وكالة أنباء أراكان ANA: (فرانس24)
بعد اضطهادهم وطردهم من بورما، فر الروهنجيا، وهم أقلية مسلمة، نحو مخيمات اللاجئين في بنغلادش المجاورة، حيث تنتظرهم ظروف عيش ليست بالمختلفة تماما عن تلك التي عرفوها في بورما. ومنذ شهر، قامت السلطات البنغلادشية بهدم مخيم لللاجئين جنوب البلاد دون سابق إنذار، بهدف تأمين التنمية السياحية للمنطقة. مراقبنا يروي لنا صعوبة عملية إعادة البناء والواقع اليومي الأليم لشعب لا يتمتع بأي حق ويفتقر إلى أبسط الأشياء.
كان مخيم الروهنجيا يقع غير بعيد عن قرية شملابور للصيادين، في مقاطعة كوكسز بازار، التي تستقطب بشواطئها الممتدة على خليج البنغال عديد السياح. ولتبرير هدم المخيم، تحدثت السلطات عن ضرورة مسح الشواطئ. وهكذا دمر حوالي 2500 مسكن، ما أجبر آلاف الروهنجيا (وهم 7000 حسب السلطات و35 ألف حسب صحيفة بنغلادشية) على التنقل إلى مكان آخر. بعضهم توجه نحو مخيمات أخرى غير رسمية في مقاطعة كوكسز بازار التي تحتضن المخيمين الرسميين الوحيدين في البلاد والمكتظين بالسكان. أما الآخرون، فقد نجحوا حسب مراقبنا في الاستقرار قرب المخيم الأصلي.
“من الوارد أن لا يجد البعض مأكلا طوال 48 ساعة”
أحمد (اسم مستعار) من الروهنجيا ويعيش في مخيم قانوني في بنغلادش منذ 20 سنة، وهو على اتصال مع بعض الأصدقاء الذين يعيشون في شملابور.
هناك من الروهنجيا من كانوا يعيشون في شملابور منذ 15 سنة وبين عشية وضحاها، طردوا من هناك. الشرطة لم تنذرهم من قبل، بل جاءت في مطلع شهر فبراير-شباط وأمرتهم بالرحيل فورا، قائلة أن هذا البلد ليس بلدهم، وأن من سيحاول منهم البقاء سيزج به في السجن. أما المخيم، فقد هدم تماما.
عدد لا بأس به من اللاجئين استطاعوا الاستقرار مجددا غير بعيد عن مكان المخيم الأصلي، في الجهة المقابلة من الطريق الساحلية، ولجؤوا وراء مساكن بنغلادشية متواضعة. معظهم اليوم يعيش في ظروف متدهورة للغاية تحت خيام بلاستيكية. أما الآخرون، فقد صنعوا لأنفسهم مساكن من أعواد القصب قد تغطيها قطع من البلاستيك أو قد تكون دون سقف.
هناك الكثير من الاحتياجات الطارئة : فالمخيم يفتقر للطعام، خاصة الأرز والغذاء الغني بالبروتينات. من الوارد أن لا يجد البعض مأكلا طوال 48 ساعة. أحيانا، يذهب بعضهم إلى القرى المجاورة ويطرق أبواب البيوت طلبا لبعض القوت.
هناك كذلك نقص فادح في الماء الصالح للشرب: أحيانا يقبل بعض البنغلادشيين نقل الروهنجيا إلى أقرب مخيم رسمي، الواقع على مسافة 45 كم، كي يأخذوا بعض الماء، لكن اللاجئين مجبرون أغلب الوقت على شرب ماء البحر أو مياه الأنهار الراكدة، ما تسبب عنه في السابق حالات من الإسهال، زيادة عن احتمال انتشار أوبئة عديدة مثل الكوليرا.
أغلب رجال المخيم من الصيادين وهم يعملون عند بنغلادشيين في شملابور يمتلكون مراكب صيد. الصيادون الروهينغاالروهنجيا يتقاضون تقريبا ثلث أجر البنغلادشيين رغم أنهم يقومون بنفس العمل، لكن أصحاب المراكب يعتبرون أنهم يعيشون عالة على أبناء البلد… وهذا الأمر غير عادل إطلاقا.
