وكالة أنباء أراكان ANA: (قنا)
عادت الحياة لتدب من جديد في أوصال قضية مسلمي الروهنجيا في ميانمار”بورما سابقا” التي كادت تدخل عالم النسيان أو التناسي وبالتالي باتت تطفو الآن على سطح الأحداث العالمية كقضية مثيرة للسخط والغضب الدولي وخاصة من قبل المنظمات الإنسانية والحقوقية وحتى الهيئات السياسية في المجتمع الدولي وذلك في أعقاب قيام حكومة ميانمار بصياغة مسودة خطة مؤخرا تمهيدا لتطبيقها كقانون يضع أبناء مسلمي “الروهنجيا ” في البلاد أمام خيارين أحلاهما مرُّ .
ويتوجب على مسلمي الروهنجيا وفقا لهذه الخطة في حال تطبيقها إما قبول إعادة التصنيف العرقي لهم مع احتمال منحهم الجنسية البورمية أو الزج بهم في السجون أو خارج البلاد إذا ما رفضوا الخيار
الأول.
وتقترح الخطة أن تقيم السلطات في ولاية ” أراكان” شمال البلاد مخيمات مؤقتة بالإعداد المطلوبة لمن يرفضون تسجيل أسمائهم أو من لا يملكون الوثائق الملائمة .
ويشار في هذا الصدد إلى أن كثيرا من أبناء الروهنجيا كانوا قد فقدوا وثائقهم إبان فترات أعمال العنف والاضطهاد العرقي الذي تعرضوا له أو رفضوا في السابق تسجيلهم عرقيا على أنهم من البنغال حيث تسعى الحكومة بموجب هذه الخطة الجديدة إلى فرض تصنيف إثني على مسلمي الروهنجيا في خانة المهاجرين غير الشرعيين الذين قدموا إلى بورما من بنغلاديش المجاورة.
ورغم الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي قامت بها حكومة ميانمار مؤخرا وبالتحديد منذ انتهاء الحكم العسكري في البلاد في مارس من عام 2011م إلا أن النظام في ميانمار لا يزال يتعرض لضغوط دولية مختلفة بسبب سوء معاملته للروهنجيا .
وتهدف الخطة حسب الحكومة الميانمارية إلى ما تسميه بالتعايش السلمي ومنع التوتر الطائفي والصراع بين العرقيات والأديان في البلاد وحل مشاكل الجنسية من خلال برنامج للتحقق من المواطنة إضافة إلى تعزيز التنمية الاقتصادية.
غير أن أوساطا سياسية دولية تقول إن هذه الخطة ستعرض آلافا من أقلية الروهنجيا وبينهم من لا يزال يقيم في قراه منذ وقت طويل إلى خطر الاعتقال لأجل غير مسمى حيث ستعرض الحكومة المواطنة على من يقبلون بالتصنيف العرقي ويطلبون التوثيق .
وقد يشجع هذا الأمر بعضهم على قبول تسجيلهم كمواطنين بنغاليين، وستوفر المواطنة حماية قانونية وحقوقا لمن يوافق على الحصول عليها، إلا أن مسؤولا في ولاية أراكان وهو عضو في لجنة تراقب إجراءات التحقق من المواطَنة قال: إن هذا لن يخفف من التوترات القائمة بين البوذيين والمسلمين في الولاية ولن يحول دون تكرار أعمال العنف فيها بين الجانبين.
ويشير هذا المسؤول إلى أنه عمليا لن يتسنى لبنغالي حصل على المواطنة دخول قرية في ولاية أراكان حتى بعد أن يحصل على الجنسية والإقامة.
يذكر أن الروهنجيا لا يحملون الجنسية الميانمارية لأن الحكومة لا تعترف بوجود هذا العرق وتصر على رفض منح غالبيتهم الجنسية، ويعيش كثير من عرقية الروهنجيا في ولاية أراكان منذ وقت طويل ويمثلون جزءا من أقلية مسلمة صغيرة في ميانمار ذات الغالبية البوذية.
