إنه طفلها الثاني .. خرجت به تدفنه بيديها في هدأة السَّحَر وظلمته .. في نفس الوقت الذي يتحلّق فيه أفراد الأسر حول موائد السحور في البلاد الغنية المتخمة .. لماذا لا يلتفتون إلى إخوة لهم مسلمين جوعى لا يجدون ما يفطرون عليه أو يتسحّرون به لصيامهم؟!
رمضان يخجل !
صامت يومين حتى الآن وقاومت الجوع والعطش .. هل تنجح في الصمود والصبر على فقد أطفالها واحداً بعد آخر؟ كانوا صائمين مثلها أياماً وليالي كالحة قبل أن ينهاروا ويستسلموا للموت البطيء في غرّة الشهر الكريم ..
بيوت المسلمين خالية من كل ما هو صالح للاستهلاك البشري .. نهبها البوذيون وأحرقوها قبل أسبوعين خلال المجازر الوحشية والإبادة الجماعية وحملات التطهير العرقي التي نفذوها بطريقة ممنهجة غاية في البشاعة والوحشية .
صحيح أنها توقفت الآن إلى حد ما ، وهدأت الأمور قليلاً بعد الحراك الإعلامي الذي شهده العالم خلال الأيام الماضية ؛ ولكن الاعتقالات التعسفية مازالت مستمرة ، وسياسة التجويع ماضية على قدم وساق .. دكاكين البوذيين لا ترحب بزبائنها الروهنجيين ، وأخبار القتل والاغتصاب لم تنقطع ..
بالأمس اقتحموا عليها كوخها ، وانتزعوا من بين يديها جارتها التي كانت تختبئ عندها .. ركلها أحد الجنود على صدرها بقدمه .. أسقطها أرضاً لا حراك بها .. تتألم وتعاني في صمت ، وغادروا بالجارة وساقوها إلى مصير مجهول ..
حمدت ربها في سرها .. أنهم تركوها ولم يهتكوا عرضها .. أو عرض جارتها أمام ناظريها .. كما هو المعتاد في مثل هذه الحالات ..
قبل ذلك بساعات ساقوا زوج جارتها عنوة إلى المعتقل .. هزئوا به وسخروا منه كثيراً وحرقوا لحيته حين عرفوا أنه كان إماماً للمسجد الذي وضعوا القفل على بابه ومنعوا من الصلاة فيه .. طلبوا إليه أن يصدر للناس فتوى باسمه بعدم وجوب الصيام وعدم مشروعية صلاة التراويح .. أتوه بورقة مكتوبة عرضوها عليه أمامه .. قرأ عليها نص الفتوى بلغة عربية صحيحة لا تشوبها شائبة عُجمة .. ما عليه إلا أن يذيلها باسمه ويضع توقيعه عليها ؛ ليفك رقبته منهم ويخلص نفسه من هذا العذاب ؛ ولكنه أبى وامتنع بشدة .. لم يستجب لإلحاحهم ولكل توسلاتهم وتهديداتهم ..
تساءل في نفسه بصوت داخلي مقموع خشي أن يفضحه :
– من أين لهم هذه الفتوى الجاهزة مكتوبةً بلغة عربية سليمة؟ من هذا الخائن الذي تطوع لهم بكتابتها بثمن بخس؟
نكّلوا به وساموه سوء العذاب .. طال عليهم أمد التعذيب حتى سئموا وملوا .. صاح أحدهم فجأة :
– أنا أعرف كيف أجعله يخضع ويستجيب ، ويضع توقيعه على الفتوى بلا تردد .. فقط اسمحوا لي دقائق آتكم بزوجته هنا !!!
– هل يتركونها حية بعد اغتصابها أمام زوجها؟ هل يتركونه حياً بعد قتلها أمامه؟ هل يسلموننا الجثث سليمة دون تمثيل وتشويه كالعادة؟
كانت تناجي نفسها بحيرة وذهول ، وتتناوشها الأسئلة الدموية الحمراء وهي جالسة على باب الكوخ تنتظر مرور أحد من الرجال ينوب عنها في دفن طفلها الثاني .. لليوم الثاني على التوالي ! طال انتظارها ولم يأت أحد .. كيف والخارج من كوخه مقتول؟
تشجّعت وخرجت وحدها تدفن فقيدها الصغير تحت حجاب هذا الليل الساتر .. لا تكاد تقوى على الوقوف بقدميها .. مازال ظهرها يؤلمها من حين ركلها الجندي البوذي على صدرها بقدمه .. لا تكاد تقوى على الخطو بقدميها .. مازال جوعها يفري بطنها كل لحظة وكل ثانية .. أنهكها وأضعف قواها وإن بقيت لها بقية ..
تركتُها تصارع الموت في الغابة وحدها .. فوق قبر وليدها .. وولّيتها ظهري ومضيت .. أحبس دمعة سقطت على حين غفلة .. لم أقو على متابعة المزيد .. أي بؤس وأي خزي وأي عار وأي خذلان يا أمة المليار؟ تركتها ومضيت كما يفعل المليار ..
الحقيقة أني تخليت عنها ، وخجلت أن أحل ضيفاً على مسلمين ضعافٍ جياعٍ هزلى .. لم تبق منهم إلا أشباحهم في البلاد المسلمة "أراكان" ؛ بينما الناس في البلاد الأخرى يفرحون بي ، ويحتفون بمقدمي ، ويتسابقون لاستقبالي مرحّبين :
– أهلاً بك رمضان !!!
