وكالة أنباء أراكان ANA: (أ ف ب)
بين ليلة وضحاها، دمّر الجيش قراها واضطرت مئات العائلات البورمية التي صودرت أراضيها إلى الاختيار بين قطع أرض يقدمها الحزب الحاكم أو تلك التي تقدمها مجموعة مسلحة في منطقة النزاع.
ومنذ نهاية الديكتاتورية العسكرية والانفتاح الاقتصادي، بات الحصول على قطعة أرض رهاناً أساسياً في هذه الدولة الغنية بالموارد الطبيعية.
وكانت الجرافات على أبواب منازلهم، عندما أبلغ العسكريون السيدة إي إي وين (52 عاماً) وجيرانها أنهم سيدمرون قريتهم القريبة من جبل بوغو.
وحينما تذكرت أي أي وين ذلك اليوم من شهر آذار الماضي، عندما أعلن الجيش من دون تبريرات أن قرية ثاميلاي غير شرعية، قالت: “كنا نشعر بخوف شديد”.
وانضمت ايي ايي وين ومئات الأشخاص المغلوبين على أمرهم إلى صفوف مسلوبي الأراضي الذين كانوا ضحايا صراعات بين الفصائل.
وأوضحت المرأة التي باتت تعيش مع عائلتها في بيت صغير من القصب نقلت إليه في قرية أطلق عليها اسم “نيو ثاميلاي” في ضاحية رانغون: “قالوا لنا إنهم سيلاحقوننا إذا ما رفعنا شكاوى”.
ويزداد عدد المواطنين العاديين الذين يعبّرون عن غضبهم ويحتجون على السلطات التي لا تحرك ساكناً.
ويعمد فلاحون إلى تدمير السواتر التي تمنعهم من الوصول إلى حقولهم، ويتصدى قرويون مهجّرون لرجال أعمال يستولون على أراضيهم، كما تنظم أسبوعياً تظاهرات في مدن البلاد للتنديد بهذه التجاوزات. وكانت النتيجة اعتقال مئات المتظاهرين هذا العام.
وفي هذا البلد الذي تمتلك فيه الدولة كل الأراضي من حيث المبدأ، تشكلت لجنة لإدارة النزاعات المتصلة بالأرض، لكنها توصلت فقط إلى تسوية جزء طفيف من عشرات آلاف الشكاوى.
وقد لجأ عدد كبير من عائلات ثاميلاي بعد طردها إلى أحد الأديرة، لكن الحل كان قصير الأمد، إذ سرعان ما طالبت السلطات بمغادرتهم.
وأدى الحديث آنذاك في وسائل الإعلام عن هذه المسألة إلى وضع غير مسبوق، فقد عرضت مجموعتان تقديم المساعدة وهما حزب “المجموعة العسكرية” الحاكمة وجيش “كارين” البوذي الديموقراطي، وهو مجموعة صغيرة متمردة.
ووعد جيش “كارين البوذي” الديموقراطي الذي وصل على متن شاحنات كبيرة، بتقديم قطع أرض في أدغال ولاية كارين القريبة من الحدود التايلاندية. ووافقت على هذا العرض حوالى مئتي عائلة.
لكن الحياة في منطقة النزاع هذه وسط المقاتلين، سرعان ما تحولت كابوساً ألقى بثقله على الذين وافقوا، بحسب ما قالت ثان هتوي التي رضيت بحل إعادة الإسكان.
وبعد رحلة استمرت أربعة أيام، اختارت في النهاية مغادرة المنطقة والعودة مع أبنائها الثلاثة إلى وسط البلاد: “فور وصولنا وضعونا في ما يشبه السجن”.
أما إي إي وين فاختارت الحل الذي طرحه “حزب الاتحاد للتضامن والتنمية” الأكثري.
وقد اشترى الحزب، الذي يهيمن عليه مسؤولون سابقون في المجموعة العسكرية السابقة انضموا إلى مسيرة الاصلاحات منذ العام 2011، أراضي تبلغ مساحتها 12 هكتاراً بـ 200 ألف دولار، لينشئ فيها قرية ثاميلاي. وهي تضم اليوم حوالي 200 منزل صغير بنيت في إطار صفوف منتظمة.
وقال زعيم القرية ميينت ميينت سان، العضو في “حزب الاتحاد للتضامن والتنمية”: “أعطيناهم عقداً يوضح أنهم يستطيعون العيش هنا ويستطيعون نقل المنازل إلى أولادهم، أما ما لا يستطيعون فعله هو بيعها”.
وخلال انتخابات العام 2010 وُجّهت إلى الحزب الحاكم تهمة شراء أصوات وخصوصاً عبر التعبيد الجزئي للطرق مع وعود بإنهائها بعد انتخابه.
وأكد سان الذي كان يرد على سؤال عن سخاء الحزب، أن “الناس ليسوا مضطرين للانضمام إلى الحزب حتى يبقوا هنا”. وقال إن “جميع الأشخاص كانوا في أي حال أعضاء في الحزب”.
ويواجه “حزب الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية” الذي تتزعمه أونغ سان سو تشي الحائزة على جائزة “نوبل” للسلام، والمتهم بالتقاعس في الدفاع عن قضية الأشخاص المصادرة أملاكهم، تراجعاً شعبيته في هذه المنطقة.
والحصول على الأرض مسألة أساسية في بورما، التي يعيش 70 في المئة من سكانها من موارد هذه الأرض.
لذلك بدأت الحكومة تعديل القانون المتعلق بالملكية، لكن الباحثين في “ترانسناشونال انستيتيوت” يقولون إن هذه المقترحات يمكن أن تفيد كبار المستثمرين على حساب صغار المستثمرين.
وقال عضو اللجنة البرلمانية المكلفة إعداد هذا المشروع خين مونغ يي إن مصادرة الأراضي مشكلة مزمنة، وحتى الحكومة تواجه صعوبة في إعادة الأملاك التي صودرت فترة الحكم العسكري. وأضاف أن “عدد قطع الأراضي التي أعيدت ما زال محدوداً جداً”.