قال رئيس لجنة جنوب شرق آسيا بجمعية إحياء التراث الإسلامي الشيخ جمال الحشاش: إن اللجنة قد بدأت بحملتها لإغاثة اللاجئين من مسلمي ميانمار (بورما)، وخصوصا في دولة تايلند التي سمحت مشكورة بدخول أعداد منهم الى اراضيها هربا من المذابح التي ترتكب ضدهم.
وأضاف الحشاش: لقد تابعنا مع شديد الألم ما يجري لإخواننا مسلمي ميانمار ـ بورما بإقليم (أراكان) والمعروفون أيضا باسم المسلمين «الروهنجيا»، من مذابح بشعة، وجرائم وحشية ترتكبها العصابات البوذية المتطرفة، في ظل تواطؤ من الحكومة المحلية وصمت عالمي مريب. فالمسلمون من قومية الروهنجيا هناك يذبحون ويعذبون ـ شيوخا ونساء وأطفالا-، ويطردون من ديارهم، وتستباح دماؤهم وأموالهم، ولا ذنب لهم إلا أن يقولوا: (ربنا الله).
ولم تلق المأساة التي يعيشها مسلمو ميانمار ـ بورما رد فعل دولي يذكر حتى الآن، أو آذانا مصغية تستجيب لأنات وصراخ الاقلية من المسلمين «الروهنجيا» التي تعيش أوضاعا لا إنسانية، وتمارس بحقها أعمال عنف طائفي من قبل جماعة «الماغ» البوذية المتطرفة ذات الأغلبية، والتي تدعمها الأنظمة البوذية الحاكمة في البلاد.
وأضاف الحشاش: إن ميانمار لاتزال تشهد حالات وحشية من القمع ضد المسلمين الذين يعانون صنوف العذاب من قبل الطبقة الحاكمة التي تطالب بضرورة ترحيل المسلمين، وطردهم من البلاد للحفاظ على غالبيتهم البوذية.
وعن تفجر الأوضاع هناك قال الحشاش: إنه ومع بعض الانفتاح الذي شهدته ميانمار مؤخرا، وإعلان الحكومة أنها ستمنح بطاقة «المواطنة» للمسلمين في إقليم «راخين»، «أراكان» سابقا، غربي البلاد، رأت جماعة (الماغ) المتطرفة أن هذا الإعلان بمثابة استفزاز لمطامعهم في الإقليم، حيث يحلمون بأن تكون «راخين» (20 ألف ميل مربع) منطقة خاصة بهم لا يسكنها غيرهم، ولذا جاء إعلان الكهنة البوذيين صريحا ببدء ما أسمتها تقاير بـ «الحرب المقدسة» على المسلمين لترحيلهم.
ويأتي تجدد مأساة المسلمين التي تمتد لعشرات السنين، مع بداية شهر يونيو الماضي، حيث خطط البوذيون لإحداث الفوضى، فهاجموا حافلة تقل علماء مسلمين، وعذبوهم حتى الموت، حيث ادعى البوذيون أن شابا مسلما «اغتصب» فتاة بوذية وقتلها، فقررت الحكومة القبض على (4) مسلمين بحجة الاشتباه في تورطهم في قضية الفتاة، وتركت الـ 450 قاتلا دون عقاب.
وعمليات العنف والتطهير ضد أبناء أقلية «الروهنجيا» ليست وليدة اليوم، ففي السبعينيات شهدت البلاد عملية التطهير الأولى، فيما وقعت العملية الثانية أوائل التسعينيات، مما أدى إلى تهجير مئات الآلاف من المسلمين إلى معسكرات بنغلاديش المجاورة، ولذا غالبا ما تحدث أعمال العنف تجاه المسلمين في ولاية «راخين» الواقعة على الحدود مع بنغلاديش، التي تؤكد الطبقة الحاكمة من المجتمع البوذي أنها هي المكان الذي ينتمي إليه المسلمون.
وأوضح الحشاش أن تقديرات تشير إلى أن عدد المسلمين الذين فروا من منازلهم بسبب الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد حوالي 90 ألف شخص، فضلا عن تدمير آلاف المنازل ومقتل وإصابة أكثر من 100 شخص.
وأضاف أن العديد من المنظمات الإسلامية طالبت السلطات في ميانمار بتحمل مسؤولياتها في هذا الشأن، وأخذ كل الإجراءات اللازمة من أجل وقف العنف في إقليم «اراكان» الذي يقطنه المسلمون، والحفاظ على المعايير الدولية إزاء حصول أبناء أقلية «الروهنجيا» على كامل حقوقهم.
