وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
بعد أيامٍ من توقف محاولةٍ لإعادة مئات الآلاف من الروهنغيا المسلمين في بنغلادش إلى وطنهم، أصبح مستقبل الأقلية الأكثر اضطهاداً في العالم أكثر ضبابية من ذي قبل، وتزايدت المخاوف من أنهم لن يكونوا قادرين على العودة إلى ميانمار بأمان قبل عدة سنوات، إن كانوا سيعودون من الأصل.
وحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، فقد تبدَّدت جهود حكومتي ميانمار وبنغلادش، الأسبوع الماضي، لبدء عملية إعادة أكثر من 700 ألف لاجئ من الروهنغيا المسلمين يعيشون في معسكراتٍ بمدينة كوكس بازار في بنغلادش، إلى وطنهم، بعد عدم موافقة أيٍّ من الروهنغيا على العودة إلى ميانمار، ما سيجعل إحدى كبرى أزمات اللاجئين بالعالم في طورٍ جديد من النسيان.
العقبة الرئيسة في طريق إعادتهم إلى الوطن هي أن معظم اللاجئين من الروهنغيا المسلمين فقدوا الأمل في العودة إلى الوطن، فالظروف بإقليم أراكان ما تزال بالخطورة نفسها وعدم الاستقرار الذي كانت عليه قبل القمع العسكري في أغسطس/آب 2017، والذي شهد مقتل عشرات الآلاف، واغتصاب النساء، وتسوية قرى كاملة بالأرض؛ ما تسبَّب في نزوح جماعي.
ميانمار لم تُبد أي رغبة في استعادة الروهنغيا المسلمين
أعلنت حكومة ميانمار، الأسبوع الماضي، أنها مستعدةٌ لإعادة الروهنغيا المسلمين ، وقد أنشأت معسكراتٍ ومراكز استقبال للترحيب بهم، على دفعات، عددها 150 شخصاً في اليوم.
ولكن، لم يكن هناك أي ضمانات لسلامتهم، أو حقوق مواطنة أو حرية حركة، وكلها أشياء ينظر إليها الروهنغيا والمجتمع الدولي على أنها شروطٌ أساسية لبداية العودة إلى الوطن.
قالت يانغي لي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في ميانمار، لصحيفة The Guardian البريطانية يوم الأربعاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2018: «أنا لا أصدق أن ميانمار تريد استعادة الروهنغيا».
صرَّحت ميانمار نفسها بأن الروهنغيا المسلمين العائدين لن يُسمَح لهم بالتحرك أبعد من منطقة بلدة منغدو في أراكان، وهي إحدى المناطق الثلاث التي فروا منها.
وقالت «لي»: «الحديث عن إعادتهم إلى الوطن الآن غير واقعي، بل إنه خطرٌ للغاية». وأضافت: «لم تُبد ميانمار أي رغبة في استعادة الروهنغيا، وعلى الرغم من كل حديثهم، فإن هذا ليس سوى مجرد حديث. لقد أقحموا أنفسهم في كل تلك المشاكل ليخرجوهم، ولم يتغير أي شيء».
قد يتضح أن الحالة غير المستقرة بإقليم أراكان عقبةٌ لا يمكن تجاوزها، تقف في طريق إعادة اللاجئين بالمستقبل القريب. وقد تستغل سلطات ميانمار مخاوف جماعات حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية لتضمن بقاء الروهنغيا في معسكرات كوكس بازار سنواتٍ مقبلة، إن لم يكن للأبد.
وهي مستعدة لاستقبال جزء منهم للتخلص من أنظار المجتمع الدولي
قالت «لي» إنه حتى في ظل جهود المصالحة سيتطلب الأمر «سنوات عديدة» قبل أن يصبح الوضع آمناً لعودة الروهنغيا المسلمين ، لأن «عقوداً من التمييز ضد الروهنغيا بالقانون والممارسات والسياسات» نجحت في ترسيخ كراهية المسلمين بأراكان.
وأضاف ا: «لوضع ما زال سيئاً للغاية في أراكان، لدرجة أن المسلمين هناك ما زالوا يفرون إلى بنغلادش، هناك 14 ألفاً من الروهنغيا عبروا الحدود منذ يناير/كانون الثاني 2018، وقالت رئيسة بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق مؤخراً، إن «الإبادة الجماعية ما زالت مستمرة».
تردَّدَت أصداء التشاؤم لدى «لي» في حديث مارك فارمانر، مدير حملة ميانمار بالمملكة المتحدة.
