بقلم: حمدي رزق
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
بذا قضت الأيام ما بين أهلها.. مصائب قوم عند قوم فوائد.
مقالات متعلقة
أكتب لكم من «كوكس بازار» محطة الوصول المتقدمة إلى مخيمات «مسلمي الروهنغيا» اللاجئين في الأراضي البنغلادشية، وكوكس بازار مدينة سياحية تطل على خليج البنغال، وتتبع ولاية «شيتاغونغ» الواقعة في الجنوب الشرقي من بنغلادش على الحدود مع ميانمار (بورما).
وعادة ما تستقطب المدينة السياح الأجانب والمحليين في الفترة من أكتوبر حتى مارس من كل عام، بينما تبقى شواطئها شبه خالية تتثاءب أمواجها في بقية الأشهر على وقع سيول الأمطار، ولكنها اكتسبت أخيراً زخماً إعلامياً وشهرة جاوزت عنان السماء.
كوكس بازار تنام على جنبها ويأتيها رزق السماء، مدينة إذ فجأة تنتعش سياحياً وتحلق عالمياً على وقع أكبر مأساة إنسانية انفجرت في خليج البنغال على المحيط الهندي مع تدفق نازحي أقلية الروهنغيا المسلمة إلى ضواحي البلدة وقراها عبر البر والبحر والنهر هرباً من قمع الجيش والميليشيات البوذية في ميانمار.
وأُقيمت مخيمات اللجوء في ضواحي كوكس بازار، فتحولت إلى وجهة عالمية يقصدها مراسلو وسائل الإعلام وموظفو الهيئات الخيرية وموفدو المنظمة الدولية، مصائب قوم عند قوم سياحة في كوكس بازار، التي تحولت إلى عنوان جديد لمَن لا عنوان لهم.
والروهنغيا شعب جد عجيب، شعب بلا عنوان، يوصفون بأنهم «أكثر شعب مضطهد في العالم، ولا يشعر به أحد تماماً»، وصف بليغ: «أكثر شعب بلا أصدقاء في العالم»، ويصدق فيهم القول: «لا مُجيب لهم»، وعلى الوزن والقافية يقولون هنا ساخرين من آلامهم: «روهنغيا مسلم.. لا مودي لنا»!.
و«مودي» هنا هو رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي»، الذي استجاب لصرخات اللاجئين الهندوس، فضغط على الميانماريين فعاد أكثرهم إلى وطنهم شاكرين حسن صنيعه، وصارت مثلاً في أفواه لاجئي الروهنغيا من المسلمين: «روهنغيا مسلم.. لا مودي لنا»، أي لا مُجيب لهم، ثم يستغفرون الله، ويستعيذون من الشيطان الميانماري الرجيم، ويصلون جماعة، ويترجون العون من الرحمن الرحيم.
الروهنغيا كشعب ربما حالته الأعجب عالمياً، وكأن نقمة سقطت على رؤوسهم من السماء، مرفوضون من الكل كلية، مرفوضون من البلد الذي يقولون إنه وطنهم، حيث يعيش نحو مليون منهم في ميانمار، بعضهم في مخيمات لاجئين، خصوصاً في ولاية «أراكان»، ويرفض نظام ميانمار منحهم الجنسية، ولا ترغب الدول المجاورة في إيوائهم، وهم أقلية بلا دولة، أرهقها الفقر، ولايزالون يفرون من ميانمار.
الاستقواء الميانماري على فقراء الروهنغيا بلغ مبلغه، ينكرونهم تماماً، ربما لم تعرف هذه المنطقة في العالم ظاهرة «البدون» قبلا، نحو مليون روهنغي صاروا «بدون»، غير محددي الجنسية أو عديمي الجنسية، ومقيمين في الأراضي البنغالية بصورة غير قانونية، وبدون أوراق ثبوتية، وستنفجر قضية البدون الروهنغيا تالياً في وجه المجتمع الدولي.
الروهنغيا حامدون شاكرون للأزهريين حسن صنيعهم، المساعدات سدت جوعاً، يعرفونهم من العمامة، طلائع شباب الأزهر الشريف ينشطون في المعسكرات، والسؤال: إذا كان الأزهر حاضراً كمؤسسة دينية، فلماذا يغيب الهلال الأحمر المصري كمؤسسة إغاثية مدنية، في ظل حضور الهلال الأحمر الإماراتي مثلاً؟!.