فى ظل انشغال المسلمين بثورات الربيع العربى وتطورات المشهد السياسى فى كثير من الدول الإسلامية، لم تتوقف المذابح اليومية التى ترتكب ضد الأقلية المسلمة فى بورما.
وجاء الصمت الدولى وتخاذل المجتمع الدولى والمنظمات الحقوقية والهيئات الدولية ليزيد من حجم تلك الكارثة المروعة ضد المستضعفين من المسلمين فى ميانمار.
وإذا كانت سياسة الكيل بمكيالين تجاه الأقليات الإسلامية هى السياسة الواضحة للمنظمات الدولية والدول الغربية، فان علماء الدين يطالبون بسرعة مد يد العون والإغاثة وتقديم المساعدات الإنسانية لنصرة إخواننا المسلمين المستضعفين فى بورما، ومساعدتهم على أخذ حقوقهم المنهوبة والمسلوبة من قبل السلطات هناك، مؤكدين ان نصرة المستضعفين من المسلمين فى اى مكان واجب شرعى على كل أفراد الأمة الإسلامية مطالبين فى الوقت نفسه المنظمات الاسلامية والحكومات باتخاذ إجراءات حاسمة لصد ووقف العدوان على الأقليات المسلمة المضطهدة فى بورما ومساعدتهم فى حق تقرير مصيرهم حتى لا تتكرر مثل هذه الاعتداءات مرة اخري.
ويؤكد الدكتور احمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق عضو هيئة كبار علماء الأزهر، أن المذابح ضد الأقليات المسلمة فى العالم لن تتوقف مادامت الدول الاسلامية لا تحرك ساكنا، فاليوم نتحدث عن بورما وغدا لا ندرى من سوف نتحدث عنه ان ما يمر به شعب بورما ومثله من الأقليات المسلمة دليل على هوان وضعف المسلمين على الرغم من كثرة عددهم ولكنهم كغثاء السيل كما اخبر بذلك سيد الخلق صلى الله عليه وسلم فى حديثه الشريف حيث قال "يوشك ان تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، فقال الصحابة أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله فقال عليه الصلاة والسلام: لا بل كثر ولكن كغثاء السيل، وقد نزع الله المهابة من قلوب اعدائكم وألقى فى قلوبكم الوهن، قالوا وما الوهن يا رسول الله قال صلى الله عليه وسلم: حب الدنيا وكراهية الآخرة".
واشار الى ان هذا ليس معناه الاستسلام، بل يجب على الدول الاسلامية شعوبا وحكومات ومنظمات ان تهب الى نصرة اخواننا المستضعفين المسلمين فى العالم بكل الوسائل المتاحة لدينا. قال صلى الله عليه وسلم "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"وقد وردعن سيدنا عمر بن الخطاب بعد ان تولى خلافة المسلمين انه كان يقول: لوان ناقة عثرت فى العراق لسئلت عنها يوم القيامة لم لم تصلح لها الطريق يا عمر"، مؤكدا ان نصرة المستضعفين المسلمين فى هذه الدول واجب شرعى على كل المسلمين فى العالم، وان التكاسل والاهمال فى حقهم اثم الم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم"انصر اخاك ظالما او مظلوما، فقالوا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما فقال عليه الصلاة والسلام: ان تأحذ على يديه "اى تنهاه عن ظلمه" فذلك له نصر له".
– أين حقوق الإنسان؟
ويتساءل الدكتور احمد عمر هاشم متعجبا اين منظمات الامم المتحدة وحقوق الانسان التى تصدع رءوسنا فى كل يوم ولحظة عن الدفاع عن حقوق الانسان اليس ما يحدث فى بورما من انتهاك لحرمات المسلمين وطردهم وتهجيرهم وتشريدهم من ارضهم ومنازلهم بغير ذنب اقترفوه، يعد انتهاكا لحقوق الانسان لم تغضون الطرف عن تلك الأحداث عامدين متعمدين، موضحا ان نصرة اخواننا فى بورما لا تقف عند حد تقديم المعونة والاغاثة فقط بل يجب ان يوضع حد لهذه المسألة حتى لا تتكرر مرة اخرى فى أى دولة من دول العالم الإسلامى وليعلم الجميع ان الله تعالى كتب النصر لمن ينصره قال تعالى فى كتابه العزيز". ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز"وقال صلى الله عليه وسلم فى الحديث الشريف "مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمي" فعلى الجميع ان يهب لنصرة اخواننا المستضعفين فى بورما متمسكين ومتخذين أسباب النصر حتى نستحق نصر الله". وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم".
