وكالة أنباء أراكان ANA | القبس
عندما تتحدث حول السجناء من الروهنغيا الميانماريين المسلمين، الذين تنتمي إليهم، تتغير تعابير وجهها الجميل وتغطي عينيها غمامة داكنة، وتزداد على سمتها علامات الاصرار، ويبدأ صوتها في الارتفاع، وتقول إن «الحكومة الآن تحرمنا حتى من الوجود».
وتعد واي واي نو رمزاً حياً لأقلية الروهنغيا التي تعاني من التمييز والاضطهاد، وهي تؤمن أن السبيل الوحيد هو إقناع حكومة بلدها، التي تم انتخابها حديثاً أن تلم شمل كل الأقليات الاثنية ضمن العملية الديموقراطية من خلال تنظيمهم وتشجيعهم على المشاركة.
كما تقول إنها مستعدة لتكريس حياتها مثل الراهبة بعيدة عن كل ارتباطات سوى التركيز على قضية إنهاء الكارثة التي تحيط بواحدة من أكثر الجماعات تعرضاً للتمييز والاضطهاد في العالم، وتحرير أكثر من مئتي ألف شخص مهجرين من مناطقهم يعيشون في مخيمات وأحياء عشوائية تحيطها نقاط تفتيش الشرطة في ولاية أراكان.
وقد عانت هذه المرأة الشابة من تصرفات القوميين، وعدم المساواة، والظلم كثير في حياتها، فالنظام العسكري في ميانمار يرى أن واي واي لا تستحق الحرية لأنها ابنة سياسي من أقلية الروهنغيا.
وبسبب تلك الجريمة وحدها قضت فترة شبابها من سن الثامنة عشرة إلى الخامسة والعشرين في سجن انسين السيء الصيت في رانجون، فعندما أصدرت محكمة في رانجون على والدها، عضو البرلمان المنتخب السابق كياو منيم بالسجن لفترة 47 عاما، كانت واي واي عندها طالبة في السنة الأولى في كلية الحقوق. وبعد ذلك بشهرين أدينت هي ووالدتها، وشقيقتها وشقيقها، كل منهم، بالسجن لمدة 17 عاما. وتقول واي واي «استطعت تحمل الطعام، وكل ظروف السجن الذي كنا به ولكن لم أستطع تحمل عدم إكمال تعليمي».
العدالة والحقوق
وعلى الأقل لم تكن وحيدة، فقد كانت تتبادل الحديث مع السجينات الأخريات المراهقات. وبعض زميلاتها السجينات كن يشعرن باليأس والعجز وقد لجأن إلى إدمان المخدرات وممارسة الدعارة. وفي ذلك الوقت قررت واي واي العمل في مجال الدفاع عن حقوق المرأة. وتنظيم النساء في ميانمار للعمل من أجل تحقيق العدالة. وبعد مضي ثماني سنوات من السجن قامت واي واي وشبكة أراكان النسوية للسلام التي ترأسها بتدريب أكثر من خمس مئة من الطلاب معظمهم من الإناث على فهم المعنى الحقيقي لبعض الكلمات مثل «العدالة» و«حقوق الإنسان».
التمسك بالأمل
وعندما زارت واي واي، ووالدها مخيماً للمهجرين الروهنغيا قبل أشهر قليلة ماضية، شهدت آلاف المراهقين والمراهقات يعيشون في وضع يثير اليأس. وقد أبلغتهم بما تمكنت القيام به بعد تحررها وإطلاق سراحها، وأن يتمسكوا بالأمل استعداداً للحرية التي سيحظون بها. والآن نجد أن بعض أصدقاء واي واي في موقع فيسبوك يصفونها بـ«أميرة الروهنغيا»، غير أن هذا اللقب لم يعجبها، فهي تتميز بصرامة الجندي في أرض المعركة وتكرس نفسها تماماً من أجل نضالها وتقول «إنني لست أميرة ولا أعرف كيف يمكن تحرير الأقليات الآن، لكنني أعرف أمراً واحداً الا وهو أن ذلك هو حلمي، أنني أود أن أكون إنسانة جيدة تجلب العدالة للآخرين».
وأثناء فترة السجن أعجبت واي واي باثنين من السياسيين أحدهما أشهر امرأة ميانماريو أونغ سان سوكي، السياسية المعارضة التي كانت تعيش تحت الاعتقال المنزلي في رانجون في ذلك الوقت، والسياسي الأميركي السيناتور حينها باراك أوباما. وقالت: «كنت أعتقد أنه إذا ما فاز أوباما في الانتخابات، فإنه لن يغيّر الولايات المتحدة فقط، بل العالم بأسره».
