وكالة أنباء أراكان ANA : (المشرق)
تغيّر المشهد السياسي في ميانمار ( بورما سابقا) بعد فوز المعارضة بغالبية مقاعد البرلمان في أول انتخابات تشريعية تعددية منذ 25 عاماً من الحكم العسكري.
كانت انتخابات الثامن من نوفمبر الماضي حدثا مهما في تاريخ ميانمار المعاصر. أن إجراء انتخابات منظمة وسلمية في بلد لا خبرة له في العملية الديمقراطية الانتخابية، ويعاني من المشاكل السياسية العميقة والصراع المسلح الدائر في عدة مناطق من البلاد كان إنجازا كبيرا لجميع الأطراف السياسية والى البلد ككل.
سيكون على الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية التي فازت بالانتخابات الاخيرة الانتظار حتى نهاية مارس قبل أن تتولى السلطة، وعليها التخطيط جيدا استعدادا لمواجهة العديد من التحديات الجسام التي تنتظرها وتنتظر ميانمار. إن فوز ( الرابطة ) بحوالي 80% من أصوات الناخبين يعني حصولها على الاغلبية المطلقة في المجلس التشريعي بقسميه النواب والشيوخ، حتى إذا وضعنا بالاعتبار نسبة ال 25% المخصصة للقوات المسلحة. هذا يعني أن (الرابطة) ستحكم سيطرتها على العملية التشريعية وعلى اختيار الرئيس – إلا أن الدستور سيحرم زعيمة ( الرابطة) أونغ سان سو كيي من أن تكون رئيسة للبلاد.
فمن هي أونغ سان سو كيي؟
ولدت أونغ سان سو تشي في 19 يونيو 1945 بالعاصمة يانغون «رانغون». وتتزعم حالياً الرابطة الوطنية من اجل الديمقراطية في ميانمار. وهي ابنة أونغ سان الذي يوصف بأنه بطل استقلال ميانمار، الذي اغتيل عام 1945. وتدعو سو تشي، الحاصلة على جائزة نوبل عام 1991، للابتعاد عن العنف ببلد خاضع لحكومات عسكرية متعاقبة منذ 1962.توصف بسيدة يانغون، وتحظى بشعبية كبيرة في بلادها. كما تحظى بدعم غربي وأميركي على وجه الخصوص، وينظر إليها في الغرب كمانديلا أو غاندي. ورغم ما يصفها به أنصارها من كونها تتمتع بذكاء وشعبية وقوة إرادة، فإن معارضيها يأخذون عليها تعنتها الشديد، خاصة إثر دعوتها إلى فرض عقوبات دولية على بلدها وإلى مقاطعته سياحياً. تلقت تشي تعليمها بمدارس يانغون، ثم أكملت دراستها في الهند حيث كانت والدتها تشغل منصب سفيرة عام 1960. ثم واصلت دراستها بأوكسفورد حيث نالت درجة البكالوريوس في الفلسفة والسياسة والاقتصاد العام 1969. ثم نالت درجة الدكتوراه من جامعة لندن عام 1985.
وعملت محاضرا بمدرسة الدراسات الشرقية في لندن. تزوجت تشي من البريطاني مايكل أريس الأستاذ الجامعي الذي تخصّص في شؤون التبت والبوذية، وأنجبا طفلين هما ألكساندر وكيم. وعادت إلى بلادها في أبريل 1988 لتعتني بوالدتها المريضة. ألقت أول كلمة علنية لها في أغسطس 1988 طالبت فيها بتشكيل حكومة انتقالية لبلدها الخاضع للأحكام العرفية، مطالبة بإجراء انتخابات حرة، ثم بادرت ومعارضون آخرون بتأسيس حزب الرابطة الوطنية من اجل الديمقراطية. وحقّق حزبها في مايو 1990 فوزاً كبيرا بانتخابات تعددية، لكن الحكومة العسكرية رفضت الاعتراف بها. تمّ وضعها قيد الإقامة الجبرية من منتصف 1989 إلى منتصف 1995. ثم من العام 2000 مجدّداً فرضت عليها إقامة جبرية في منزلها على ضفاف بحيرة رانغون لمدة 19 شهراً. كما فرضت عليها إقامة جبرية للمرة الثالثة في مايو 2003 إثر هجوم دام على موكبها.