إذ قال لصحيفة The Guardian البريطانية إن العرض العلني لميانمار بكونها مستعدة لإعادة الروهنغيا المسلمين ما هو إلا «تمثيلية» لتخفِّف من الضغط الدولي، الذي زاد منذ أن خلصت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق إلى أن تطهيراً عرقياً جرى في إقليم أراكان، وأن القيادات العسكرية بميانمار يجب أن تخضع للتحقيق في الإبادة الجماعية أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وقال فارمانر: «بالطبع، لا نية لدى ميانمار لاستعادتهم جميعاً، أو منحهم الجنسية». وأضاف: «يمكنك أن ترى بوضوحٍ أنهم بنوا معسكراتٍ تتسع لنحو 30 ألفاً من الروهنغيا، وهو عددٌ من اللاجئين يرونه ثمناً زهيداً ليتخلَّصوا من أنظار المجتمع الدولي المُوجَّهة إليهم، لكنهم بالطبع لا يريدون أكثر من هذا».
وقال فارمانر إن الالتزام الذي تعهَّدت به ميانمار، وهو استعادة 150 لاجئاً من الروهنغيا في اليوم، يعني أن إعادة المليون لاجئ الموجودين في المعسكرات، والذي وصل بعضهم قبل 2017 في عملياتِ عنفٍ سابقة، قد يستغرق نحو 20 عاماً.
استعداداتٌ دائمة أقرب إلى الفصل العنصري
تعهَّدت ميانمار بتوفير مسارٍ للروهنغيا للحصول على الجنسية التي سُلِبَت منهم في عام 1982. لكن هذا لن يحدث إلا عندما يشترك اللاجئون في نظام بطاقات التعريف الوطنية NVC، الذي يرفضه معظم اللاجئين، لأنه يجعل منهم «بنغاليين أجانب» بدلاً من كونهم مواطنين شرعيين في ميانمار.
قال يو سو أونغ، حاكم مقاطعة منغدو، لمجلة Frontier ،Myanmar هذا الأسبوع، إنه من «المستحيل» أن يحصل كل الروهنغيا المسلمين على الجنسية.
وقال فيل روبرتسون، نائب مدير قسم آسيا في منظمة هيومان رايتس ووتش: «من الواضح أن ميانمار تُجري استعداداتٍ دائمة شبيهة بالفصل العنصري للروهنغيا، وأيُّ عائدٍ من بنغلادش سيُزَجُّ به في هذا النظام».
وبنغلادش غير مستعدة بدورها للقبول ببقاء مليون لاجئ من الروهنغيا
في الوقت نفسه، ليست بنغلادش مستعدة للقبول ببقاء المليون لاجئ الموجودين في كوكس بازار، وقال محمد أبو الكلام مسؤول شؤون اللاجئين في بنغلادش، لصحيفة The Guardian، إن إعادة الروهنغيا المسلمين إلى وطنهم «لا بد من أن تتم».
وبينما أكَّدت بنغلادش وعدها بعدم إجبار أي فرد من الروهنغيا على العودة خارج الحدود، أعربت العديد من المنظمات غير الحكومية على الأرض -سراً- عن قلقها من أن السلطات البنغالية قد تحاول بدء فرض قيود على المساعدات وتأشيرات دخول المنظمات غير الحكومية إلى كوكس بازار، أو أن تنشر معلوماتٍ مُضلِّلة بين اللاجئين لإقناعهم بالعودة.
يعني الإصرار على أن وجود الروهنغيا في كوكس بازار وجود مؤقت، أن بنغلادش لن تسمح ببناء المزيد من البنى التحتية الدائمة في معسكرات كوكس بازار، مثل المدارس لمئات الآلاف من الأطفال.
وقالت كارولين غلوك، المتحدثة الرسمية باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إنه كلما طال بقاؤهم في المعسكرات، زاد خطر التطرُّف، خاصةً بين الشباب المحرومين من القدرة على العمل.
ما زالت بنغلادش تسعى من أجل خطةٍ لإعادة توطين اللاجئين الروهنغيا المسلمين في معسكرٍ جديد بجزيرةٍ طينيةٍ وسط النهر، تُدعَى بهاشان تشار، وأثار هذا الاقتراح مخاوف لدى منظمة هيومان رايتس ووتش ومنظمات الإغاثة، لأنه مكان معرّض بشدة لخطر الفيضانات.
وقال أبو الكلام إنه لن تحدث أية عمليات إعادة توطين في بهاشان تشار «قبل انتهاء الانتخابات»