بقلم: رحمة بنت صالح الهدابية
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
قرأت في الأيام القليلة الماضية مقالة للكاتب الرائع د. عبدالله باحجاج والتي حملت عنوان “إنما المؤمنون إخوة”. أين نحن يا عرب عن مسلمي تركستان الشرقية؟ “عبّر من خلالها عن أسفه واستياءه الشديد حول موافقة سبع دول عربية لإتفاقية الصين، والتي تستطيع بموجبها ارتكاب المزيد من الجرائم والاضطهاد الديني والعرقي ضد مسلمي الإيغور، وفي الوقت نفسه رفض ومعارضة أكثر 22 دولة حول العالم لقوانين هذه الاتفاقية الجائرة بحق أناس عزل ذنبهم الوحيد أنهم اختاروا دينًا لأنفسهم، وأرادوا ممارسته بالطريقة التي يرونها مناسبة لهم، ليتبين لنا الفرق الشاسع بين من يلهث خلف مصالحه ضاربـًا بقيمه ومبادئه التي يتغنى بها عرض الحائط وبين من يقف كسدٍ منيع احترامًا واجلالًا لهذه المبادئ من أن تمس أو تدهس دون مصلحة يرجوها من ذلك.
واستعراضه كذلك الإحصائيات، أنواع الجرائم والانتهاكات البشعة التي تعرض ومازال يتعرض لها مسلمو الإيغور هناك من حملات قمع واضطهاد ديني نتج عنه تغيرات كبيرة في الديموغرافيا، والثقافة واللغة في محاولة لطمس هوية هذا الشعب المسلم، وتدمير أكثر من 20 ألف مسجد مع كتابة “يحظر دخول من هم دون الثامنة عشر” عند مدخل كل مسجد، ناهيك عن الاعتقالات المستمرة لدعاة المساجد والمعارضين للقرارت المجحفة بحقهم والتهجير القسري للسكان الأصليين وإحلال مواطنين آخرين ومنعهم من ممارسة طقوسهم الدينية خلال شهر رمضان المبارك وإجبار طلبة المدارس على الإفطار في نهار رمضان مع استمرار حملات التعذيب والتكنيل بهم وإلى يومنا هذا دون أن يجدوا من يناصر قضاياهم وحقوقهم الإنسانية المشروعة.
والحال لا يختلف كثيرا عن مسلمي الروهنغيا أولئك المضطهدين منذ زمن بعيد وغيبت قضيتهم بقصد أو بدون قصد فما زالو تحت وطأة التعذيب والتكنيل المستمر والصمت المطبق الذي يجتاح العالم عند الحديث عن ما يتعرض له المظلومون في أي مكان خاصة إذا كانوا مسلمين وكأنها رسالة موجهة إلينا عمدا بأننا نحن كمسلمين نستحق ما نعيشه من آلالم وأحزان.
مسلو الروهنغيا هم أقلية ضمن الأقليات التي تقطن ميانمار، تعرضوا لأبشع أنواع الاصضهاد الديني والتطهير العرقي عبر فترات متلاحقة من الزمن، منها خلال فترة حكم الملك يانيوانغ (1556-1589)م والذي يعد عصره أول ظهور للإضطهاد الديني ضد مسلمي الروهنغيا، حيث ألغى الاحتفال بعيد الأضحى ومنع ذبح الأضاحي فيه وأجبر المسلمين للإستماع إلى الخطب والمواعظ البوذية وفي عهد الملك بوداويايا (1782-1819)م قام بقتل أربعة أئمة من علماء ميانمار.
وفي ظل الحكم البريطاني للهند استغل البريطانيون الظروف المعيشية الصعبة التي تسببوا هم في حدوثها باحتلالهم الجائر للهند ونهبهم لخيرات البلاد ومواطنيها، وتحريض الهنود على بعضهم البعض، بنشر أخبار مغالطة وبث العداوة والكراهية فيما بينهم مما نتج عنه ظهور أعمال عنف بين الهنود أنفسهم واعتبار مسلمي الروهنغيا أجانب محتلين حالهم كحال البريطانيين وذلك في سنة 1938م.
وأعمال الشغب في عام 1997م التي تعرض لها المسلون في أراكان، حيث تجمهر مابين 1000-1500 بوذي وعدد من أتباعهم قاموا باستهداف المساجد ومن ثم أملاكهم من محلات ومنازل فقد أفادت التقارير بأنهم سلبوا ونهبوا و دمروا الممتلكات واعتدوا على جميع الأماكن المقدسة، فقد قتل جراء هذه الأعمال ثلاثة أشخاص واعتقل 100 راهب.
تلتها أعمال عنف ضد المسلمين في مدينة ستوة و توانغوا عام 2001م، بسبب رفض سبعة من الرهبان الجدد دفع قيمة الكيك الذي أكلوه مما أثار غضب صاحبة الكشك المسلمة وقامت بضرب أحد هؤلاء السعبه، فأعقبه شجار دفع زوج البائعة بضرب أحد الرهبان على رأسه، فنزف الدم منه وما حلّ المساء إلا وقد أضرم البوذيون النار في مساكنهم وممتلكاتم فأحرقوا بذلك 30 منزلًا ودار ضيافة تابعة للمسلمين، وفي الجانب الآخر وقف رجال الشرطة موقف المتفرج دون أن يتدخلوا لإيقاف أعمال الشغب والعنف هذه.
وفي نفس العام وزّع الرهبان مجموعة من الكتيبات حملت اسم “الخوف من ضياع العرق” وغيرها من المنشورات المناهضة والعنصرية للإسلام والمسلمين وطالب أيضًا الرهبان بتدمير مسجد هاثنا ردًا على تدمير تماثيل بوذا في مدينة باميان الأفغانية، كما خرّب الغوغاء وهم مجموعة تابعة للرهبان مقرات المسلمين من شركات و ممتلكات فقد بلغت حصيلة التدمير 11 مسجدا وقتل 200 مسلم.
وفي عام 2012م تعرض المسلمون في ولاية أراكان لإبادة جماعية، بعدما صرح رئيس ميانمار بأنه يجب طرد مسلمي الروهنغيا وإرسالهم إلى مخيمات اللآجئين التي تديرها الأمم المتحدة، إضافةً إلى تعرضهم في عام 2016م لأعمال العنف، مما اضطر الكثير من مسلمي الروهنغيا الهرب من أراضيهم واللجوء إلى بنغلادش.
ومازال المسلمون في تلك المناطق يتعرضون لأشد أنواع الإساءة و الأذى والانتهاكات الجسيمة دون أن تكون لهم حماية واضحة ليعيشوا من خلالها حياة كريمة في أوطانهم.
فكم من مظلومٍ على هذه المعمورة ينتظر منا لفته وتعاطف إنساني يُحرك بها وجدان العالم ليعيش بأمن وأمان ويمارس معتقداته التي أختارها بكل حرية دونما يعكر صفو حياته أحد.