ا/ إبراهيم حافظ
المصدر/ لجينيات
صامت يومين حتى الآن وقاومت الجوع والعطش .. هل تنجح في الصمود والصبر على فقد أطفالها واحداً بعد آخر؟ كانوا صائمين مثلها أياماً وليالي كالحة قبل أن ينهاروا ويستسلموا للموت البطيء في غرّة الشهر الكريم ..
بيوت المسلمين خالية من كل ما هو صالح للاستهلاك البشري .. نهبها البوذيون وأحرقوها قبل أسبوعين خلال المجازر الوحشية والإبادة الجماعية وحملات التطهير العرقي التي نفذوها بطريقة ممنهجة غاية في البشاعة والوحشية .
صحيح أنها توقفت الآن إلى حد ما ، وهدأت الأمور قليلاً بعد الحراك الإعلامي الذي شهده العالم خلال الأيام الماضية ؛ ولكن الاعتقالات التعسفية مازالت مستمرة ، وسياسة التجويع ماضية على قدم وساق .. دكاكين البوذيين لا ترحب بزبائنها الروهنجيين ، وأخبار القتل والاغتصاب لم تنقطع ..
بالأمس اقتحموا عليها كوخها ، وانتزعوا من بين يديها جارتها التي كانت تختبئ عندها .. ركلها أحد الجنود على صدرها بقدمه .. أسقطها أرضاً لا حراك بها .. تتألم وتعاني في صمت ، وغادروا بالجارة وساقوها إلى مصير مجهول ..
حمدت ربها في سرها .. أنهم تركوها ولم يهتكوا عرضها .. أو عرض جارتها أمام ناظريها .. كما هو المعتاد في مثل هذه الحالات ..
قبل ذلك بساعات ساقوا زوج جارتها عنوة إلى المعتقل .. هزئوا به وسخروا منه كثيراً وحرقوا لحيته حين عرفوا أنه كان إماماً للمسجد الذي وضعوا القفل على بابه ومنعوا من الصلاة فيه .. طلبوا إليه أن يصدر للناس فتوى باسمه بعدم وجوب الصيام وعدم مشروعية صلاة التراويح .. أتوه بورقة مكتوبة عرضوها عليه أمامه .. قرأ عليها نص الفتوى بلغة عربية صحيحة لا تشوبها شائبة عُجمة .. ما عليه إلا أن يذيلها باسمه ويضع توقيعه عليها ؛ ليفك رقبته منهم ويخلص نفسه من هذا العذاب ؛ ولكنه أبى وامتنع بشدة .. لم يستجب لإلحاحهم ولكل توسلاتهم وتهديداتهم ..
تساءل في نفسه بصوت داخلي مقموع خشي أن يفضحه :
– من أين لهم هذه الفتوى الجاهزة مكتوبةً بلغة عربية سليمة؟ من هذا الخائن الذي تطوع لهم بكتابتها بثمن بخس؟
نكّلوا به وساموه سوء العذاب .. طال عليهم أمد التعذيب حتى سئموا وملوا .. صاح أحدهم فجأة :
– أنا أعرف كيف أجعله يخضع ويستجيب ، ويضع توقيعه على الفتوى بلا تردد .. فقط اسمحوا لي دقائق آتكم بزوجته هنا !!!
– هل يتركونها حية بعد اغتصابها أمام زوجها؟ هل يتركونه حياً بعد قتلها أمامه؟ هل يسلموننا الجثث سليمة دون تمثيل وتشويه كالعادة؟
كانت تناجي نفسها بحيرة وذهول ، وتتناوشها الأسئلة الدموية الحمراء وهي جالسة على باب الكوخ تنتظر مرور أحد من الرجال ينوب عنها في دفن طفلها الثاني .. لليوم الثاني على التوالي ! طال انتظارها ولم يأت أحد .. كيف والخارج من كوخه مقتول؟
تشجّعت وخرجت وحدها تدفن فقيدها الصغير تحت حجاب هذا الليل الساتر .. لا تكاد تقوى على الوقوف بقدميها .. مازال ظهرها يؤلمها من حين ركلها الجندي البوذي على صدرها بقدمه .. لا تكاد تقوى على الخطو بقدميها .. مازال جوعها يفري بطنها كل لحظة وكل ثانية .. أنهكها وأضعف قواها وإن بقيت لها بقية ..
تركتُها تصارع الموت في الغابة وحدها .. فوق قبر وليدها .. وولّيتها ظهري ومضيت .. أحبس دمعة سقطت على حين غفلة .. لم أقو على متابعة المزيد .. أي بؤس وأي خزي وأي عار وأي خذلان يا أمة المليار؟ تركتها ومضيت كما يفعل المليار ..
الحقيقة أني تخليت عنها ، وخجلت أن أحل ضيفاً على مسلمين ضعافٍ جياعٍ هزلى .. لم تبق منهم إلا أشباحهم في البلاد المسلمة "أراكان" ؛ بينما الناس في البلاد الأخرى يفرحون بي ، ويحتفون بمقدمي ، ويتسابقون لاستقبالي مرحّبين :
– أهلاً بك رمضان !!!
ا/ إبراهيم حافظ
المصدر/ لجينيات
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://arakanna.com/wp_arakanna/2675/