وعبرت عن قلقها إزاء التقارير الواردة عن استخدام العنف ضد المسلمين في «اراكان» ومقاطعات أخرى في ميانمار، على خلفية تقارير أشارت إلى تكرار الاعتداءات على أقلية (الروهنجيا) المسلمة وأماكن عبادتهم وأملاكهم، فضلا عن أماكن إقامتهم.
ودانت الاعتداءات المنهجية والمنظمة ضد أبناء أقلية «الروهنجيا» المسلمة، جراء هذه الانتهاكات منذ فترة طويلة، وحثت الدول الأعضاء هذه الأقلية والمجتمع الدولي على التدخل السريع لدى حكومة ميانمار لمنع عمليات العنف والقتل التي يتعرض لها أبناء، وتقديم المسؤولين عن هذه الأعمال إلى العدالة.
وكان اعتراض سفينة تايلندية زوارق كانت تقل العديد من مهاجري ميانمار المسلمين بمثابة ناقوس الخطر الذي نبه المجتمع الدولي إلى معاناة المسلمين من بطش الأغلبية البوذية، ومع ذلك لم يتحرك المجتمع الدولي بصورة جادة بالضغط على السلطات الحاكمة في حماية مسلمي ميانمار، والتي أكدت مرارا أنها «لا تريد أي مسلم على أراضيها»، وهو التصريح الذي جاء بعد إعادة الزوارق مرة أخرى إلى البحر.
وقال الحشاش ان الموقف الدولي وان كان متخاذلا الا ان الأمم المتحدة أكدت أن مسلمي بورما من أكثر الأقليات تعرضا للاضطهاد والمعاناة والظلم الممنهج، وحثت لجنة مراقبة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة مؤخرا جيران ميانمار على الضغط على الجيش لإنهاء ممارساته الوحشية ضد المسلمين، ولكن يبدو أن تلك الدعاوى لا تلقى آذانا صاغية.
وذكرت تقارير أن مسلمي ميانمار كانوا يعيشون حياة مشابهة للعديد من اللاجئين في إفريقيا بالثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، فلا يوجد لديهم مياه، لذا تفشت الكوليرا، كما تصل نسبة سوء التغذية في ولاية «راخين» إلى 25% بين السكان، علما بأن منظمة الصحة العالمية تعتبر وصول الرقم إلى نسبة 15% بمثابة كارثة عاجلة.
وقال الحشاش أيضا: ان الأوضاع هناك تتجه للتصعيد، وبما أن ضحايا تلك المذابح هم من الأقلية المسلمة المستضعفة الذين لا يملكون قوة يدافعون بها عن أنفسهم وذراريهم، ولا يجدون في الأرض مأوى يفرون إليه، فإننا نناشد قادة وعلماء المسلمين وجمعياتهم ومنظماتهم أن يقوموا بواجبهم تجاه إخوانهم المظلومين هناك، وأن يبادروا لبذل المساعي في سبيل كف العدوان عنهم، وإيقاف نزف دمائهم، وتقديم المساعدة والعون لهم.
كما نناشد العاملين في مجال الإعلام والقائمين على منابره وقنواته، أن ينهضوا بواجبهم في التعريف بقضية الأقلية المسلمة ببورما، وأن يجتهدوا في إطلاع العالم على معاناتهم وما يلقونه من ظلم واضطهاد وقتل وتشريد، ونذكرهم بضرورة أن يستشعروا مسؤوليتهم لئلا يسهموا في هذا التجاهل والتغافل الإعلامي الأثيم.
وختاما: نوصي إخواننا ببورما بالصبر على مصابهم، ونذكرهم بأن البلاء سنة ماضية عاقبتها النصر والتمكين، متى قوبلت بالصبر والمصابرة وطلب العون من الله قبل غيره، مع بذل الوسع في مدافعة المعتدي، وردعه عن بغيه وظلمه. قال تعالى: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا، وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق، إلا أن يقولوا ربنا الله).
نبذة تاريخية عن مسلمي ميانمار ـ بورما
يصل عدد سكان ميانمار إلى أكثر من 50 مليون نسمة، منهم 15% من المسلمين، يتركز نصفهم في «راخين»، وقد وصل الإسلام إلى الإقليم في القرن التاسع الميلادي، وأصبح حينها دولة مسلمة مستقلة، إلى أن احتله ملك بوذي بورمي يدعى «بوداباي» عام 1784، وضمه إلى ميانمار.