وتحذر منظمات إنسانية وحقوقية دولية من أن قبول تصنيف الروهنجيا كبنغال سيجعلهم عرضة للخطر إذا حاولت السلطات الميانمارية مستقبلا نقلهم إلى بنغلاديش بصفتهم مهاجرين غير شرعيين في ميانمار.
وقد استنكرت جماعات حقوق الإنسان في العالم تلك الخطة التي وضعتها الحكومة في ميانمار والتي يمكن أن تجبر الآلاف من مسلمي الروهنجيا على الإقامة في مخيمات اعتقال إذا اعتبروا غير مؤهلين لنيل الجنسية الميانمارية.
وقال نائب مدير منطقة آسيا في منظمة /هيومن رايتس ووتش/ في بيان له نشر يوم السبت الماضي إنه أمر لا يقل عن مشروع خطة للعزل الدائم واستمرار وضع انعدام الجنسية وهي خطة متعمدة لحرمان الروهنجيا من الأمل وإجبارهم على الفرار من البلاد.
وكان مسلمو الروهنجيا في ميانمار “بورما سابقا” قد تعرضوا على مدى العقود الماضية لانتهاكات جسمية لحقوقهم الإنسانية شملت حرمانهم من حق المواطنة وتعريضهم للتطهير العرقي والتقتيل والاغتصاب والتهجير الجماعي الذي لا يزال مستمرا ، حيث بدأت هذه الممارسات ضد الروهنجيا الذين يستوطنون بكثافة شمالي إقليم أراكان “أراكان سابقا” في عهد الاستعمار البريطاني الذي قام بتحريض البوذيين وأمدهم بالسلاح حتى أوقعوا بالمسلمين مذبحةً عام 1942 ففتكوا خلالها – وفقا لمختلف التقارير – بحوالي مائة ألف مسلم.
وبعد أن نالت ميانمار استقلالها عن بريطانيا في عام 1948، تعرض الروهنجيا لأبشع أنواع القمع والتعذيب، وتواصل هذا الجحيم بموجب قانون الجنسية الصادر عام 1982، والذي ينتهك المبادئ المتعارف عليها دولياً بنصه على تجريد الروهنجيا ظلماً من حقوقهم في المواطنة؛ وترتب عن هذا القانون حرمان مسلمي الروهنجيا من تملك العقارات وممارسة أعمال التجارة وتقلد الوظائف في الجيش والهيئات الحكومية، كما حرمهم من حق التصويت بالانتخابات البرلمانية، وتأسيس المنظمات وممارسة النشاطات السياسية.
وفرضت الحكومات المتعاقبة في ميانمار ضرائب باهظة على المسلمين، ومنعتهم من مواصلة التعليم العالي، إضافة إلى تكبيلهم بقيود تحد من تنقلهم وسفرهم وحتى زواجهم.
كما تشير تقارير إلى أن السلطات قامت في 1988 بإنشاء ما يسمى “القرى النموذجية” في شمالي أراكان، لتشجيع أُسَر البوذيين على الاستيطان في هذه المناطق بدلا من المسلمين.
ولم يكن الجانب الديني والعقائدي بمنأى عن تلك الإجراءات القمعية، حيث تشير مختلف التقارير إلى قيام سلطات ميانمار بتهديم مساجد ومدارس دينية في المناطق التي يقطنها الروهنجيا، إضافة إلى منع استخدام مكبرات الصوت لإطلاق أذان الصلاة، ومنعهم من أداء فريضة الحجّ باستثناء قلة من الأفراد.
ورغم حدوث ما يشبه الانفتاح في ميانمار خلال السنوات الأخيرة، زادت أوضاع الروهنجيا سوءا وأصبحت قضيتهم تتصدر عن أوين الأخبار جراء القمع والتهجير الجماعي الذي يواجهونه حيث تجدد قمع المسلمين في مايو الماضي بعد اتهامهم بالوقوف وراء حادثة اغتصاب وقتل امرأة بوذية حيث اعتقلت الشرطة ثلاثة منهم وتبع ذلك مطاردات وهجمات أسفرت عن مقتل العشرات من المسلمين في موجة العنف التي اندلعت بعد الحادث.
