وكالة أنباء أراكان ANA: (الرياض)
(المذبحة البشعة التي نجمت عن شجار دموي بين مهاجرين من الروهنجيا والبنغلادشيين على متن مركب متهالك مقابل سواحل إندونيسيا باستخدام الفؤوس والسكاكين والقضبان الحديدية ما أدى إلى مقتل 100 منهم على الأقل، تسلط الضوء مجددا على المصير المأساوي للأقلية الروهنجية المسلمة التي ترزح تحت نير الاضطهاد في ميانمار، ما دفع عشرات الآلاف منهم إلى محاولة الهجرة إلى الدول المجاورة.
غير أن الآلاف منهم وقعوا ضحايا لتجار البشر الذين استغلوا الرجال وهتكوا أعراض النساء. وبينما ترفض الدول التي يسعون في اللجوء إليها استقبالهم وكل واحدة تطردهم نحو الأخرى، فإن كرة المضرب البحرية هذه تهدد بأن تتحول القوارب التي تحمل نحو 20 ألف مهاجر ومنذ عدة أشهر إلى مقابر لهم.
التقرير التالي يكشف أبعاد هذه المأساة نقلا عن صحيفة «غلوبال بوست.»)
الروهنجيا أقلية مسلمة سنية تعيش في ميانمار، وتعد من أكثر الشعوب عرضة للاضطهاد على كوكب الأرض. ففي ميانمار (بورما سابقا) حيث عاش الروهنجيون لعدة أجيال تعدهم السلطات غزاة مسلمين قدموا من بنغلاديش ومن ثم تعمل الحكومة على تقييد حرياتهم في الزواج والعمل والسفر، ولا تمنحهم حق المواطنة ولا جوازات سفر، بل هم محرمون حتى من مصدر دخلهم وغذائهم الوحيد وهو صيد السمك.. إنهم شعب بلا دولة.
ويقول باتريك وين مراسل صحيفة غلوبال بوست: “تم إرغام أكثر من 150 الفا من شعب الروهنجيا على العيش في مخيمات للاجئين تفتقر إلى الدواء والطعام، وفيها يرفرف الموت بجناحيه في كل ساعة وحين. بل إنه حتى الذين يعيشون خارج هذه المعسكرات الكئيبة يتعرضون لهجمات شرسة من قبل رجالات الشرطة وجنود الجيش.
ويدرك أفراد هذا الشعب جيدا مخاطر محاولة الهروب من ميانمار ولكن اليأس يدفعهم لذلك بأي وسيلة. ويدفع كل من يرغب في النجاة بنفسه مبلغا يعادل 100 دولار أو أكثر للمهربين والمتاجرين ببني البشر ليتم حشرهم في زوارق خشبية متهالكة، وقد يبقى معظمهم لأشهر عديدة في هذه القوارب إلى أن تمتلئ قبل أن يقوم المهربون بنقلهم.
وكلما قطعت الزوارق جزءا من المسافة إلى الأرض الموعودة – ماليزيا – ارتفع السعر. وفي نهاية المطاف، وإذا لم يتعرض المهاجر إلى القتل أو الموت بسبب الجوع أو المرض، فإنه يجد نفسه وقد دفع ما يعادل 2200 دولار.
وطوال فترة الرحلة يقضي المهاجرون سحابة نهارهم تحت أشعة الشمس الحارقة وكل منهم يجلس القرفصاء على بعد بوصة واحدة من رفيقه الذي أمامه، ويحصل الواحد منهم على لقيمات من الأرز والمعكرونة وماء لا يروي الظمأ.. أما المرحاض فعبارة عن كوة تفتح على البحر مباشرة.
ويردد المهاجرون الأدعية بصوت خفيض، وترى بين حين وآخر من يقذف ما في جوفه من طعام بعد إصابته بدوار البحر. ويتم قذف الذين يموتون جوعا في البحر لتتخاطف الأسماك جثثهم.
وبالنسبة للروهنجي الذي تكتب له الحياة إلى أن تطأ قدماه أرض اليابسة مرة أخرى، فإن الأمور يمكن أن تسوء بسرعة.
ففي تايلند يقوم المهربون بأخذ الروهنجيين الأحياء من القوارب واقتيادهم سيرا على الأقدام إلى أعماق الأحراش؛ حيث يتم حبسهم داخل معسكرات اعتقال. وهنا يتعرض النزلاء إلى تعذيب مهين وجوع قاتل. وعندما يزلزل الخوف كل ذرة من كيانهم، يقوم الحراس بوضع هواتف في آذانهم للاتصال بأقاربهم طالبين منهم المال والمزيد من المال، حتى يتم تهريبهم إلى ماليزيا.
وبينما يعمل الأقارب جاهدين على توفير الأموال لإنقاذ أسراهم، وغالبا ما يتم ذلك من خلال بيع أراضيهم الزراعية أو الاقتراض من المرابين، فإن هؤلاء الأسرى يذبلون وتضمر أجسادهم وتغطيها البثور والكدمات.
وإذا عجز الأسير عن الدفع فإنه يتعرض للقتل أو يترك ليموت جوعا ثم يدفن في مقبرة جماعية.
