وكالة أنباء أراكان ANA : (إضاءات)
قال قائد بمخيم للروهنجيا: “أول ما نريده هو الحرية. وأي شيء آخر – التعليم، والعناية الصحية، والطعام، والعدالة – يأتي بعد الحرية”.
جُرِّدَ أعضاء بأقلية الروهنجيا المسلمة في ميانمار من جنسيتهم وتعرضوا للاضطهاد من قبل الحكومة، مع إجبار الكثيرين على العيش في مخيمات أو الهرب إلى الخارج.
الإقصاء من المشهد السياسي في ميانمار
لمدة حوالي 50 عاما، حُكِمت ميانمار بواسطة مجالس عسكرية، والتي طبقت سياسات قاسية للقمع الداخلي والعزل الدولي. بدأ ذلك في التغير عام 2011 مع نقل الجيش بشكل مفاجئ للسلطة إلى حكومة شبه مدنية، وأطلق سراح السجناء السياسيين، ووجه دعوات للاستثمار الأجنبي. أدت تلك التحركات نحو ميانمار (المعروفة أيضا باسم بورما) أكثر انفتاحا وحرية إلى دفع الحكومات الديموقراطية إلى استعادة العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية ودعم التحول السياسي في البلاد.
في نوفمبر القادم، ستجري ميانمار أول انتخابات برلمانية تنافسية في تاريخها، ولكن لن يسمح للجميع بالتصويت. فقد أزيلت أسماء مئات الآلاف من أعضاء عرق الروهنجيا، لتمثل تلك الخطوة الأخيرة بعد عقود من الاضطهاد تحت قيادة الدولة. حتى الآن، رغم بيانات الإدانة القوية، لم يكن المجتمع الدولي فعالا في وقف أو عكس مسار ما وصفه متحف الهولوكوست التذكاري الأمريكي مؤخرا بـ”علامات مبكرة للإبادة الجماعية”.
عقود من التمييز
تعيش الروهنجيا، وهي جماعة عرقية مسلمة يقدر عددها بحوالي مليون نسمة، بشكل رئيسي في ولاية أراكان بغرب ميانمار. وبعد عقود من السياسات الحكومية التمييزية، توصف الروهنجيا الآن عادة كواحدة من الأقليات المضطهدة في العالم. في عام 1982، جردتهم الحكومة من جنسياتهم، ليصبحوا دون جنسية مع تعرضهم لانتهاكات. علاوة على ذلك، حوالي 10 بالمئة من شعب الروهنجيا محتجزون حاليا في مخيمات للمهجرين، حيث لا يحصلون على ما يكفي من العناية الصحية، والتعليم، والوظائف.
“جدي كان مواطنا، ووالدي كان مواطنا، على خلافي”
استثنى قانون المواطنة الخاص بعام 1982 الروهنجيا من قائمة الجماعات العرقية المعترف بها رسميا، وعددها 135 جماعة. بل ويرفض المسؤولون الحكوميون اليوم الاعتراف بلفظ “روهنجيا”، مصرين على أنهم مهاجرين غير شرعيين من البنجلاديش المجاورة وليس لهم تاريخ في البلاد.
سمح ذلك الحرمان من المواطنة بحدوث الكثير من انتهاكات حقوق الإنسان وإعاقة الجهود الدولية لمساعدة العدد المتنامي من الروهنجيا الذين يفرون إلى دول مجاورة هربا من الاضطهاد.وثَّقت منظمة “فورتيفاي رايتس” سياسات الدولة المتعسفة المستمرة التي تستهدف الروهنجيا، ومنها تحديد النسل القسري بحد أقصى طفلين، وفرض قيود على الزواج، وقيود على التحركات، والمراقبة الشديدة والفحوصات الأمنية. كما يوضح متحف الهولوكوست التذكاري أن الروهنجيا يواجهون عنفا جسديا، وانتشار خطاب الكراهية، والابتزاز، ومصادرة الأراضي، والعنف الجنسي، والاعتقال والاحتجاز التعسفي.
مواطنون من الدرجة الثانية
حتى ربيع العام الحالي، امتلك أعضاء الروهنجيا وثائق هوية مؤقتة تحمل اسم “البطاقات البيضاء”. إلا أنه بعد أن قرر البرلمان السماح لحاملي البطاقات البيضاء بالتصويت في الاستفتاء المنتظر على التعديلات الدستورية، أدى السخط الشعبي، والاحتجاجات العامة من قبل الرهبان البوذيين المتشددين، بالرئيس ثين سين إلى التراجع عن تلك السياسة والإعلان عن أن جميع البطاقات البيضاء ستنتهي صلاحياتها قريبا، وأن حاملي البطاقات البيضاء سيكونون غير مؤهلين للتصويت في انتخابات نوفمبر. وبدءًا من أبريل، ستسحب البطاقات البيضاء من الروهنجيا وسيستعاض عنها بوثيقة هوية جديدة مؤقتة. حتى الآن، لا تعتبر خطط الحكومة واضحة بالنسبة لتلك الوثائق.