وفي العام الماضي سنحت للمعارضة الميانمارية الشابة فرصة لتناول العشاء مع الرئيس الأميركي في البيت الأبيض، والقيام شخصياً بطرح قضية بلدها في أميركا، وتبتسم واي واي عند تذكر ذلك «لقد كنت الشخص الأجنبي الوحيد حول الطاولة وبقية الضيوف الثمانية الآخرين كانوا من الشباب الأميركيين، ولقد أعجبت كثيراً بما حدث لأنه بدلاً من جعلي أقوم بتقديم نفسي، روى الرئيس لكل الحاضرين حكايتي».
لكنها توقفت قليلاً وقالت «قد كنت سأصيب الرئيس بخيبة أمل بقولي ان سياسته تجاه ميانمار ليست ناجحة، طالما اننا نشهد استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في جميع أرجاء البلاد، وبصفة خاصة الفظائع التي ترتكب في ولاية أراكان».
قوة وشجاعة الشابات
ومن الصباح الباكر وإلى ساعة متأخرة من الليل تعمل واي واي نو سبعة أيام في الأسبوع في حل الخلافات بين الناشطين الشباب، وهي تعتمد في ذلك بصفة خاصة على قوة وشجاعة الشابات أمثالها. وهي تقدم في التاسعة صباحاً دروساً في اللغة الإنكليزية لمجموعة من عشر طلاب في مكتبها، وبعد تلك الدروس الصباحية تذهب للمشاركة في ندوة للنقاش خاصة بالنشطاء الروهنغيا. وقالت في مشاركتها في تلك الندوة «يجب علينا عدم الشعور بالرضا، بل علينا إشراك المزيد من النساء في عملية السلام».
ومطالبة الحكومة بالوفاء بتعهداتها الدولية، وصياغة آليات لوقف الانتهاكات في حق المرأة، ووضع خطة خاصة بتولي المرأة نسبة ثلاثين في المئة من الوظائف في الدولة».
والمتحدثة الأخرى في تلك الندوة حول تطوير استراتيجيات لتعزيز حقوق المرأة في ميانمار كانت قائدة أخرى جميلة ذات ذهن وقاد وهي ثينزار شون لي يي البالغة من العمر 24 عاماً، وقد ركزت على الحاجة الى ادخال اصلاحات تشريعية وإدارية وكما هو الحال بالنسبة للعديد من الشابات الناشطات في ميانمار اليوم فان ثينزار وواي واي نو ترغبان أن تكونا شجاعتين وصلبتين مثل أونغ سان سوكي، وربما أن يخلفاها ذات يوم.
ويقول ديفيد ماثيسون الباحث في شؤون ميانمار في قسم آسيا لمراقبة حقوق الإنسان ان «نساء ميانمار المدافعات عن الحقوق المدنية وحقوق الإنسان يقدن حركة قوية، وتعد واي واي من بين الأذكى بينهن، وهي ستكون سياسية جيدة».
لقد عانت أقلية الروهنغيا المسلمة من سنوات من التمييز من قبل القوميين الميانماريين، وقد تم إرغام 140 ألف منهم على الأقل للعيش في مخيمات مؤقتة في عام 2012 عندما اندلع نزاع اثني اتسم بالعنف فيما بين المسلمين، والأغلبية البوذية في ولاية أراكان، ويقول ماثيسون «القول بأن المهجرين الروهنغيا يعيشون في معسكرات اعتقال قول ليس دقيق، نعم إنهم لا يستطيعون الخروج والذهاب بحرية الى المستشفى، وعند حدوث حالة صحية طارئة، على سبيل المثال، فإنهم يحتاجون إلى مرافق رسمي للذهاب إلى المستشفى».
وتدرك واي واي أن قدوتها أونغ سان سوكي، المرأة التي ستتولى السلطة حالياً، تحمل عبء إدخال الإصلاحات، والنزاعات الاثنية، وارث الحكم العسكري، وأزمة معسكرات الروهنغيا المهجرين ومشكلات كبرى أخرى عليها معالجتها، ولكنها ما زالت تعتقد بأنها ستفعل الكثير وقريباً بالنسبة للروهنغيا، وهنالك مفارقة تبدو من حقيقة أن واي واي التقت أوباما ولكنها لم تلتق بطلتها الأخرى. وإذا تمكنت واي واي ذات يوم لقاء أونغ سان سوكي ذات يوم. ماذا ستقول لها؟ ترد واي واي قائلة «أعتقد إنني سأقول لها إن رؤيتها الخاصة بأن انتقال بلدنا إلى الديموقراطية سوف ينجح فقط عندما تتوافر لكل شخص فرصة المشاركة في العملية الديموقراطية ويجب أن يجد كل فرد الفرصة لكي يكون جزءاً من العملية، وإنه يجب أن يكون للروهنغيا حقوق متساوية. إنها قد تكون تعرف ذلك مسبقاً إلا أنني أود أن أذكرها».