وكانت الغارات التي نظمتها السلطات التايلندية في شهر مايو الحالي داخل الأحراش قد أسفرت عن اكتشاف 80 معسكرا للاعتقال وعشرات الجثث في مقابر جماعية. وتمكنت صحيفة “غلوبال بوست” من الالتقاء ببعض الروهنجيين الذين نجوا من الموت في معسكرات الاعتقال تلك، لقد كانت قصصهم مرعبة وشديدة الإيلام.
فالروهنجيون الذكور يتعرضون للضرب المبرح بينما تقع النساء فرائس للاغتصاب.
وكتب باتريك يقول: “الأسير الروهنجي ينام في الطين داخل أقفاص خشبية، وطعامه لا يزيد على القليل من الأرز المسلوق. وأي مطالبة بالمزيد من الطعام يُقابل من قبل حراس المعسكرات بالضرب بعصي الخيزران”.
وتعد معسكرات الموت هذه والقوارب التي تأتي بمن يتم اعتقالهم فيها المكانين الأكثر إثارة للرعب في جنوب شرقي آسيا قاطبة، وفقا لإفادات مهاجرين ومهاجرات من الناجين، أجريت معهم مقابلات في تايلند.
ويقول أحدهم ويدعى حنيف (23 عاما) وهو رجل نحيف البنية يكاد يسقط من الهزال بعد أن تم حبسه في أحد المعسكرات طوال 9 أشهر: “تعرضنا للضرب صباحا ومساء لحمل عائلاتنا على دفع الفدى. وكانوا يضربوننا أيضا لإنهاكنا بما يكفي لمنعنا من محاولة الهروب.
وتقول سليمة (30 عاما) التي ذبلت في المعسكر طوال أشهر مع طفليها: ” النساء على وجه الخصوص يتعرضن لأبشع المعاملات. لقد صرف الحراس النظر عني ربما شفقة بالطفلين. أما النساء الأصغر سنا فإنهن يختطفن الى أعماق الغابة حيث يعدن منها وهن يصرخن من الألم، باكيات متسائلات: لماذا أتيت إلى هذا المكان المرعب لأفقد شرفي”.
ولا تتوقف الإهانة والإذلال عند هذا الحد، إذ يقول لاجئون ناجون آخرون أجريت معهم مقابلات على متن قارب تمكن من الرسو على سواحل جزيرة سومطرة الإندونيسية: إنهم أرغموا على “تبجيل زعيم عصابة التهريب التي استعبدتهم، ويدعى “أنور”، وقال أحدهم: “لقد حُملنا على مناداته بــ “السيد أنور”، وكنا نقف مرغمين لتحيته وإبداء مظاهر الاحترام له”.
ورغم كل هذا، فإن محاولات الهروب عبر خليج البنغال ستستمر، ويدرك كل الروهنجيين الذين أجريت معهم مقابلات أن الرحلة البحرية قد تنتهي بموتهم، غير أن إصرارهم على المخاطرة بحياتهم يجسد سوء أحوالهم المعيشية في ميانمار. وهذا ما تعبر عنه سليمة بقولها: “إننا نعيش حياة هي إلى الموت أقرب. إننا نعامل معاملة وحشية من قبل الشرطة، إننا عاجزون عن إطعام أنفسنا، أعراض النساء تنتهك، لذلك نغامر بحياتنا بركوب البحر”.
لقد كانت السلطات التايلندية على علم بوجود هذه المعسكرات منذ سنوات ولكنها لم تفعل شيئا ذا بال تجاهها، والظاهر أن بعض كبار المسؤولين يستفيدون ماديا من وجودها، ذلك أنهم يتلقون رشى من المهربين مقابل السماح لهم بإقامة المعسكرات.
ولم تستجب الحكومة إلا مؤخرا تحت الضغط الدولي وأصدرت أوامر قبض على أكثر من 60 مسؤولا.
وتشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 130 ألف روهنجي تمكن من الهرب منذ عام 2012. غير أن منظمات حقوق الإنسان تعتقد أن الرقم أعلى بكثير وأن ربع مليون لاجئ روهنجي على الأقل غامروا بحياتهم في خليج البنغال في السنوات القليلة الماضية.
وتم في منتصف شهر مايو الحالي العثور على الآلاف منهم في قوارب تتقاذفها الأمواج في كل اتجاه بعد إبعادها من ماليزيا، وتقوم إندونيسيا بدورها بإبعاد أي قوارب تقترب من سواحلها رغم ما تحمل من حشود من المهاجرين الذين أنهكهم الجوع والإعياء والمرض، وحذت تايلند حذوها.
ويصف جو لاوري، المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة في بانكوك ما تمارسه هذه الدول تجاه المهاجرين بلعبة “كرة مضرب بحرية” بقوله: ” هذه كرة مضرب تمارس في عرض البحر، وكراتها بنو البشر، ولكن ما نهاية هذه اللعبة؟ لا أود أن أكون دراماتيكيا أكثر من اللازم، ولكن إذا لم يتم علاج هؤلاء الناس ويعادوا إلى السواحل مرة أخرى فإننا سنجد بين ظهرانينا قوارب ملآى بالجثث”.
وتشير التقديرات إلى أن ما بين 8,000 الى 20,000 روهنجي موجودون حاليا في قوارب تتقاذفها الأمواج بلا هدي في عرض خليج البنغال.