وكالة أنباء أراكان ANA: خاص
أصدرت المنظمة الدولية الخليجية لحقوق الإنسان دراسة بعنوان “الروهنجيا في ميانمار.. الأقلية الأكثر اضطهادا في العالم”، تسلط فيها الضوء – لأول مرة من قبل منظمة حقوقية دولية – على أبعاد مأساة المسلمين “الروهنجيا” بولاية أراكان (راخين) في دولة ميانمار (بورما سابقا)، حيث تجري عملية تطهير عرقي ضدهم من قبل البوذيين المتطرفين بمساندة الحكومة الميانمارية منذ ثلاثة أعوام.
وهدفت الدراسة التي قام بها الباحث “طارق شديد” مدير قسم الدراسات العربية بالمنظمة، إلى الإجابة عن مجموعة تساؤلات مثل: ما حقيقة ما يحدث للأقلية الروهنجية في ميانمار، وخاصة في الموجة الأخيرة من الاضطهاد والتطهير العرقي الممارس ضدهم؟.. وما الخلفيات التاريخية لهذه الجرائم؟.. ومن يقف وراء هذا الملف الملطخ بدماء الأبرياء؟.. وماذا قدمت دول العالم لإنقاذ شعب يباد أمام سمعه وبصره؟.. ولماذا سكتت دول العالم الحر حيال ما يجري هناك من انتهاكات صارخة؟.. ولماذا لم نر أي تحرك دولي ضد حكومة ميانمار لصد خطواتها الوحشية في حق أبناء هذا الشعب؟.. وكيف يمكننا أن ننقذ ما تبقى من أرواح ونحافظ على البقية الباقية من الروهنجيا، حتى لا يحكي التاريخ عن هذا الشعب يوما من الأيام ونكون نحن شهود المجزرة الصامتين.
لقد رصدت الدراسة حالة استهداف المكوِّن الروهنجي تاريخيا، فأزمة مسلمي “الروهنجيا” في ميانمار ليست حديثة، ولكن وتيرتها تصاعدت جراء قتل مجموعات بوذية متطرفة يحرضها عدد من الرهبان البوذيين الراديكاليين المنضوين تحت منظمة تحمل رقم (969)، لعشرة من دعاة مسلمي الروهنجيا في شهر يونيو/حزيران عام 2012م لدى عودتهم من العمرة، حيث قامت هذه المجموعات بضرب الدعاة بأبشع الصور حتى أودت بحياتهم، وذلك بعدما اتهمتهم ظلما وجوراً بالوقوف وراء مقتل فتاة بوذية بعد اغتصابها. الأمر الذي أدى إلى اندلاع حرب شاملة على الروهنجيين في إقليم أراكان (راخين) من قبل مجموعات بوذية مسلحة بالأسلحة البيضاء والعِصِيِّ، تمارس كافة أعمال القتل والتعذيب وحرق وهدم بيوت الروهنجيا.
وأوضحت الدراسة أن مسلمي الروهنجيا في ميانمار في واقعهم المعاصر، وعبر تاريخهم الممتد منذ حوالي الألف وأربعمائة عام، وعلى أرضهم التاريخية، تعرضوا لإهدار كامل لحقوقهم الإنسانية والى مآسٍ واضطهادات متتالية، من أجل تهميشهم ودفعهم إلى الهجرة إلى خارج أرضهم. ولقد نالوا من التقتيل والتهجير ما لا يتصوره العقل !.. وكانت النتائج الملموسة لهذه المذابح: النقص الكبير في عددهم، بالإضافة إلى المرض والفقر والبؤس الذي عاناه من بقي على قيد الحياة.
كما أحالت هذه المساعي مسلمي الروهنجيا في غرب ميانمار بشكل واسع إلى وضعية “البدون” أو “عديمي الجنسية”، فحكومة ميانمار تمنع “المواطنة” عن الروهنجيا، وتعتبرهم بنغاليين – من خلال الاستدلال أنهم مهاجرون غير شرعيين من بنغلاديش، وأن الجرائم التي ارتكبت ضدهم لا تؤدي إلى ملاحقات قضائية.