واجب النصرة
وفى سياق متصل اكد الدكتور عبدالفتاح ادريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر ان نصرة هؤلاء الضعفاء واجبة لأن نصرة المسلم فرض، ولهذا فان الجهاد فى حق المستضعفين فى بورما فرض عين على المسلمين الذين يجاورونهم، فإذا لم تكن لهم الاستطاعة لرد العدوان انتقلت فرضية الجهاد فى حقهم الى من يليهم من بلاد المسلمين، وهكذا حتى تستنفر الامة كلها للدفاع عنهم وصد العدوان عليهم.
واوضح ان الجهاد ليس هو إعداد العتاد الحربى لمجابهة المعتدين على هؤلاء المستضعفين، وإنما ينبغى مخاطبة الجهات المعنية فى العالم المتحضر التى تدافع عن حقوق الانسان والحريات والمواثيق الدولية للمطالبة بحق الاستقلال الذاتى وتقرير المصير لأصحاب العرقيات والأقليات المختلفة فى العالم، وذلك لان القوة الغاشمة لا ترعى ذمة ولا دينا ولا أخلاقا ولا إنسانية ولا يردعها رادع إلا رادع اقوى منها عن طريق القوات الدولية التى ترسلها الأمم المتحدة لرفع الظلم عن هذه الأقليات المضطهدة، خاصة أنهم فى نظر العالم أتباع لدولة معينة لا تقبل من جارة او غيرها ان تتدخل فى شأنها الداخلي، ولتكن الأمم المتحدة هى التى تحسم هذه القضية وتقرر حق مصير هؤلاء المستضعفين واستقلالهم فى بلدهم الذى يسامون فيه سوء العذاب والتجويع، وهذا لا يتأتى من المسلمين الذين يجاورونهم بإعداد القوة لأنه يعد تدخلا فى شئون دولة لها سيادتها واستقلالها.
وطالب وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية بعدم إغفال وتناسى مثل هذه القضايا التى تحدث منذ زمن سحيق، وفضح تلك الممارسات القمعية والوحشية ضد الأقليات فى بورما وغيرها من الدول، وان تكون هناك متابعة شبه آنية مما يساعد على سرعة التعرف على مشكلات واحتياجات هؤلاء المضطهدين وتلبيتها اولا باول.
الاعتصام بالله
ومن جانبه يوضح الدكتور طه أبوكريشة نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق انه واجب على الامة الاسلامية ان تكون دائما مستعدة لمواجهة الأعداء والأزمات امتثالا لقول الله تعالي "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم."، ولذلك على أفراد الأمة الإسلامية ان يتسلحوا بكل وسائل التسلح الحديث الذى من أهدافه رفع شأن الأمة، وتمكينها من الدفاع وصد العدوان عن نفسها، ولا يقتصر معنى التسلح على التسليح والمعدات الحربية فقط بل يمتد ليشمل كل مناحى ومجالات الحياة سواء كان فى العلم والتكنولوجيا والاعلام او السياسة او الاقتصاد وفى كل ما من شأنه ان يحقق للامة رفعتها وعزتها وردع كل من تسول له نفسه ان يمس احد أفرادها بسوء، وعلى هذا فإن حققت الأمة ذلك فإنها تستطيع فى اى وقت إذا صرخ مستغيث بها وقال "وإسلاماه" هبت الأمة كلها بما لديها من قوة لإغاثته ونصرته فى اى مكان وجد هذا الشخص.
واشار الى أن الواقع الحالى للأمة يقول غير ذلك، لذا فإن أحداث مشكلة مسلمى بورما وغيرها من المشكلات التى تحيق بالأمة سوف نراها تتكرر وتحدث وذلك بسبب ما نحن فيه من هوان وضعف مادى واقتصادى وخصام وتفرق وتشرذم مما يغرى الكثير بالتطاول على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم برسوم مسيئة تارة، وتارة بالهجوم والتنكيل والتشريد والتهجير للأقليات المسلمة بالشكل الذى نراه الآن، ولا سبيل إلى أن تعود الأمة الى ما كانت عليه فى السابق والاعتصام بحبل الله والتمسك بكتابه وهدى نبيه صلى الله عليه وسلم متخذين اسباب النصر قال تعالي "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا".
المصدر : الإهرام اليومي