بقلم: عبدالله فدعق
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
الإدانات وحدها لم تعد تجدي نفعا، أمام ما تتعرض له أقلية (الروهنغيا)، بل إن المؤكد هو أن هذه الفئة الكريمة لو كانت على دين غير دين الإسلام، لما وقف صراخ مجلس الأمن، حتى تعود السلطات الحاكمة في (ميانمار) إلى الرشد والصواب.
كتبت هنا، قبل ما يزيد على الشهرين، عن مآسي أهلنا (الروهنغيا) في (ميانمار)، ومما قلته آنذاك: «المجموعات المتطرفة في (جمهورية اتحاد ميانمار) ما زالت تقوم بإفساد كل شيء يؤدي للسلام ولجعل المستقبل أفضل، وأن (الروهنغيين) ينتظرون توصيل أصواتهم لكل العالم، وتنشيط قضيتهم، وتفعيل حقوقهم»؛ والمؤسف اليوم أن انفراج أوضاعهم تأخر، وأخشى أن يتبدد.
الأسبوع الماضي، سنحت لي فرصة زيارة مدينة (كوكس بازار)، جنوب شرق (جمهورية بنغلادش الشعبية)، مع وفد مبارك من الأزهر الشريف، ومجلس حكماء المسلمين، بمبادرة كريمة من شيخ الأزهر رئيس المجلس، فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الطيب، ولأنه «ليس من رأى كمن سمع»؛ فقد ازددت يقينا أن المجتمع الدولي، والقوى الدولية الفاعلة قد عجزت عن التحرك الواجب والعاجل أمام مسؤولياتها، لإقرار السلام، ولم تتمكن من وقف المذابح البشعة التي يتعرض لها أهلنا الأبرياء هناك، أو وقف النزوح المستمر لهم من بلدهم، إلى جارتهم (بنغلادش)، والتي هي الأخرى تئن من كثافة عالية في أعداد من لديها من أبناء وطنها ـ 163 مليون نسمة ـ
واضح تماما أن القيادات الدينية في (ميانمار) لا تفكر في حل مؤثر، وأن ضمائرهم متحالفة مع جيشهم البائس، الذي يقوم بعمليات إبادة جماعية، وتطهير عرقي ضد المواطنين المسلمين، في غاية من الوحشية، غير ملتفتين إلى العار الذي لن ينساه التاريخ البشري، ولا سيما أنه لا رادع لهم على المستوى العربي والإسلامي والدولي، يوقفهم عند حدهم، فضلا عن اتخاذ الإجراءات اللازمة للتحقيق في هذه الجرائم المنكرة، وتعقب مرتكبيها، وتقديمهم لمحكمة العدل الدولية، لمحاكمتهم كمجرمي حرب، وواضح أيضا أن القتل، والتهجير، والحرق، والإبادة الجماعية، والمجازر الوحشية التي راح ضحيتها من تم حصاره في (ولاية أراكان، راخين سابقا)، من النساء والأطفال والشباب والشيوخ، ومن أجبرتهم سلطاتهم على الفرار، ومن بقي دون أن يموت من ألم المشي وقسوة الجوع والعطش والشمس الحارقة، أو لم تبتلعه الأمواج؛ كلها شواهد حق على موت أصحاب الضمير العالمي، وموت معاني الأخلاق الإنسانية، وأن المواثيق الدولية التي تعهدت بحماية حقوق الآدميين وسلامتهم (حبر على ورق)..
لا شك عندي في أن التمييز والتهديدات والجرائم التي بدأها (البوذيون) هناك قبل خمس سنوات، واستفحلت في هذا العام، وما زالت ترتكب، هي من أقوى الأسباب التي تشجع على ارتكاب جرائم الإرهاب، التي تعاني منها الإنسانية جمعاء، وأن الإدانات وحدها لم تعد تجدي نفعا، أمام ما تتعرض له أقلية (الروهنغيا)، وأن مناشدات المنظمات الدولية والإنسانية لإنقاذهم، ضرب من العبث وضياع الوقت؛ بل إن المؤكد ـ عندي وعند كثيرين غيري ـ هو أن هذه الفئة الكريمة التي تعاني هناك، لو كانت على دين غير دين الإسلام، لما وقف صراخ مجلس الأمن، حتى تعود السلطات الحاكمة في (ميانمار) إلى الرشد والصواب، وتتوقف عن سياسة التمييز العنصري والديني بين مواطنيها، وتنهي أمر إعادة من قامت بتشريدهم وطردهم إلى بلادهم، وبكامل حقوقهم التي سلبت منهم، مع ضمان سلامتهم، ولما توارت خلف الحقائق، وخافت وارتجفت من قول أو سماع كلمة (الروهنغيا)، والتصريح بأنهم أقلية مضطهدة، ولأصدرت قرارها بسحب جائزة «نُوبل» للسلام، التي قدمت قبل 26 سنة؛ فمن لا تشيع السلام بين أبناء وطنها لا تستحقها، وجزاؤها أن تحبس لتنال العدالة الدنيوية، مع ما ينتظرها من عدالة ربانية، هي وكافة المقصرين، عن رفع المظلومية عن الضعفاء، والبائسين، والمحرومين، والمقهورين.