وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
يعرف محمد حسين من قاد الهجوم على قريته، وانضم إلى جنود ميانمار للاستيلاء على جيرانه من الروهنغيا، وكما قال: «قطّعوها إرباً». وكشف أنه قبل عامين، أودعه الشخص عينه زنزانة وحرق ساقيه بقضيب معدن ساخن وغرز إبراً تحت أظافره.
والرجل نفسه هو من ذبح زوج خاتون مصطفى أثناء هجوم الجنود على قريتهم، ثم اغتصبها مرات على مدى أيام عدة.
شارك حوالي 20 لاجئاً من الروهنغيا في قصص مشابهة نقلها الصحافي مايكل شويترز ونشرتها «ذي نيويورك تايمز» (الطبعة الدولية) أخيراً، موضحة بالتفصيل أعواماً من الاضطهاد وإساءة المعاملة التي بلغت ذروتها في المذبحة الجماعية للروهنغيا في قرية تشوت بيين بميانمار (27 آب/ أغسطس 2017). وكما يقول شهود إن «أحد الأشخاص مسؤول عما حصل لكنه فوق المحاسبة»، وهم يعرفون أين يعيش ورقم هاتفه الخليوي. هو أونغ ثين ميا، المسؤول الإداري عن قرى عدة في المنطقة منها تشوت بيين، وعلى رغم إيحاءات بأنه سيواجه عقاباً.
بعد عام من بدء الجيش الميانماري حملة التطهير العرقي الواسعة ضد قرى الروهنغيا وإحراقها، ما أسفر عن مقتل آلاف وإجبار مئات الآلاف الآخرين على الفرار إلى بنغلادش، بعد هجمات شنّها متمردو الروهنغيا على مراكز عدة للشرطة، لم يتحقق أي تقدّم تقريباً في مساءلة أي شخص.
لقد تعثرت جهود المجتمع الدولي إلى حد كبير وركّزت في الدرجة الأولى على قـــيادات البلاد. أما أونغ ثين ميا فهو من أقلية الراخين الذين تعرّضوا للاضطهاد على أيدي الجيش والغالبية البوذية في البلاد، لكنهم انضموا إلى الحملة ضد الروهنغيا.
في مقابلة هاتفية، أنكر ثين ميا الاتهامات وقال إنه لم يكن حاضراً حتى أثناء المجزرة، مناقضاً ما أدلى به أكثر من 12 شاهداً.
في تشوت بيين وقرى أخرى بالمنطقة، عاش القرويون الراخين والروهنغيا المسلمون منذ فترة طويلة في حالة غير مستقرة بجانب بعضهم بعضاً، يتنافسون من أجل الوصول إلى حقول الرز وبرك الصيد والأراضي لرعي مواشيهم. تحوّلت حالة عدم الثقة إلى عداء خلال الحرب العالمية الثانية، عندما دعمت الأقليتان طرفي المعارضة في الحرب، إذ دعم البوذيون اليابان، بينما ساعد المسلمون بريطانيا.
تحت الهيمنة السياسية لجنرالات البلاد في العقود الأخيرة، كان للراخين البوذيين مثل أونغ ثين ميا اليد العليا في الولاية، وشغلوا معظم المناصب الإدارية المحلية، وابتعدوا من الروهنغيا الذين جرّدوا على مدى عقود من جنسيتهم وحريتهم.
ويصف تقرير نشرته مجموعة «فورتيفيتي» للدفاع عن حقوق الإنسان في تموز (يوليو) الماضي، كيف أن الجيش، بمساعدة من البوذيين المحليين، خطط بدقة للإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية في العام الذي سبق الهجمات. وقد صودرت الأدوات الحادة التي يمكن استخدامها كأسلحة، وهُدّمت الأسوار حول منازل الروهنغيا، ونشر آلاف من الجنود في ولاية أراكان.
كما يبدو أن أونغ ثين ميا أرسى لسنوات حالة من الرعب على الروهنغيا. وأفاد سكان محليون بأنه سرق مواشيهم وإنتاجهم وفرض عليهم رسوماً باهظة، بدءاً بمراعي الماشية ومعاملات الزواج وانتهاء بمقترحات الزواج (…). وبمجرّد ذكر اسمه يثور لاجئون كثر نظراً إلى ما قاسوه، منهم عبدالله الذي يكشف: «لقد عذبنا كثيراً إلى درجة أنني شعرت بأنني أستطيع أكله نيئاً».
وثّق محققون من جمعيات حقوق الإنسان انتهاكات مماثلة في تشوت بيين. وقد دعّمت منظمة العفو الدولية تقريرها الذي نشرته في حزيران (يونيو) الماضي، بشهود قالوا أنهم تعرّضوا منذ فترة طويلة لمضايقات على يدي أونغ ثين ميا الذي يصرّ على الإنكار، جازماً بأنه كان يتمتع بعلاقة ودية مع جيرانه من الروهنغيا، حتى عندما أشار إلى أنهم يستخدمون شروحات عنصرية أو «بنغالية»، وهو مصطلح يقصد به أن ينقل، في شكل زائف، أنهم ليسوا موالين لميانمار. وقال إن الروهنغيا أحرقوا منازلهم وهربوا لأسباب غير معروفة منه (…).