يمثل الفوز بالانتخابات الأخيرة تفويضا شعبيا واسعا لأونغ سان سو كيي، كما انه يأتي مصحوبا بتوقعات كبيرة من أن أونغ سان سو كيي ورابطتها ستحقق التغييرات السياسية والاقتصادية التي ينتظرها المنتخبون. الا ان تلبية تلك التوقعات لن تكون سهلة. أولا، على سو كي بناء علاقات جيدة مع القائد العام للقوات المسلحة مين أونغ هلاينغ. سيحتفظ الجيش بسلطة تنفيذية كبيرة، بتحكمه بوزارات الدفاع والشؤون الداخلية و شؤون الحدود. أن نجاح الحكومة الجديدة سيعتمد كثيرا على تعاون القوات المسلحة. ان تاريخ تلك العلاقة الذي شابته الشكوك المتبادلة لفترة طويلة من الزمن، يمكن أن يؤثر على أية انطلاقة جديدة لتلك العلاقة، خاصة إذا اختارت سو كيي رئيسا للبلاد لا يتحلى بالمصداقية والكاريزما المطلوبة لهذا المنصب. علاوة على ذلك فإن الرابطة تريد أن تثبت أنها قادرة على تلبية تطلعات الشعب من خلال إحداث تغييرات ملموسة في حياتهم. تستطيع الرابطة الاستفادة من الدعم المحلي والدولي الكبير، الا ان محدودية خبرتها في الحكم، وقلة ما لديها من التكنوقراط وصعوبة إصلاح المؤسسات الرئيسية ستكون عقبات كبيرة ستحد من قدرة الرابطة على الإيفاء بتلك الوعود. كما أنه قد يصعب على الحكومة الجديدة التركيز على أحداث تغييرات إيجابية، نظرا لمجموعة من المشاكل الكبيرة التي يواجهها البلد. على سبيل المثال استمرار الاشتباكات المسلحة في ولايتي شان وكاشين، يهدد بتقويض عملية السلام الهشة. ناهيك عن بوادر اضطرابات اقتصادية مع قلة الحيلة السياسية لاحتواء تلك الاضطرابات، علاوة على حرمان مسلمي الروهنغيا من المشاركة أو الترشح في الانتخابات لأن النظام الحاكم في ميانمار لا يعتبرهم مواطنين. ويجب ألا ننسى تحديات العلاقات الخارجية.
سوف تحتاج حكومة الرابطة لمهارات دبلوماسية بارعة لديمومة علاقاتها مع الغرب، مع الحفاظ على علاقات جيدة مع الصين التي قد تعتقد أن مصالحها في خطر. على الحكومة الجديدة أن تأخذ بنظر الاعتبار أن الكثيرين، خاصة من جيرانها، يعتبرونها موالية للغرب.