وحسب ما ذكرت منظمة العفو الدولية و”هيومن رايتس ووتش “في وقت سابق فإن قوات الأمن في ميانمار نفذت اعتقالات جماعية بحق المسلمين ودمرت آلاف المنازل، وحاول النازحون الهرب عبر نهر “ناف” إلى بنغلاديش المجاورة، وتوفي البعض أثناء العبور، مع العلم أن السلطات لا تقدم أرقاما دقيقة عن عدد القتلى بينما وصفت وسائل الإعلام في ميانمار المسلمين في بداية الاحتجاجات بـ”الإرهابيين والخونة”.
وجاء في تقرير أخير للمفوضية العليا للاجئين أن الروهنجيا يتعرضون لكل أنواع “الاضطهاد”، ومنها “العمل القسري والابتزاز وفرض القيود على حرية التحرك، وانعدام الحق في الإقامة وقواعد الزواج الجائرة ومصادرة الأراضي”.
وقالت المفوضية إن هذا الوضع دفع عددا من المسلمين إلى الفرار، وأشارت إلى أن المؤسف أن هؤلاء غير مرحب بهم عموما في البلدان التي يحاولون اللجوء إليها، كما تصفهم الأمم المتحدة بأنهم إحدى أكثر الأقليات تعرضا للاضطهاد في العالم.
ورغم الاعتراف الأممي بالوضع المأساوي لمسلمي ميانمار فإن السلطات المسئولة لم تحرك ساكنا وإنما طلبت من الأمم المتحدة إيواءهم في مخيمات لاجئين،
وقال رئيس ميانمار خلال لقائه مع مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين أنتونيو غوتيريس :”إن الحل الوحيد لأفراد هذه العرقية يقضي بتجميعهم في مخيمات للاجئين أو طردهم من البلد”.
ويذكر أن أعداد المسلمين في ميانمار تتراوح ما بين خمسة وثمانية ملايين نسمة يعيش 70% منهم في إقليم أراكان، وذلك من بين ستين مليون نسمة هم إجمالي تعداد السكان بالبلاد.
ويشكل المسلمون في ميانمار نحو 20% من سكان البلاد في بعض الإحصائيات، ويتركز وجود المسلمين، الذين يُعرفون باسم الروهنجيا، في شمال إقليم أراكان (أراكان سابقا) وهم من الأقليات العرقية التي لا تعترف بها السلطة، وتعتبرهم مواطنين مهاجرين غير شرعيين، بينما تصفهم الأمم المتحدة بأنهم إحدى أكثر الأقليات تعرضا للاضطهاد في العالم.
ولولا أحداث العنف والمجازر التي ترتكب في حق هذه الأقلية لطوى أزمتهم النسيان واعتراها غبار التجاهل والغفلة من المجتمع الدولي.
وكان دستور عام 1948 يعتبر الروهنجيا وبقية مسلمي البلاد الذين ينحدر أسلافهم من الهند وبنغلاديش، مواطنين بورميين إلى أن انتقلت مقاليد السلطة إلى العسكر في انقلاب عام 1962.
وما لبث أن تدنت وضعيتهم بموجب دستور عام 1974 الذي لم يعترف بهم مواطنين أصليين، فكان أن حُرم معظم الروهنجيا والمسلمون الآخرون المواطنة واعتبروا من ثم أشخاصا بلا وطن .
ومن مظاهر الاضطهاد والعنف الطائفي الذي يتعرض له مسلمو”الروهنجيا” التمييز في الصحة والتعليم والسفر والتوظيف وحتى الزواج، وتمخضت موجات العنف والإجراءات الصارمة من قبل الدولة وما تلاها من ألوان القمع وصنوف الاضطهاد عن هجرة مئات الألوف وربما مليون ونيف من مسلمي ميانمار إلى بنغلاديش المجاورة في ستينات وثمانينات وتسعينات القرن الماضي.
