وكالة أنباء أراكان ANA: (الأخبار)
حوار : د. رضوى عبد اللطيف
لم يعرف البعض اسم مسلمي الروهنجيا إلا عندما نقلت بعض وسائل الإعلام معاناة أكثر من 25 ألف رجل وامرأة وطفل مسلم وهم عالقون في البحر يحاولون الفرار من جحيم الاضطهاد والعنصرية والقتل في بورما لتكمل دول الجوار (المسلمة ) المأساة برفضها لاستقبالهم مما اضطرهم أن يأكلوا حبال المراكب من شدة الجوع ويشربوا ماء البحر من العطش. ورغم ذلك مات منهم الآلاف جوعا وعطشا ومرضا وغرقا في مشهد مأساوي كشف عن تخاذل المسلمين ونفاق العالم الذي اعتاد الصمت وهو يشاهد الظلم الذي يتعرض له مسلمو الروهنجيا منذ أكثر من 70 عاما. ما بين ماض مؤلم وأزمة جديدة أزهقت أرواح المزيد من مسلمي الروهنجيا كان حديثي مع الشيخ عبد الله معروف رئيس المركز الروهنجي العالمي.
• حدثني عن واقع مسلمي الروهنجيا في بورما ومظاهر الاضطهاد والمعاناة التي يعيشونها؟
– مسلمو الروهنجيا وضعهم صعب جدا وما يحدث لهم اليوم هو امتداد لسلسلة معاناة طويلة جدا بدأت عام 1942 حين حصلت المذبحة الاولى مرورا بالمأساة التي وقعت في يونيو 2012 التي تعتبر المأساة العشرين في تاريخنا. هذه المأساة الأخيرة نتجت عن عدد هائل من الاعتداءات غير المسبوقة والجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان الروهنجي. ومنذ ذلك الوقت هناك قرابة ربع مليون نسمة من النازحين يعيشون في المخيمات التي تنقصها أدنى مقومات الحياة والأطفال يموتون بسبب أمراض بسيطة مثل الإسهال ونقص الغذاء بمعدل من 3-5 أطفال يوميا. ووجدت منظمة دولية في زيارة لأحد المخيمات التي يعيش فيها 1600 لاجئ أنه لا يوجد لديهم سوى مرحاضين. فضلا عن أن المنظمات الإنسانية لا تستطيع الوصول لأغلب هذه المخيمات لبعد المسافة وأغلبها محاصر بقرى بوذية وأن الروهنجيين كثيرو الترحال وكثيرا ما يموتون بسبب نقص الماء والطعام. والسبب الأهم هو تعنت السلطات البورمية؛ حيث إنها سبق وأن طردت منظمة الصليب الأحمر. ومع تجدد صور العنف والتهجير القسري للشباب ووجود آلاف الأسر بلا عائل أصبح الوضع أكثر مأساوية. ففي أحد المخيمات هناك 13 ألف أسرة بلا عائل، فالأب إما قتل أو هجر قسريا عبر القوارب أو ملاحق في الغابات أو معتقل.
• هل تتعامل الدولة العسكرية في ميانمار(بورما) مع الروهنجيين بهذه الطريقة خوفا من انفصال أراكان عنها أم أن السبب هو الاضطهاد الديني؟
– السبب اضطهاد من ثلاثة أنواع: ديني بالدرجة الأولى، كما صرح رئيس منظمة (969) الإرهابية البوذية “إننا لا نريد الإسلام وبقاء الإسلام في أرض أراكان كليا لأن هؤلاء المسلمين يشكلون خطرا على بناتنا وكثير من بناتنا اعتنقن الإسلام بسببهم”. النقطة الثانية: أن ما يحدث هو جريمة تطهير عرقي. وأخيرا: أن دولة بورما لا تعترف بالروهنجيا ولا تحضر أي نقاش عنهم في أي مؤتمر دولي. فدولة بورما جمعت بين كونها حكما عسكريا فاشيا وكونها حكما شيوعيا يعيش على حساب أبناء الشعب. وهناك أقليات أخرى حتى نصرانية وبوذية تعاني من الاضطهاد والعنصرية ولكن يزيد الاضطهاد للمسلمين بصورة أكبر بسبب التاريخ العريق الذي يمتلكونه حيث كانت أراكان إسلامية لمدة 350 سنة منذ عام 1430 حتى عام 1784 م.
