بقلم: فرح كبير*
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
يجب الإصرار على ضرورة التزام بنغلادش وميانمار بعودة الروهنغيا بمحض إرادتهم، وتحت إشراف دولي.
قالت لي اللاجئة نورمين: «كان من الصعب عليّ حقاً الوصول إلى هنا. لقد جئنا من مكان بعيد فعلاً. ركضنا وركضنا، ووصلنا إلى هنا بطريقة ما. وعندما أسترجع الآن في ذاكرتي ما حدث، لا أستطيع مقاومة البكاء».
نورمين من مجتمع روهنغيا ميانمار. كانت عائلتها تعيش على صيد سمك الروبيان في ولاية أراكان، وكانوا قد بنوْا في الآونة الأخيرة منزلاً، بعد سنوات من الاقتصاد في العيش. وفي الشهر الماضي التقيتها في مخيم بازار كوكس، في أحد مخيمات اللاجئين التي بُنيت على عجل في بنغلادش. قبل ستة أشهر، وفي بداية العنف، جرى إحراق منزل نورمين وتسويته بالأرض. ونجت هي وعائلتها بأعجوبة، عندما لاذوا بالفرار عبر باب جانبي. وهي تتذكر «كثيراً من إطلاق النار».
على مدى الأشهر الستة الماضية عانى أكثر من 600 ألف شخص من شعب الروهنغيا مشاق الرحلة المروّعة ذاتها التي قامت بها نورمين. وأنا، خلال ما يقرب من 15 عاماً من العمل في الكوارث الإنسانية، لم يسبق أن رأيت أزمة كهذه. ومنذ أغسطس/آب الماضي، قمت بزيارة مخيمات في بنغلادش بصورة منتظمة، للتحدث مع النساء والفتيات اللواتي تحملن عبء الأزمة بطرق مختلفة. لقد عانى العديد منهن عنفاً جنسياً فظيعاً وفقدن أطفالاً في ميانمار. وقد سمعت من نساء اختفى أزواجهن دون تفسير. وقاد بعضهن عائلاتهن عبر الأنهار والوحول أياماً. وبعضهن جاءهن المخاض أثناء الرحلة، وعانت كثيرات منهن سوء التغذية في الوقت الذي عبَرْن فيه الحدود.
وبعد نصف عام من العنف الذي دفعهن إلى الفرار، تعاني النساء من أمثال نورمين الصدمة، جرّاء ما رأينه وما مررن به من تجارب. ويساورهن القلق على سلامتهن في المخيمات المزدحمة، ويكابدن خوفاً عميقاً مما قد تأتي به الأيام.
وتحرص الحكومات، ومن بينها حكومة المملكة المتحدة، على حلّ هذه الأزمة؛ وفي بنغلادش يتصاعد الضغط من أجل إعادة اللاجئين إلى ميانمار. وقد اتضح هذا الأسبوع أن حكومتي بنغلادش وميانمار، اتفقتا على البدء في إعادة نحو 6 آلاف لاجئ، ولكن قبل إعادة أي شخص، من الضروري الاستماع إلى اللاجئين، والنساء بوجه خاص. فانتهاكات حقوق الإنسان التي دفعت نورمين ومئات الألوف من النساء الأخريات إلى الهرب من ميانمار ما تزال تشكل خطراً ماثلاً.
وما تزال حكومة ميانمار ترفض السماح للمنظمات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان بدخول ولاية أراكان، مما يثير المخاوف من احتمال استمرار الفظائع. وقد قالت الأمم المتحدة بالفعل، إن الإساءات التي ألحقت بشعب الروهنغيا تبدو نموذجاً مثالياً للتطهير العرقي. واستمع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من خبراء في موضوع اللاجئين، قولهم إن شعب الروهنغيا ما يزال يهرب من ميانمار، وإن الظروف ليست ملائمة لإعادتهم، بسبب الانتهاكات الجارية هناك.
وقالت لنا النساء في المخيمات، إن أولوياتهن تشمل تعيين مجموعات مراقبة مجتمعية، لمنع العنف في المخيمات؛ وبناء مراحيض خاصة بالنساء والفتيات، حتى لا يبقين نهباً للخوف من الاعتداءات الجنسية، وفتح المجال للنساء والفتيات للحديث عن معاناتهن، والتعبير عن الفظائع التي شهدنها.
وقد استمعنا إلى مخاوفهن من الإعادة قسراً، دون ضمانات بأن يكنّ في مأمن. وعلى حدّ تعبير إحدى النساء، التي لم تشأ ذكر اسمها: «لن أعود إلاّ إذا ضُمنت لي حياة كريمة، والنوم دون خوف».
سيكون من غير المعقول أن يعاد أشخاص مثل نورمين عبر الحدود خلافاً لإرادتهن.
قال وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، أكثر من مرة، إنه يجب السماح لشعب الروهنغيا بالعودة إلى دياره، ولكن بصورة طوعية، وتحت إشراف دولي. ويجب عليه الآن وعلى نحو عاجل، إلزام بنغلادش وميانمار بهذه الكلمات. فشعب الروهنغيا، ولا أحد سواه، ينبغي أن يُسمح له بالبتّ في شأن مستقبله.
*مديرة منظمة «آكشن ايد» الخيرية في بنغلادش.