الإقصاء من كشوف المصوتين
لا تظهر أي أسماء من الروهنجيا في لائحة المصوتين المسجلين بأحد المكاتب الحكومية بسيتوي، عاصمة ولاية أراكان. فقد أزيلت أسماء أعضاء الروهنجيا، الذين صوتوا في آخر انتخابات وطنية عام 2010، من كشوف المصوتين في الانتخابات البرلمانية التاريخية في نوفمبر – وهي أول انتخابات يتنافس فيها حزب المعارضة الرئيسي. يقدر مركز كارتر أن ما بين 600,000 إلى مليون شخص قد حرموا من التصويت.
في أغسطس، فاقمت الحكومة سياسات الحرمان التي تمارسها. حيث منع شوي مونج، العضو البرلماني الوحيد من الروهنجيا، من الترشح مجددا في انتخابات العام الحالي، بما أن الحكومة تزعم الآن إن والديه ليسا مواطنين.
موجات من العنف
تواجه جماعة الروهنجيا توترات عرقية ودينية قديمة مع الأغلبية البوذية في ولاية أراكان، حيث يعتبرهم البوذيون دخلاء غير مرغوب فيهم. وفي عام 2012، استهدفت حشود أراكان العرقية الروهنجيا والقطاعات المسلمة الأخرى بموجات من العنف. فلقى المئات مصرعهم، ودمرت الكثير من المنازل والشركات، بينما وقفت قوات الأمن الحكومية عادة متفرجة. بعد الموجة الأولى في يونيو، ذكرت منظمة “هيومن رايتس واتش” أن “السلطات الحكومية دمرت المساجد، وشنت حملة اعتقالات جماعية عنيفة، ومنعت وصول المساعدات إلى المسلمين المهجرين”. كما أدت التصريحات العامة الداعية للتطهير العرقي للروهنجيا إلى بدء جولة أخرى من العنف في أكتوبر من نفس العام.
التهجير القسري إلى المخيمات
بعد العنف الذي جرى عام 2012، هجر حوالي 140,000 شخص، معظمهم من الروهنجيا من منازلهم ونقلوا إلى مخيمات متواضعة للمهجرين، حيث يعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات المقدمة من المنظمات الإنسانية الدولية. ولم تجرِ أبدا تحقيقات ذات مصداقية بشأن العنف، ولم يقدم أي متهمين للمحاسبة. إلا أن منظمة “هيومن رايتس واتش” خلصت إلى أن سلطات ميانمار الحكومية وأعضاء مجموعات أراكان”ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في حملة تطهير عرقي ضد مسلمي الروهنجيا”. وبعد ثلاث سنوات، استمرت المخيمات، وترسخ الفصل المادي بين شعبي أراكان والروهنجيا، وتستمر السياسات والممارسات المميزة. حيث قال رجل ينتمي إلى الروهنجيا ويعيش في مخيم: “لدى الحكومة خطة طويلة الأمد للقضاء على الروهنجيا”.
عاجزون عن العودة إلى منازلهم
أضافت حقيقة الحياة في مخيمات بعدا جديدا لاضطهاد قطاعات الروهنجيا. فالدخول مؤمن بواسطة عدة نقاط تفتيش أمنية، ولا يسمح للروهنجيا بمغادرة المخيمات. ذكر المقرر الخاص للأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان في ميانمار، يانجي لي، في مارس أن “القيود التمييزية على حرية التحرك للمسلمين المهجرين داخليا تظل على حالها، ما يؤثر بشدة على الوصول إلى العناية الصحية، والطعام، والماء، والصحة العامة، بالإضافة إلى التعليم وسبل العيش”. لم يرَ الكثيرون المنازل والأعمال التي امتلكوها مسبقا منذ نقلهم إلى المخيمات، إن كان ذلك لا يزال في إمكانهم. تقول السلطات في ميانمار إن تلك القيود لا تزال مطبقة لمنع المزيد من العنف المجتمعي، رغم أن البوذيين في أراكان يسمح لهم بالدخول والخروج بحرية من المخيمات.
الهجرة الجماعية عبر البحر
قال الروهنجيون الذين أجريت معهم مقابلات في المخيمات إنه ليس هناك مؤشرات على تحسن أو إنهاء وضعهم. أدت آفاق الحياة في تلك الأوضاع بالكثيرين – مع منعهم من التنقل، ودون وظائف أو تعليم، ولا أمل في مستقبل حقيقي لعائلاتهم –إلى المخاطرة بحياتهم ومحاولة الهجرة عبر البحر إلى الدول المجاورة. يوضح تقرير حقوق الإنسان الأخير لوزارة الخارجية الأمريكية أن أكثر من 100,000 من الروهنجيا فروا من ولاية أراكان منذ عام 2012. تسهل تلك الهجرة من قبل “الجيش وقوات الأمن ومهربي البضائع والبشر في ميانمار”، الذي يعرضون المهاجرين إلى المزيد من الانتهاكات والاستغلال. وفي مؤتمر دولي بشأن أزمة لاجئي الروهنجيا في مايو، رفض المسؤولون الحكوميون بمينامار الاعتراف بمسؤوليتهم عن السبب الأساسي للأزمة، ألا وهو، معاملتهم للروهنجيا.
