بقلم: د. عبد الله بن معيوف الجعيد
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
يعيش شعب الروهنغيا كأقلية مسلمة، تتركز في ولاية "أراكان" غرب ميانمار، وقد أصبحوا اليوم، وبأثرٍ من تخاذل إخوانهم المسلمين -وهم المقدر تعدادهم بمليار وثمانمائة مليون إنسان بما يعادل أكثر من ربع تعداد البشرية في عالم اليوم- هم أشد شعوب العالم تعاسة، وأكثر الأقليات اضطهادًا؛ بل إن جميع المصطلحات لا تصف حجم معاناتهم.
الروهنغيا.. أكثر الأقليات المضطهدة في العالم شقاء وتعاسة؛ حيث الاضطهاد الذي يُمارس بحقهم من قبل الأغلبية البوذية في ميانمار لا يجد من يوقفه منذ عقود.
فقد ألجأ تخاذل المسلمين إخوانهم الروهنغيا سكان أراكان ومواطني ميانمار إلى الهرب من بطش وتنكيل وتهجير وتقتيل البوذيين -دعاة الدعة والتعايش- إلى هجر بلادهم، والعيش كلاجئين في مخيماتٍ لا تقي من العري والبرد والجوع والفقر في الدول المجاورة كبنغلادش وتايلاند ذات التماس الحدودي مع ميانمار وطن الروهنغيا.
ولم يعد العالم -ولا المسلمون- ينتابهم شعور الأسى -مجرد الأسى الذي لا يقدم أو يؤخر- بمأساة الروهنغيا المسلمين.. يتركونهم لمصيرهم؛ حيث لا وطن يأمنون فيه من أكثر غوائل الدهر قسوة، ولا ينعمون فيه بأقل حاجيات الإنسان المكرم إلحاحًا وعوزا؛ حتى أصبحت مذابح الروهنغيا أمرًا عاديًا، ودماؤهم مشهدًا يوميًا، والتمييز ضدهم قضيةً لا حساب لها من أي نوع، فضلا عن الاغتصاب وتقطيع الأوصال والدفن أحياءً وحرق البيوت والقرى.. ولا أحد يعير الأمر اهتماما، وحتى إخوان الملة والعقيدة لم يعودوا -فيما يختص قضية إخوانهم الروهنغيا- كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحم.
وحتى مجرد اطلاع العالم على أزمة مسلمي الروهنغيا وعرفته بها لم تكن بداعٍ من إنسانية يُتشدق بها، وإنما كان بفضل حملات تضامن شنَّها نشطاء حقوقيون حول العالم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد تفاقم الأزمة وضخامة الجريمة ضد بشرية معذبة لم تكن لتلقى نصيرًا منذ سنين.
ولكأن مسلمي الروهنغيا أتعس الناس حظًّا؛ إذ غير الفقر والجهل والمرض وجميع صنوف الحرمان، يُصب عليهم العذاب صبًّا بجميع صنوفه. ولكأن حكومة ميانمار الديكتاتورية أسعد الحكومات حظًّا؛ إذ لم تجد يومًا من يسائلها قانونا أو سياسة على كثرة وتمادي جرائمها في حق البشر.
بورما -أو "ميانمار" كما أعيدت تسميتها- دولة مليئة بالعرقيات متنوعة الديانات والثقافات؛ إذ يصل عدد العرقيات بها إلى 140 عرقية، أهمها البورمان الذين يشكلون 68% من عدد السكان، ثم الشان بنسبة 9%، والكارين 7%، فالروهنغيا 5%، وعرقيات أخرى أقل نسبا، ويبلغ عدد مسلمي الروهنغيا حوالي 3 ملايين نسمة، لكن حظهم العثر جعلهم مسلمين لينوؤوا ويدفعوا ضريبة الإيمان ولتمسك بعقيدة التوحيد؛ لتصفهم متحدثة باسم الأمم المتحدة عام 2009م بأنهم "أكثر شعب بلا أصدقاء في العالم".
بحسب المصادر التاريخية ينتمي معظم مسلمي الروهنغيا إلى أصول مسلمة هندية؛ حيث كانت تضم بنغلادش قبل الانقسام، وبعضهم ذوو أصول صينية، فضلا عن قلة قليلة من الفرس والعرب؛ يقال جلبهم الاحتلال البريطاني إلى ميانمار للمساعدة في أعمال التجارة. وبعد استقلال ميانمار عن الاحتلال البريطاني ظل شعب الروهنغيا على وضعه دون أية تعديل؛ ما أثر على وضعه القانوني الحالي تعتبره حكومة "ميانمار" ناتج حركة هجرة غير شرعية.
يعاني شعب الروهنغيا عنفًا وتقتيلاً من الشعب الميانماري، وضياع حقوقه، وعدم تلبية احتياجاته؛ فلا يحصلون على الرعاية الصحية أو التعليم أو فرص العمل؛ فيعيشون في مناخ من التمييز العنصري، وترفض الحكومة الاعتراف بهم كمواطنين؛ ما أجبر أكثر من 260 ألفًا منهم على الهجرة خارج البلاد، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم بها الجيش الميانماري؛ من مصادرة الأراضي والسُخرة والاغتصاب والتعذيب، انتهاءً بالإعدامات دون محاكمة.