رعب منهجي
على بعد نحو 145 كيلومتراً من تشوت بيين، يتجمّع معظم الناجين من القرية في «بلوك سي 10»، أحد القطاعات الأكثر ازدحاماً في مخيم تيخالي للاجئين في بنغلادش. تقع الكتلة على قمة تل، مستفيدة من نسيم «لطيف» يخرج أحياناً من حرارة القمع والروائح الحامضة وأسراب الذباب الأسود التي تجعل الحياة في أقسام أخرى من المكان أكثر بؤساً.
ومع ذلك، لا توجد مياه جارية أو كهرباء، وليس هناك وظائف كثيرة للذين يعيشون على معونات منظمات إنسانية أجنبية. كما أن الكثير مما بُني، وهو عبارة عن محاليل من الخيزران على أكوام من الصلع والأشجار، معرّض للخطر من الرياح الموسمية الصيفية المتأخرة ، في حين يتوقع أن تستمر آفة الأمراض المميتة مثل الكوليرا والخناق.
يفيد أحمد حسين (25 سنة)، أحد الناجين من مجزرة تشوت بيين، بأن 94 جريحاً وصلوا إلى المخيم العام الماضي بعد نحو شهر من الهجمات المتتالية، جميعهم أصيبوا برصاص، كما تعرّضت 19 امرأة للاغتصاب. ويضيف: «قتل 358 شخصاً الهجوم الذي وقع يوم 27 آب 2017، بينهم والدي وأخي وأختي التي أخبرت المنقذين أنها تعرّضت للاغتصاب قبل أن يطلق النار عليها».
كانت غرفة التعذيب التي احتفظ بها أونغ ثين ميا بالقرب من منزله ذات أرضية ترابية ساخنة وبلا نوافذ، يعوم فيها البول والبراز ومليئة بالبعوض، وفقاً لما ذكره 12 شخصاً وصفوا تجاربهم هناك. وقالوا أنهم حوصروا أياماً وأسابيع في الظلام، وأعطوا بالكاد ما يسدّ رمقهم من طعام وماء. وتعرّضوا للضرب والتعذيب باستمرار.
يذكر حسين (40 سنة) أنه بينما كان يعمل في متجره، حضر أشخاص وسألوه أين أخفى سلاحه وأمواله. ثم اقتادوه إلى الغرفة، مكبل اليدين ومعصوب العينين. وبدأ التعذيب في الواحدة صباحاً عندما وصل أونغ ثين ميا، فقطعوا معصمه بسكين وغرزوا إبراً تحت أظافره وكوى أونغ ثين ميا أماكن من جسمه بقضيب حديد ساخن، ولا تزال آثاره ظاهرة على فخذيه ورجليه. ويذكر أنه قبع في هذا «السجن» 13 يوماً، وكان عليه أن يشتري المياه، واكتفوا بإعطائه قليلاً من الملح والرز الرديء، لكنه لم يكن قادراً على تناوله.
شقّوا حلقه
من جهة أخرى، تقول خاتون مصطفى (25 سنة) أن أونغ ثين ميا ذبح زوجها عبد الهاشم أمامها وأطفالها، وتؤكّد متابعة: «لقد شقّ حلقه».
لكن ذلك، كما توضح، كان مجرّد ذروة الرعب الذي تحمّلته عائلتها. فقبل أربعة أو خمسة أيام من الهجوم على تشوت بيين، حضر أونغ ثين ميا إلى منزلها بحثاً عن زوجها. وتقول: «افترضت أنه كان يفعل ذلك مع نساء أخريات فقط لتعذيب المسلمين. كان هو وزملاؤه يعتقلون الرجال المسلمين ويحتجزونهم إلى أن يدفع مبلغ معقول من المال كفدية». وقد أجابته أن زوجها في عمله فلم يصدّقها واتهمها بإخفائه واعتقلها مع أطفالها الأربعة ونقلها إلى «الغرفة المشؤومة» حيث توجد أقفال ثقيلة للأرجل تستخدم أثناء التعذيب.
رُبطت ساقا خاتون وذراعيها بحبل، وضربت بحزام وقضيب حديد. ورفض أونغ ثين ميا الإفراج عنها طالما أن زوجها متوارٍ. وبقيت وأطفالها أربعة أيام من دون طعام، «فكانوا يتضورون جوعاً».
وتضيف: «ذات ليلة، في الواحدة أو الثانية صباحاً، جاء أونغ ثين ميا وضربني ثم أغلق فمي واغتصبني. كان أطفالي يصرخون من الخوف. لقد فعل كل هذا في الظلام». ولم يطلق سراحها إلا بعد أن دفع جيرانها فدية.
وتعرّضت ثلاث أخريات في المخيم لإساءة مماثلة أثناء مـحاولتهن حماية أزواجهن، إحداهن تدعى سوبيا (30 سنة)، لفّ أونغ ثين ميا ومساعد له وشاحاً للرأس حول وجهها لمنعها من الصراخ.