزولين تماماً عن بقية البلدة بأسلاك شائكة. وكان هذا التمييز هو ما دفعني إلى الفرار من ولاية أراكان في أوائل تسعينات القرن الماضي، للحصول على التعليم، لأن السلطات لم تسمح لي بدخول الجامعة، لمجرد أنني من الروهنغيا. وقد ازدادت الأمور سوءاً منذ ذلك الحين.
يجب على المجتمع الدولي أن يُصرّ على قيام ميانمار بإنهاء كل أشكال التمييز ضدّ الروهنغيا. ويجب محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، كخطوة أولى لضمان عدم العودة إلى العنف. وأخيراً، فإن الروهنغيا في ولاية أراكان- سواء في ذلك الذين يعيشون هناك الآن، ومَن يعودون في المستقبل- في حاجة إلى ضمانات حماية، من قِبل المجتمع الدولي، لكيْ لا يُترَكوا تحت رحمة قوات الأمن في ميانمار. والشكل الذي يأخذه ذلك، يجب التفاوض عليه مع وجود ممثلين عن الروهنغيا على مائدة المفاوضات.