أحمد:
“مازال هناك الكثير للقيام به: هناك حاجة ملحة للأغذية والأدوية والوصول إلى المياه الصالحة للشرب”
أندرو داي عامل إغاثة كندي يدير حملات تمويل من أجل الروهنجيا على الإنترنت، وهو يزور منذ أشهر مخيمات اللاجئين في بنغلادش حتى يساعد على توفير الحاجيات الأولية.
قمنا بزيارة هذا المخيم قبل يوم من تدميره، وبمجرد أن علمنا بهذا الخبر، عدنا إلى هناك لتقديم يد العون. الروهنجيا الذين نجحوا في الاستقرار قرب المكان الأصلي للمخيم حظوا باستقبال جيد من قبل البنغلادشيين الذين قبلوا إيجار قطعة أرض حتى يتمكن اللاجئون من بناء بعض المساكن. كان عليهم إعادة بناء كل شيء منذ البداية، وقد ساعدناهم في بناء بيوت الراحة وإعادة بناء المدرسة بأعواد القصب بعد أن انهار جزء منها خلال موسم الأمطار .
“كل الأعمال الشاقة أو المهينة هي من نصيب الروهنجيا”
شملابور مخيم ليس بالكبير وهو بعيد نسبيا عن حدود بورما، ما يجعل هذا المكان آمنا تقريبا بالنسبة للروهنجيا خاصة وأنهم يتعايشون بسلام مع البنغلادشيين. لكن الوضع ليس بهذه السهولة في المناطق الأخرى. فعادة ما تكون ظروف الحياة أصعب بكثير في المخيمات الموجودة قرب قرى أو مدن كبرى أو غير بعيد عن الحدود مع بورما. هذه المناطق تشكو من الفقر المدقع وتنتشر فيها الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات أو الأشخاص أو بيوت الدعارة. عموما، كل الأعمال الشاقة أو المهينة هي من نصيب الروهنجيا، الذين غالبا ما يجدون أنفسهم مرغمين على بيع المخدرات لكسب قوتهم. وطبعا، كذا ممارسات لا تساهم إلا في تشويه صورتهم أكثر فأكثر في نظر البنغلادشيين، حتى أن هؤلاء يمنعونهم أحيانا من الحصول على الماء الصالح للشرب.
لا يمكن القول أن لحكومة بنغلادش سياسة واضحة تجاه اللاجئين الروهنجيا. مهما كان المخيم، فإن وضع الروهنجيا في بنغلادش كارثي. إنهم لا يتمتعون بأي حق بديهي، ولا يحملون أية جنسية، ولا يكتنفهم أي قانون، ولا يتمتعون بأي نوع من الحماية. قد يُتهمون بارتكاب أية جريمة ولن تكون لديهم أية وسيلة للدفاع عن أنفسهم فلا أحد سيشكك في قول مواطن بنغلادشي لتصديقهم.
منذ 1978، فر مئات الآلاف من الروهينغا من منطقة أراكان في بورما، حيث يتعرضون بانتظام إلى اضطهادات عنيفة، يشارك فيها الرهبان البوذيون. حكومة بورما لا تعترف بهم كمواطنين، وذلك تطبيقا لقانون مثير للجدل. الروهنجيا يعيشون اليوم في مخيمات للاجئين في بورما حيث تمنع عنهم الحكومة وصول الإغاثة الإنسانية، أو في بنغلادش التي استقبلتهم لفترة معينة باسم التضامن بين المسلمين قبل أن تشدد سياستها تجاههم.
في بنغلادش، يعيش حوالي 30 ألف لاجئ في المخيمات الرسمية بينما يوجد 300 ألف من الروهنجيا خارج هذه المخيمات. وقد أعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة في 2013 متحدثة عن المخيمات الرسمية أن اللاجئين فيها “يتمتعون بكل الاحتياجات الأولية “، لكنها اعترفت بأن المكان لا يمنح “أي مستقبل ولا أية وسيلة للمساهمة في تطور المجتمع”، علما وأن لا وجود لصفوف هناك بعد المدرسة الابتدائية، مضيفة “نحن نطلب من السلطات خلق فرص أخرى لللاجئين”. من جهتها، أكدت الحكومة البنغلادشية أكثر من مرة أنها تعمل على تحسين ظروف عيش الروهنجيا وعلى نقلهم إلى “مكان أحسن” من مخيمات مقاطعة كوكسز بازار، لكن دون أن تقترح مشروعا واضحا. وقد صنفت منظمة الأمم المتحدة الروهنجيا من ضمن الأقليات الأكثر اضطهادا في العالم.