تداعيات الانتخابات في ميانمار:
ميانمار أو بورما ورسمياً جمهورية اتحاد ميانمار هي إحدى دول جنوب شرق آسيا.في الأول من أبريل عام 1937 انفصلت ميانمار عن حكومة الهند البريطانية نتيجة اقتراع بشأن بقائها تحت سيطرة مستعمرة الهند البريطانية أو استقلالها لتكون مستعمرة بريطانية منفصلة، حيث كانت إحدى ولايات الهند البريطانية التي تألفت من اتحاد عدة ولايات هي بورما وكارن وكابا وشان وكاشين وشن. في 1940 تكونت ميليشيا الرفاق الثلاثون جيش الاستقلال البورمي وهو قوة مسلحة معنية بطرد الاحتلال البريطاني، وقد نال قادة الميليشيات تدريباتهم في اليابان، وعادوا مع الغزو الياباني في 1941 مما جعل ميانمار بؤرة خطوط المواجهة في الحرب العالمية الثانية بين اليابان وبريطانيا، في يوليو 1945، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء أعادت بريطانيا ضمها كمستعمرة، حتى أن الصراع الداخلي بين البورميين أنفسهم كان ينقسم بين موال لبريطانيا وموال لليابان ومعارض لكلا التدخلين. وقد نالت استقلالها عام 1948 وانفصلت عن الاستعمار البريطاني. ويختلف سكان بورما من حيث التركيب العرقي واللغوي بسبب تعدد العناصر المكونة للدولة، ويتحدث أغلب سكانها اللغة البورمية ويطلق على هؤلاء (البورمان) وباقي السكان يتحدثون لغات متعددة، ومن بين الجماعات المتعددة جماعات الاركان، ويعيشون في القسم الجنوبي من مرتفعات، اركان بوما وجماعات الكاشين وينتشر الإسلام بين هذه الجماعات والعجيب في الأمر هو أن أكثر المسلمين الأركانيين ينحدرون من أصول عربية حيث يعود نسبهم إلى المسلمين في اليمن والجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق والقليل من أصول فارسية. ويوجد أيضاً عدد آخر ولكن أقل بقليل من أصول بنغلاديشية وهندية. وقد وصل هؤلاء المسلمين الى أركان وجارتها بنجلاديش بغرض التجارة ونشر الإسلام وهناك استقر الكثير منهم ونشروا تعاليم الدين السلامي الحنيف. هاجرت نسبة كبيرة من السكان إلى السعودية والامارات وباكستان وبنجلاديش بسبب القتل الجماعي والاضطهاد الذي واجهوه من قبل البوذيين والحكومة الميانمارية. ويواجهون اليوم الكثير من التحديات للعيش في مجتمعاتهم الجديدة. ومن أهم التحديات الحصول على حق التعليم والعلاج والعمل البسيط لهم ولأبنائهم ناهيك عن حق العيش في تلك الدول..
فازت الرابطة في المجلس التشريعي الوطني المؤلف من مجلسين بتسع وسبعين مقعدا، مما يعطيها أغلبية 59 في المائة – 60 في المائة في مجلس الشيوخ و 59 في المائة في مجلس النواب – مع الأخذ بنظر الاعتبار بمقاعد الجيش البالغة 25 في المائة. وهي نتيجة لم يتوقعها الكثيرون من ضمنهم أعضاء الرابطة أنفسهم. في حين حظي حزب الاتحاد والتضامن والتنمية الحاكم بـ 8 في المائة من المقاعد المنتخبة (6 في المائة في المجلسين ).
كان أداء الأحزاب العرقية سيئا. في عام 2010، على الرغم من أن الانتخابات لم تكن نزيهة، تمكنت تلك الأحزاب مجتمعة من الحصول على 15 في المائة من المقاعد ( وهي النسبة ذاتها التي حققوها في عام 1990). هذه المرة، فازت تلك الأحزاب ب 11 في المائة فقط. حزبان من تلك الأحزاب العرقية هما حزب أراكان الوطني ورابطة قوميات شان من أجل الديمقراطية حققتا بعض النجاح، الأول حصل على 22 مقعد في جمعية ولاية راخين، والثاني حصل على 15 مقعدا. حصلت بقية الأحزاب على مقاعد قليلة أو خرجت خالية الوفاض. لم يحصل حزبا الكارين و الكايا على أي مقعد في حين حصل حزبا المون والكاشين على مقعد واحد لكل منهما. وينطبق الحال على الأحزاب القومية. بعيدا عن حزب الوحدة الوطنية، الذي كان مطية النظام الاشتراكي قبل عام 1988، والذي حصل على مقعد واحد في المناطق الشمالية النائية في ولاية كاتشين، فشل الحزبان القوميان الأخران هذه المرة. وكذلك فشل حزب التنمية البوذي المتطرف، الذي قدم رابع أكبر عدد من المرشحين، وكذلك الحال مع حزب مزارعي ميانمار للتنمية، الذي اعتمد أيضا الخط القومي.