وبات الروهنجيون في العديد من الحالات يرغمون على العيش في مخيمات للنازحين، حتى أنهم يواجهون جهوداً متزايدة لإلغاء اسم (الروهنجيا) الذي يستخدمونه للتعريف بأنفسهم كمجموعة عرقية. وتحت ضغوط من حكومة ميانمار، يبدو المجتمع الدولي في بعض الأحيان متواطئاً في إزالة “الروهنجيا” من الخطاب الرسمي.
وأكدت الدراسة على أن حماية الأقلية الروهنجية في ميانمار هي مسؤولية أخلاقية عالمية في ذمّة الأمم المتحدة، واتحاد الدول الأوربية، وكل الدول العظمى وتلك التي وقّعت على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما أن تقديم الحماية لهذا الشعب الذي تعرض عبر تاريخه وحتى يومنا هذا إلى حملات إبادة ممنهجة، من قبل المجموعات الإرهابية والجهات الحكومية المتواطئة معها، هو التزام قانوني حقوقي وتنفيذ للمواثيق والمعاهدات الدولية.
ولذا على هذه الجهات تحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية، وذلك بالعمل فعليا بكل ما وقّعت عليه حفاظا على ما تبقّـى من مصداقيتها. إن محكمة العدل الدولية وبنود محكمة الجنايات في روما يجب أن تشمل كل السلطات التي ارتكبت جرائم بحق الإنسانية وبحق شعوبها، ومنها الشعب الروهنجي الأصيل.
وناشدت الدراسة مجلس حقوق الإنسان وهيئات الأمم المتحدة المعنية، وكافة المحافل الحقوقية والمؤسسات المدنية في العالم من أجل:
1- الضغط على حكومة ميانمار من أجل وقف جميع أعمال الإبادة الجماعية والقتل والتهجير والاعتقال ضد مسلمي الروهنجيا أحد المكونات الإثنية الأصيلة بشكل فوري وعاجل.
2- الضغط من أجل إدارة ذاتية خاصة بالروهنجيا في إقليم أراكان الذي هو بمثابة أرضهم التاريخية، تكون بمثابة ملاذ آمن لهم، وذلك عملا بمضمون إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية، خصوصا في مواده الثالثة والرابعة التي تقر بحق الشعوب الأصلية في تقرير مصيرها.
3- دعم وتمكين المؤسسات المدنية السياسية والحقوقية والإعلامية والإغاثية الخاصة بمسلمي الروهنجيا في ميانمار، من أجل ضمان استمرار وجودهم، وتثبيت وتفعيل مشاركتهم في الحياة السياسية في وطنهم، وإعادة إعمار مناطقه المتضررة، ومدها بكافة أشكال المساعدة والدعم المادي والسياسي.
4- إحالة مرتكبي جرائم الإبادة ضد مسلمي الروهنجيا، من مسؤولين حكوميين أو جماعات أو أفراد، إلى محاكم وطنية أو دولية أو مشتركة لردع هؤلاء ومنع تكرار مثل هذه الممارسات ضد الشعوب في مناطق أخرى من العالم.
وأشارت الدراسة إلى أن أداء الحكومة في دولة ميانمار يطرح التساؤلات حول حقيقة موقفها مما يحدث تجاه طائفة من مواطنيها وهم المسلمين الروهينجيين، فهي تتحمل كامل المسؤولية عن حمايتهم والحفاظ على حقوقهم. فعلى الرغم من توقيع الحكومة الميانمارية على الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ورغم التزامها المعلن بحماية حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية وسيادة القانون؛ لم تتخذ الحكومة أي إجراء حقيقي لحماية الروهنجيا ومعالجة العنف أو وقف سياسة العنصرية والتطهير العرقي وخطاب الكراهية.
وفي ظل هذا الوضع المأساوي للأقلية الروهنجية، ومع استمرار الدم الذي يدق النوافذ ويصفع العيون، فإن النخب والدوائر السياسية والحقوقية والثقافية في العالم مدعوة لاتخاذ مواقف أكثر حزما وشمولا والتزاما بحقوق الإنسان، ودفاعا عن التنوع الثقافي والخيارات الحرة في الحياة. والتصدي لسلطات ميانمار في أعلى مستوياتها التي تتحدث عن (وتمارس) سياسات تجاه الروهنجيا ترقى إلى الجرائم ضد الإنسانية، وتجعل جميع شروط الإبادة ماثلة أمام مسلمي الروهنجيا.
لقراءة الدراسة أضغط على الرابط