• بم تفسر الطريقة اللاإنسانية التي تعاملت بها الدول المجاورة مع اللاجئين رغم ان بعضها دول اسلامية؟
– شيء مؤسف أن مجموعة من دول آسيان المسلمة مثل ماليزيا وإندونيسيا وبروناي إلى جانب بنجلاديش الدولة المتاخمة للحدود كلها دول كان موقفها مخزيا. ودائما في المؤتمرات والاجتماعات التي تخص الروهنجيا يقدمون رجلا ويؤخرون أخرى بدعوى أن هذه قضية داخلية تخص ميانمار. ولكنهم اكتشفوا الآن انها ليست مسألة داخلية فالمقابر الجماعية التي كنا نسمع عنها في أراكان الآن نسمع بها في تايلاند وماليزيا. وأعلنت قبل أيام اكتشاف 36 مقبرة جماعية. إذن المسالة ليست محلية وإنما إقليمية بالدرجة الأولى ويتحمل اتحاد الآسيان المسئولية عنها ويجب أن يكون لهم موقف حازم تجاه هذه المأساة. خاصة بعد أن أثارت تصرفاتهم غضب شعوبهم فالشعب الماليزي دشن حملات اعتراضا على معاملة الروهنجيا بهذه القسوة وهم مسلمون في محنة. وفي اندونيسيا أنقذ الصيادون الروهنجيا وقدموا لهم الطعام لذلك وافقت بعض الدول على استقبال بعض المهاجرين.
• هل ترى أن هناك تواطؤا من قبل وسائل الإعلام العالمية بإغفالها للجرائم التي ترتكب في حق المسلمين الروهنجيا وأن هناك تعتيما إعلاميا عليها؟
_ ندين جميع وسائل الإعلام العالمية التي اشتهرت بنقل أصغر حدث لليهود في أنحاء العالم وتغفل كارثة إنسانية بهذا الحجم فقط لأن الضحايا مسلمون. فلم يصل لقوارب اللاجئين في البحر غير بعض القنوات على استحياء. وأقول للقنوات العالمية: أنتم مدانون ومشاركون في هذه الجريمة الكبرى بصمتكم. فأين السي ان ان والبي بي سي والعربية والقنوات العالمية التي تتنافس لنقل مباريات كرة القدم؟ أين هي من مأساة أناس أصبحوا طعاما يوميا للأسماك في عرض البحر وآخرين يلقون في مقابر جماعية. هذه جريمة إعلامية كبرى. وأتمنى أن تقوم هذه القنوات بمسئوليتها وتقدم تغطية مستمرة حتى ترفع عن الروهنجيا هذه المحنة.