وجمهورية ميانمار كانت تسمى «بورما»، وهي إحدى دول جنوب شرقي آسيا، وانفصلت عن الإدارة الهندية في الأول من أبريل عام 1937 إثر اقتراع حول استقلالها، وتحدها الصين من الشمال الشرقي، والهند وبنغلادش من الشمال الغربي، وتشترك في الحدود مع كل من لاوس وتايلند، أما حدودها الجنوبية فسواحل تطل على خليج البنغال والمحيط الهندي، ويمتد ذراع من ميانمار نحو الجنوب الشرقي في شبه جزيرة الملايو.
وقد جاءت قبائل «الروهنجيا» إلى ميانمار من جنوب آسيا على يد الاحتلال البريطاني، في حين كانت بقية المنطقة جزءا من الهند البريطانية، ولكن العديد من هذه القبائل ظلوا يعيشون في ميانمار لمدة حوالي مائتي عام إن لم تزد عن ذلك.
ويتم منع الأقلية المسلمة في ميانمار من أبسط حقوقهم، فهم لا يعتبرون مواطنين، وليست لديهم جوازت سفر، كما أنه من غير المسموح لهم بأن يسافروا من ولاية «راخين» الشمالية إلى الأجزاء الأخرى من البلاد، كما أنهم ممنوعون من الزواج بدون تصريح، فضلا عن أن المناطق الحدودية في شمال الولاية ممنوع دخول الأجانب إليها، فيما عدا عمال الإغاثة الأجانب.
ويختلف سكان ميانمار من حيث التركيب العرقي واللغوي بسبب تعدد العناصر المكونة للدولة، ويتحدث أغلب سكانها اللغة الميانمارية، وباقي السكان يتحدثون لغات متعددة، ومن بين الجماعات المتعددة جماعات الأركان، ويعيشون في القسم الجنوبي من مرتفعات «أركان بوما»، وجماعات «الكاشين»، وتدين هذه الجماعات بالإسلام.
وبالعودة إلى الوراء، فإن مسلمي ميانمار تعرضوا لمذبحة كبرى عام 1942 على يد البوذيين «الماغ»، راح ضحيتها أكثر من 100 ألف مسلم، وشرد مئات الآلاف، كما تعرضوا للطرد الجماعي المتكرر خارج البلاد بين أعوام 1962 و1991، حيث طرد قرابة 1.5 مليون مسلم إلى بنغلادش.
وقد كون شعب «الروهنجيا» مملكة دام حكمها 350 عاما من 1430 إلى 1784، فقد شكلت أول دولة إسلامية عام 1430 بقيادة الملك سليمان شاه، وحكم بعده 48 ملكا مسلما على التوالي، وكانت لهم عملات نقدية تتضمن شعارات إسلامية مثل كلمة التوحيد.
وفي عام 1824 احتلت بريطانيا ميانمار، وضمتها إلى حكومة الهند البريطانية الاستعمارية، وفي عام 1937 جعلت بريطانيا ميانمار مع «أراكان» مستعمرة مستقلة عن حكومة الهند البريطانية الاستعمارية كباقي مستعمراتها بالإمبراطورية آنذاك، وعرفت بـ «حكومة ميانمار البريطانية».
وكان دستور عام 1948 يعتبر «الروهنجيا» وبقية مسلمي البلاد الذين ينحدر أسلافهم من الهند وبنغلاديش، مواطنين بورميين إلى أن انتقلت مقاليد السلطة إلى العسكر في انقلاب عام 1962، وما لبثت أن تدنت وضعيتهم بموجب دستور 1974 الذي لم يعترف بهم مواطنين أصليين، فكان أن حرم معظم «الروهنجيا» والمسلمين الآخرين المواطنة، واعتبروا من ثم أشخاصا بلا وطن.
ونتيجة لذلك الحرمان عانى المسلمون في ميانمار، ومازالوا، شتى أنواع التمييز في الصحة والتعليم والسفر والتوظيف وحتى الزواج، فضلا عن أن الحكومة تقوم بإحداث تغييرات جذرية في التركيبة السكانية لمناطق المسلمين، فلا توجد أي قرية أو منطقة إلا أنشئت فيها منازل للمستوطنين البوذيين سلمتهم السلطة فيها.
وتفرض الحكومة في ميانمار شروطا معينة فيما يخص الزواج من المسلمين أو بينهم، فهناك قانون الزواج الذي يشترط موافقة الدولة على الزواج، وبدفع مبلغ عال مقابل ذلك لقاء هذا الإذن.
المصدر : جريدة صوت الكويت