وكالة أنباء أراكان ANA | موقع بوسعادة أنفو
رغم عمق أزمة الروهنغيا فإنها ظلت منسية عشرات السنوات حتى من الدول الإسلامية
– وسائل التواصل الاجتماعي كان لها دور مهم في نشر القضية خاصة منذ عام 2012م
– هناك 145 عرقية في ميانمار كلها بوذية ما عدا 10 عرقيات تقريباً
– الروهنغيا يأملون من تركيا رفع قضيتهم ومناقشتها في مجلس الأمن للخروج بقرارات إلزامية
أرسلت ماليزيا مؤخراً سفينة تحمل مساعدات لإغاثة أقلية الروهنغيا في ولاية أراكان التي تقع غرب ميانمار (بورما سابقاً) على خليج البنغال؛ حيث أوردت التقارير الميدانية أن هذه المساعدات تم تسليمها للسلطات الميانمارية التي لم تسمح لمن كانوا على متن السفينة بمباشرة توزيع تلك المعونات على مستحقيها الذين يعيشون داخل أراكان في معاناة وكرب شديدين بعد أن هجّرتهم السلطات والعصابات البوذية قسراً من منازلهم وقراهم، فلجؤوا إلى مخيمات تفتقد إلى أبجديات مقومات الحياة من دواء وغذاء وتعليم ورعاية.
بدأت فصول معاناة مسلمي الروهنغيا منذ عام 1784م؛ وذلك باحتلال بورما لمملكة أراكان، والتي ظلت مملكة، بل بوابة إسلامية من جهة شرق العالم لثلاثة قرون ونصف قرن، بحسب الوثائق التاريخية، وبحسب شواهد على أرض الواقع، من عمارة إسلامية كمساجد ومدارس وقلاع، ومسكوكات كتب عليها أسماء بعض الصحابة الكرام – رضوان الله عليهم أجمعين – إضافة إلى الثقافة الإسلامية المتجذرة في أهلها، والذين يدينون جميعاً بالدين الإسلامي، بل بالمذهب السُّني، بل كان لهم الفضل بعد الله تعالى في نشر الإسلام في بورما والدول المجاورة لها، مثل فيتنام وكمبوديا وتايلاند.
القضية المنسية
بالرغم من عمق تاريخ هذه الأمة (الروهنغيا)، وطول مدة وقوع اعتداءات وظلم واضطهاد عليها؛ فإن تلك القضية – للأسف الشديد – ظلت منسية لعشرات السنوات، حتى لدى الدول الإسلامية الكبرى؛ رغم ما تتعرض له تلك الأقلية من عمليات الاتجار بالبشر، وبيع الأعضاء، وحرق قرى بأكملها، إضافة إلى القتل العام والاعتقالات والاغتصابات بعيداً عن أنظار العالم، بل تشريد مئات الآلاف منهم إلى عدد كبير من دول العالم، وفي مقدمتها دولة بنجلاديش المجاورة لأراكان، مع ممارسة جنرالات ميانمار وجنودها لسياسة المحو والاستئصال بإبادة الجنس وتحديد النسل، والاضطهاد الممنهج، ووقوع انتهاكات صارخة – لا يتصورها إنسان – تصل إلى مستوى الإبادة الجماعية، بحسب تقديرات منظمات وجمعيات دولية معنية بأوضاع حقوق الأقليات خاصة، وحقوق الإنسان عامة، مع فرض أحكام عرفية ضد تلك العرقية فقط تتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان ومواثيقها، والتي تعد البشر كلهم متساوين في الكرامة ونيل الحقوق الثابتة، بل تعد ذلك هيئة الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان ركيزة أساسية للحرية والعدل وتحقيق السلام في العالم.
ومنذ عام 2012م، ومع بدء مرحلة جديدة من مأساة هذه الأقلية؛ تعرف كثير من الناس على أخبارها، وذلك بسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي سهّلت الحصول على الأخبار والمعلومات، وانبرت جهات ومنظمات ودول لاستنكار ما يحصل ضد الروهنغيا، وأطلقت النداءات والمطالبات بإنصافهم وإعطائهم حقوقهم المشروعة، وعلى رأسها إعادة حق المواطنة في ميانمار؛ لكونهم عرقية أصيلة من عرقيات البلاد، ويصل عدد تلك العرقيات إلى 145 عرقية، كلها عرقيات بوذية عدا 10 عرقيات تقريباً، فبرز دور كبير لبعض الدول الإسلامية الكبرى في المنافحة والدفاع عن القضية، مثل: السعودية وقطر وتركيا وغيرها، وأثيرت القضية في اجتماعات منظمة التعاون الإسلامي، حتى كانت هناك عدة بيانات من تلك المنظمة تدين وتستنكر الاضطهاد الممارس ضد الروهنغيا، كما كان هناك إنشاء فريق الاتصال المعني بمسلمي الروهنغيا المسلمة، وإرسال عدد من الوفود إلى ميانمار؛ لتفقد أحوال مسلمي الروهنغيا، والنظر في آليات تقديم العون والمساعدة لهم، إلا أن تلك الجهود قوبلت من السلطات الميانمارية بالرفض والامتناع أو حتى بعدم التجاوب إلى المستوى المعقول والمقبول.