ومن الفظائع التي تمارس على المسلمين هناك أن الحكومة العسكرية تجبرهم على العمل القسري لدى الجيش أثناء التنقلات أو بناء ثكنات عسكرية أو شق طرق، وغير ذلك من الأعمال الحكومية، أو في بناء الطرق والسدود سخرة دون مقابل.
أما على الصعيد السكاني فإن الحكومة ما زالت تقوم بإحداث تغييرات جذرية في التركيبة السكانية لمناطق المسلمين، فلا توجد أي قرية أو منطقة إلا وأنشأت فيها منازل للمستوطنين البوذيين سلّمتهم السلطة فيها.
ومنذ عام 1988 قامت الحكومة بإنشاء ما يسمى “القرى النموذجية” في شمال أراكان، حتى يتسنّى تشجيع أُسَر البوذيين على الاستيطان في هذه المناطق.
وتفرض الحكومة شروطا معينة فيما يخص الزواج من المسلمين أو بينهم، فهناك قانون الزواج الذي يشترط موافقة الدولة على الزواج وبدفع مبلغ عال مقابل ذلك وغالبا ما تدفع الرشاوى لقاء هذا الإذن، وقد يتأخر الإذن سنوات، وتصل عقوبة الزواج بغير إذن إلى السجن عشر سنوات.
وقد أخذت معاناة المسلمين الروهنجيا منحى جديدا مع تطبيق قانون الجنسية الجديد في ميانمار عام 1982، وبموجب هذا القانون حُرم المسلمون من تملك العقارات وممارسة أعمال التجارة وتقلد الوظائف في الجيش والهيئات الحكومية، كما حُرموا من جميع الحقوق الإنسانية الطبيعية والأساسية مثل حق التصويت بالانتخابات البرلمانية، وتأسيس المنظمات وممارسة النشاطات السياسية.
ولم تكتف السلطات في ميانمار بتبني إجراءات جديدة بحق المسلمين بل مضت في تطبيق الخطط القديمة ضدهم لإرغامهم على ترك العقيدة الإسلامية، وإجبارهم على مغادرة بلدهم.
ولا يُسمح للمسلمين باستضافة أحد في بيوتهم ولو كانوا أشقاء أو أقارب إلا بإذن مسبق، أما المَبيت فيُمنع منعاً باتاً، ويعتبر جريمة كبرى ربما يعاقَبُ عليها بهدم منزله أو اعتقاله أو طرده من البلاد هو وأسرته.
ويُحرم كذلك أبناء المسلمين من مواصلة التعلُّم في الكليات والجامعات، ومن يذهب للخارج يُطوى قيده من سجلات القرية، أما إذا عاد فيُعتقل عند عودته، ويُرمى به في غياهب السجون.
ولا يسمح للمسلمين بالانتقال من مكان إلى آخر دون تصريح، والذي يَصعُب الحصول عليه. كما يتمّ حجز جوازات السفر الخاصة بالمسلمين لدى الحكومة ولا يُسمح لهم بالسفر للخارج إلا بإذن رسمي، ويُعتبر السفر إلى عاصمة الدولة (رانغون) أو أية مدينة أخرى جريمة يُعاقب عليها.
ولم تقتصر الإجراءات التعسفية على تلك الأمور بل مست دور العبادة أيضا، حيث هُدمت العديد من المساجد والمدارس الدينية، وتحول السلطات في أغلب الأحيان دون إعادة بنائها أو ترميمها.
وفي خضم ما يعيشه أبناء الروهنجيا المسلمين في ميانمار من معاناة يومية تبدو قضيتهم عرضة للنسيان في كثير من الأحيان إلا إذا وقعت بعض المذابح بحقهم وفي مثل هذه الأحيان يتذكر العالم أن هناك أقلية مضطهدة في مكان ما من العالم، ولكن بعد فوات الأوان وبعد أن تكون غالبية هذه العرقية قد رحلت عن ديارها تحت وطأة الخوف من المقتل إلى بعض الدول المجاورة كتايلاند أو كمبوديا أو بنغلاديش .