• رغم دوركم كمركز يتحدث عن قضية الروهنجيا وأنشطتكم الدولية والعربية لماذا في رأيك مازال هناك تجاهل عربي ودولي للقضية؟
– المركز الروهنجي العالمي رغم حداثته حيث أنشئ من سنتين ونصف إلا أنه حاول بما يمتلك من إمكانيات تحريك الرأي العام والمحافل الدولية وعرض القضية في المنظمات الحقوقية حول العالم ومنها منظمة حقوق الإنسان. وأثرنا القضية أيضا في الدول الأوروبية والاسكندنافية وأمريكا والدول الإسلامية ونقيم معارض في هذا الصدد. ولكننا ندرك أن القضية غائبة من 70 سنة ونعمل على توظيف كل وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي للتعريف بقضية الروهنجيا. وسعى المركز في البداية مع منظمة التعاون الإسلامي لإنشاء اتحاد للمنظمات الروهنجية هذا الاتحاد الذي يعد الممثل الشرعي للروهنجيا وسعينا للحصول على الاعتراف بالاتحاد ونجحنا عام 2011 في كازاخستان. وأصبح المركز الروهنجي الذراع التنفيذية للاتحاد بمشاريعه الإعلامية والإغاثية والحقوقية ونحاول أن نقدم ما نستطيع. ولكن الحراك العالمي تجاه القضية مازال ضعيفا جدا لسببين رئيسيين. أولا: أن الروهنجيا ليس لديهم بلد كي تدافع عنهم وتتبنى قضيتهم لأنهم عديمو الجنسية. ويمثلون أكبر أقلية من عديمي الجنسية في العالم. والسبب الثاني: أن القادة الروهنجيين لا يملكون اي دعم للحراك الشعبي والدولي ويحتاجون لصندوق عالمي لدعمهم. والروهنجيون المتعلمون المثقفون قادرون على الدفاع عن قضيتهم.
• كيف تقيم أداء المنظمات الحقوقية والدولية في أزمة الروهنجيا؟ ولماذا يغيب دور المؤسسات الإسلامية عن دعم الأقليات المسلمة من الاضطهاد في دول مثل بورما وإفريقيا الوسطى؟
– كل هذه المنظمات دورها ضعيف جدا وإذا صنفنا المنظمات الفاعلة على الأرض سنجد ثلاثا فقط. أما المنظمات الحقوقية فدورها يكاد يكون منعدما وأطالب مصر التي تحتضن المئات من المنظمات الحقوقية أن يكون هناك حراك ويرفعون صوتهم لنصرة الروهنجيا. فمصر التي قادت دورا محوريا في القضية في وقت من الأوقات عندما زار وزير خارجيتها أراكان ودعا السفير المصري في منظمة التعاون الإسلامي لافتتاح المركز الروهنجي العالمي لذلك أطالبها الآن بإكمال دورها وملاحقة المجرمين والسعي لإعادة حقوق الروهنجيا المنتزعة منهم منذ عام 1982.
• هل أثرت حملة العداء للإسلام في الغرب والتي ظهرت منذ أحداث 11 سبتمبر ومستمرة حتى الان على قضية الروهنجيا؟
– لا أعتقد ذلك لأن قضية الروهنجيا قضية سلمية وليس لهم مطالب غير الحياة بصورة طبيعية. فهم لا يمتلكون حتى مجرد القدرة للدفاع عن أنفسهم لذا فالقضية إنسانية بالدرجة الاولى وليست إسلامية نحن نتحدث عن الحق في الحياة كبشر. الرئيس أوباما عندما زار بورما قدم خطابا قويا وقال: “أنا إنسان أمريكي وزوجي وأطفالي أمريكيون ونحن نعيش في أمريكا مسالمين ومن حق الروهنجيا أن يعيشوا كما أعيش أنا وأسرتي في أمريكا “. وأنا أقول: لا علاقة لما يحدث للروهنجيا الآن بـ 11 سبتمبر أو الارهاب العالمي.
* في النهاية ما الخطوات التي ترى أنها يمكن أن تنهي مأساة مسلمي الروهنجيا؟
– أطالب بضرورة إنشاء صندوق الروهنجيا العالمي ودعم الدول الإسلامية لهذا الصندوق. كما أطالب الدول الإسلامية بتقديم طلب للأمم المتحدة بإنشاء لجنة دائمة لتقصي الحقائق ومحاكمة تجار البشر والمجرمين الذين قتلوا شعبنا. كذلك إذا لم تغير بورما من سياستها ضد الروهنجيا في انتخابات عام 2015 ولم يعترفوا بهم كمواطنين فنحن نطالب الأمم المتحدة ودول العالم أن يسعوا لأن يحصل الروهنجيا على حق تقرير المصير كما حدث في جنوب السودان وتيمور الشرقية وكوسوفو.