فضلاً عن ذلك؛ فقد تأثر شعب الروهنغيا كسائر الشعوب المسلمة والعربية عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، لكن أزمة الروهنغيا كان لها بعدها العنصري؛ فقد قام البوذيون -تساندهم حكومة البلاد- في العام 2001م بموجة منظمة من العنف والقتل بحق المسلمين في كل مدن ميانمار، كما استولوا على الكثير من ممتلكات وأراضي المسلمين.
وإذن فأزمة الروهنغيا سلسلة من الاضطهاد المتواصل، وما يحدث لهم اليوم ما هو إلا حلقة في هذه السلسلة الطويلة؛ ومع ذلك فخلال موجات القتل والتعذيب التي واجهها مسلمو ميانمار تخفت الأصوات الإسلامية بشكل يثير الريبة فضلا عن التساؤل، حتى جاء العام 2010م حيث واصلت حكومة ميانمار منهجيتها العنصرية ضد مسلمي الروهنغيا؛ فأعلن الرئيس الميانماري أنه لم يعد أمام أقلية الروهنغيا المسلمة إلا تجميعهم داخل معسكرات للاجئين أو طردهم من البلاد، لأنهم "ليسوا في عداد المواطنين"، بحسب كلامه، وقد أراد "إبلاغ العالم بأن الروهنغيا ليسوا جزءًا من المجموعات الإثنية في ميانمار"؛ ما جعل الشعب الميانماري يستغل الفرصة ويستحل قتل وتشريد مواطنيه المسلمين، وههنا أجبرهم علي النزوح إلى الدول المجاورة وبخاصة بنغلادش.
خلال عامي 2014-2016م وصل عدد مسلمي الروهنغيا المقتولين على أيدي مضطهديهم أكثر من خمسين ألف مواطن، إضافة إلى أكثر من 650 ألفا فروا إلى بنغلادش وتايلاند؛ ليعيشوا ظروفا قاسية في العراء هربًا من أفران الغاز والقتل الجماعي وسط الصمت العربي والإسلامي، وبرغم إعلان الجيش الميانماري نفسه ملاحقته لشعب الروهنغيا من خلال حملات الاضطهاد والتطهير العرقي التي قام على أثرها مطاردة أبناء الروهنغيا ودفعهم للهرب إلى بنغلادش حتى وصل عدد الهاربين إلى أكثر من 400 ألف مسلم، في حين تم حرق 176 إنسانا و500 قرية؛ من أجل تعقيد وعرقلة أمر العودة إلى بلادهم فيما بعد.
لجأ أكثر من 400.000 روهنغي مسلم إلى دول الجوار، بالإضافة إلى نحو 300,000 آخرين لجؤوا إلى دول بعيدة كالمملكة العربية السعودية؛ لكن المشكلة الفعلية في أزمة الروهنغيا تكمن في حالة عدم الترحيب التي يلقاها المهاجرون الروهنغيا للبلاد النازحين إليها، والتي بدت وكأنها غير راغبة ولا مرحبة بتوفير إقامة دائمة لهم، أو غير قادرة على ذلك، وتخلق همومًا اقتصادية ومشكلات في العمالة والسكن إضافة إلى مشكلات اجتماعية أو سياسية لهذه البلاد؛ ما جعلهم في مرمى الرفض الدائم من أعدائهم ومن إخوانهم، ومن أمثلة هذه البلدان التي أبعدتهم كانت دول إسلامية؛ مثل ماليزيا وإندونيسيا، ومن جملة التصريحات التي أطلقها نائب وزير الداخلية الماليزي عليهم قوله "علينا إرسال رسالة واضحة أنهم غير مُرحّب بهم هنا"، وهذا تصريح مستنكر من دولة كماليزيا تحديدا.
وقد حذت بنغلادش، وهو دولة مسلمة كبيرة، حذو سابقيها، فبرغم أنها آوت الروهنغيا لسنوات بشكل غير رسمي، إلا أن الوقت قد حان ليتحدث مسؤولوها عن نية الحكومة في إجلائهم عن المخيمات الحدودية التي نزحوا إليها منذ عقود.
ولم تكن الحكومات الإسلامية والعربية الأخرى أفضل حالا من سابقيها في التعاطي مع أزمة الروهنغيا؛ إذ بعيدًا عن التعاطف الشعبي الموجود -فقط- على صفحات التواصل الاجتماعي، مع قضية مسلمي الروهنغيا نجد الفجوة تكبر مع الأيام بين ما هو رسمي وما هو شعبي، وبخاصة مع اعتراف شعب الروهنغيا صراحة بأن المنظمات الإسلامية مثل منظمة التعاون الإسلامي وغيرها لم تفعل حتى الآن شيئا ذا بالٍ من أجل قضيتهم.
وبرغم تظاهرات اجتاحت عددا من بلدان العالم الإسلامي؛ كإندونيسيا، تنديدا بـالانتهاكات بحق الطائفة، كان أقصى قرارٍ اتخذ هو قطع علاقات تجارية مع حكومة ميانمار!!
ولا زال أمام شعب الروهنغيا شوط طويل للدفاع عن قضية من أكبر القضايا الإسلامية المعاصرة؛ تخص أقلية مسلمي الروهنغيا.. تلك الفئة التي سقطت من حسابات الجميع، بمن فيهم من يدينون بدين الإسلام، ويعتقدون عقيدة الإسلام، ويؤكدون كثيرًا على أخوة الإسلام.. فهل يهب العالم الإسلامي من سباته لنصرة إخوانه مسلمي الروهنغيا؟ أم يظلون في تعاستهم وشقائهم؟ وإلى متى؟?