“نحن نعيش في سجن”
في المخيمات، يعيش عادة ثمانية إلى عشرة أفراد داخل ملجأ واحد. قال قائد محلي للروهنجيا في مقابلة، “كنت ضابط شرطة لمدة 16 عاما. والآن أنا لست مواطنا ولا يسمح لي بمغادرة المخيم. نحن نعيش في سجن. لقد اعتدت أن أعيش في مدينة. والآن نعيش كلنا في منازل كالحيوانات، مثل أقفاص الدجاج”.
التسرب من المدارس
قبل نقلهم إلى المخيمات، اعتاد الكثير من أعضاء الروهنجيا الالتحاق بالتعليم، وإدارة الأعمال، أو السعي إلى الدرجات العلمية المتقدمة. بينما يجد طلاب الروهنجيا الذين اعتادوا الدراسة إلى جانب طلاب أراكان أنفسهم الآن منعزلين، وممنوعين من العودة إلى كلياتهم السابقة أو الالتحاق بالدراسة بجامعة سيتوي. بنيت المدارس المؤقتة بواسطة منظمات الإغاثة الدولية لتوفر المستوى الأساسي من التعليم لأطفال المخيمات، ولكنها لا تفي بالغرض. ويعلق أحد رجال الروهنجيا: “خلال سنوات قليلة، سيكون لدينا جيل كامل من الأطفال الأميين”.
ضعف الوصول إلى العناية الصحية
أدت القيود المفروضة على حرية انتقال الروهنجيا في المخيمات إلى مفاقمة مشكلات مثل ضعف الوصول إلى العناية الصحية الملائمة. فقد أجبرت الحكومة منظمة “أطباء بلا حدود” على إيقاف عملها في أراكان في فبراير 2014. بينما سمح للمنظمة بمتابعة خدماتها الصحية الأساسية في مطلع 2015، ولكن يظل توافر الخدمة الصحية الكافية محدودا.
غياب الإغاثة بعد العواصف
في أواخر يوليو 2015، ضربت عواصف شديدة ولاية أراكان، فأسقطت الأشجار، وأغرقت القرى، ودمرت المنازل. وفي الأيام التي تلت، عمل مئات ضباط الشرطة، وأفراد الجيش، والسكان المحليين على إزالة الأضرار التي وقعت في الشوارع المحيطة بسيتوي. إلا أنه في مخيمات الروهنجيا لم تصل أي مساعدة أو أنشطة حكومية. وأجبرت العائلات التي فقدت منازلها الصغيرة على العيش مع الجيران. أشار قادة المخيم بسخرية إلى أن الحرس الشرطي فر إلى بر الأمان أثناء العاصفة، ولكن السكان لم يتمتعوا بتلك الرفاهية. وأضاف: “إن حدث إعصار حقيقي، فسنكون محاصرين هنا. لا نستطيع مغادرة المخيم. سيعني ذلك موتنا”.
تعرض عمال الإغاثة للتهديد
يعتقد الكثير من البوذيين في أراكان أن منظمات المجتمع الدولي مهتمة فقط بمساعدة الروهنجيا، وأنها مميزة ضد أراكان. في مارس 2014، هاجمت حشود من أراكان مكاتب الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية الأخرى في سيتوي. أجبرت تلك الهجمات العاملين الدوليين والمحليين على مغادرة الولاية مؤقتا، ما تسبب في وقف توصيل الطعام والخدمات إلى المخيمات لمدة ستة أسابيع.
صمت الداعمين المحليين للديموقراطية
كجماعة بلا حقوق مواطنة ولا صوت في عملية تحول ميانمار إلى دولة ديموقراطية، لا تتمتع الروهنجيا بأي موارد للمطالبة بحقوق الإنسان الأساسية الخاصة بها باستثناء مناشدة المجتمع الدولي. فالحديث عن دعم الروهنجيا داخل ميانمار محرم. حيث التزم نشطاء حقوق الإنسان المحليين والسياسيين المناصرين للديموقراطية، مثل الحاصلة على جائزة نوبل، أونج سان سو كيي، الصمت بذلك الصدد. قد تخشى تلك الشخصيات تعريض سمعتهم أو أمنهم الشخصي للخطر، أو الاتفاق بهدوء مع سياسات الحكومة. يغذي ذلك الغياب للنقاش الداخلي بيئة خطيرة، يسمح فيها بنمو خطاب الكراهية والتضليل.