تركيا والدور المنشود
ومع استمرار مأساة هذه الأمة المسلمة المظلومة (الروهنغيا)، وتوسع معاناتها داخل أراكان أو حتى في بعض الدول التي لجؤوا إليها؛ يأتي الحديث عن دور بارز لبعض الدول التي لها ثقلها على مستوى العالم الإسلامي، أو حتى على المستوى الدولي في دعم قضية الروهنغيا، مثل دولة تركيا التي ترأس منظمة التعاون الإسلامي في دورتها الحالية، في ظل الإمكانات الكبيرة التي لديها على المستويين الإسلامي والعالمي؛ حيث إن المأمول منها كبير، فبالرغم من قيامها بدور جيد في دعم القضية الروهنغية على المستوى الإغاثي، وبالرغم من أنها لم تتوانَ في تقديم العون والمساعدة لهم، وزيارة عدد من مسؤوليها، وزيارة حرم الرئيس «أردوغان» إلى أراكان، والتي كانت المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه الزيارة منذ بدء معاناة هذا الشعب، ومشاهدة أولئك المسؤولين لمآسي الروهنغيا بأعينهم؛ وبالرغم من كل ذلك فإن الروهنغيا – مع تقديرهم لتلك المواقف الكبيرة – يعقدون آمالاً كبيرة على تركيا، وينتظرون منها أن تقوم بأدوار سياسية أكبر تتمثل في دعم موضوع رفع قضية الروهنغيا ومناقشتها في مجلس الأمن؛ للخروج بقرارات إلزامية ضد حكومة ميانمار لإرجاع حقوق هذه الأقلية المضطهدة منذ أكثر من 70 عاماً، وإجبار ميانمار على فتح حدودها للمنظمات الإنسانية؛ لتقديم خدماتها الإغاثية والصحية والتعلمية – وقد منعت تلك المنظمات بقرار جائر منذ منتصف عام 2013م – وإرسال قوات حفظ السلام لحماية هذه العرقية من الإبادة والانقراض من الوجود.
كما يأمل الشعب الروهنغي من تركيا تقديم الدعم والتعاون اللازم والكافي للمنظمات الحقوقية الدولية، التي تعتزم رفع قضية في محكمة الجنايات الدولية ضد مرتكبي الجرائم والإبادة الجماعية في أراكان؛ حيث تمتلك تلك المنظمات الحقوقية أدلة على تعرض الروهنغيا لإبادات جماعية قد تصل – بحسب بعض الروايات التاريخية – لأكثر من 20 عملية إبادة في خلال 70 عاماً، وبخاصة بعد وصول الحكم العسكري إلى السلطة عام 1962م، وفرض قبضة حديدية على ولاية أراكان لمنع العالم من التعرف والاطلاع على الأوضاع الحقيقية هناك.
كما يأمل الشعب الروهنغي من تركيا تخصيص اجتماع قمة بحضور رؤساء الدول الإسلامية، والتي هي دول أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي؛ لمناقشة قضية الروهنغيا باهتمام خاص، والخروج بقرارات تلزم جميع الدول المجتمعة بتخصيص صندوق لدعم الروهنغيا وتقديم مساعدات إنسانية لهم في أراكان وخارجها، وإنشاء “لجنة أراكان” على غرار “لجنة القدس” في منظمة التعاون الإسلامي، ومطالبة تلك الدول الأعضاء في المنظمة بالسماح للمنظمات الإنسانية بتقديم جميع أنواع العون والمساعدة الإنسانية للروهنغيين الذين لجؤوا إلى تلك الدول، ومنها بنجلاديش التي تؤوي أكثر من نصف مليون لاجئ روهنغي، مع حث تلك الدول على فتح مجال التحصيل العلمي، وبخاصة التعليم العالي للطلاب والطالبات الروهنغيين الذين يعيشون في تلك البلدان منذ عشرات السنين؛ حيث إن راية النضال لا بد أن تكون في أيدي أبناء هذه القضية وبناتها، بعد أن يتم تأهيلهم التأهيل اللازم للدفاع عن قضيتهم العادلة، والمنافحة عنها في دهاليز المنظمات الدولية.
لقد صنفت الأمم المتحدة هذه الأقلية أنها أكثر الأقليات اضطهاداً في العالم، لكن قضيتها ظلت الأكثر تجاهلاً من قبل حكومات العالم، وإن أبدت بعض وسائل الإعلام العالمية اهتماماً جيداً في الفترة الأخيرة بأحداث العنف الفظيعة التي تقع ضد الروهنغيا، وإظهار جزء من معاناة تلك الأقلية عبر الأخبار والتقارير والأفلام المصورة؛ ذلك أمر يبعث الأسى في نفوس أهلها الصابرين المرابطين.