وكالة أنباء أراكان ANA | مصر العربية
“بسلاح واحتواء إسرائيلي.. الأقلية المسلمة في ميانمار تباد بوحشية” كان هذا جزء من تقرير نشره موقع “walla” العبري، ولم يكن الوحيد، فكشف الإسرائيلي “جي إليستر” تفاصيل خطيرة عن التعاون بين إسرائيل والنظام العسكري الحاكم في ميانمار (بورما)، ليبقى السؤال لماذا تمد إسرائيل ميانمار السكين الذي يذبح المسلمين؟
من أجل الإجابة على هذا السؤال يجب الرجوع لمؤتمر “باندونغ” في إندونيسيا والذي وصف بمؤتمر الصدمة لإسرائيل، ففي 1953 دعت إندونيسيا لعقد مؤتمر لشعوب أفريقيا وآسيا بعدما أصبحوا كتلة تصويتية كبيرة في الأمم المتحدة، وكانت الدول العربية تعارض بكل قوة انضمام إسرائيل لهذا المؤتمر.
في هذا التوقيت كانت ميانمار ورئيس حكومتها أونو صاحبة أقوى علاقات مع إسرائيل فطالب في المشاورات والتحضيرات للمؤتمر بتوجيه الدعوة لإسرائيل بل أنه هدد بالانسحاب من المؤتمر، ولم يرد أونو أن يقف وحيدا في حربه لصالح إسرائيل فحاول استمالة جواهر لال نهرو رئيس حكومة الهند للوقوف بجانبه والذي طالب بدعوة إسرائيل شرط موافقة الدول العربية فكانت تجمعه علاقة طيبة بهم خاصة بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
وفي اللقاء التمهيدي 1954 لم توجه الدعوة لإسرائيل مقابل دعوة العرب للمشاركة، ومنها بدأ الثنائي دافيد هاكوهين مندوب إسرائيل في ميانمار وأونو رئيس الحكومة بالسعي لتوجيه الدعوة لإسرائيل لحضور مؤتمر مرحلة الإعداد في كولومبو.
عرقلة إدانة إسرائيل
خدمات أونو لم تتوقف عند هذا الحد بل وقف حجر عثرة أمام مشروع باكستاني في المؤتمر يتهم إسرائيل بالعنف الشديد وأيد نهرو اتجاه رئيس حكومة ميانمار بل ذهبت بورما لأكثر من ذلك بالمطالبة بألا يذكر اسم إسرائيل مرة أخرى واستحسنت إسرائيل عرقلة ميانمار والهند لمشروع باكستان الذي يدين إسرائيل.
ورغم المحاولات الميانمارية الهندية إلا أن حكومتي إندونيسيا وباكستان وقفتا ضد دعوة إسرائيل خشية انهيار المؤتمر بعد إعلان الدول العربية المقاطعة إذا حدث ذلك فخشيا تحمل المسؤولية وسقوط حكوماتهما، ولعبت إسرائيل على وتر عدم التعرض للقضية الفلسطينية ما دامت لم تدع للمؤتمر من خلال مندوبيها في الدول المدعوة.
سلميا
ولكن الضغط العربي بقيادة عبدالناصر حال دون نجاح المساعي الإسرائيلية، وفي مؤتمر باندونغ حاولت ميانمار التصدي لمشروع عربي بإعادة اللاجئين لأراضيهم وفشلت جهود أونو وصدر تقرير المؤتمر بمساندة اللاجئين الفلسطينيين ولكن ميانمار والهند ضغطتا لوضع كلمة سلمية كشرط لتسوية مشكلة فلسطين وأعلنت إسرائيل أسفها عن نتائج المؤتمر.
ويبدو أن إسرائيل لم تنس جميل ميانمار ففتحت مخازن أسلحتها لصالح الحكومة المتهمة بجرائم إبادة للمسلمين، وفي عام 1955، زار “أو نو” إسرائيل، وعقدت أول صفقة عسكرية بينهما تزويد ميانمار بـ 30 طائرة من طراز “سبتفاير”.
وبحسب Walla وصل “موشيه دايان” و”شمعون بيريز” في زيارة لميانمار، وبعد ثلاثة أعوام حل “ديفيد بن جوريون” أول رئيس وزراء إسرائيل ضيفا على “أو نو”.
مد بالأسلحة
في 1997 فازت شركة “إلبيت” الإسرائيلية للصناعات العسكرية بمناقصة لتحديث 36 طائرة مقاتلة تابعة للجيش الميانماري، الذي زودته تل أبيب أيضا بصواريخ إسرائيلية جو- جو.
في عام 2014 أصدر باحثون من جامعة هارفارد الأمريكية تقريرا أكد على ارتكاب قوات الأمن في بورما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد أبناء الأقلية المسلمة (الروهنغيا)، وكان من أبرز المتهمين، قائد الجيش الجنرال “مين أونغ هلينغ ” والجنرال “إيه مونغ”، اللذان زارا إسرائيل بعد عام واحد على التقرير، وتحديدا في 30 سبتمبر 2015، والتقيا الرئيس الإسرائيلي “رؤوفين ريفلين”، ورئيس الأركان “جادي إيزنكوت” وعدد من قادة المنظومة العسكرية في تل أبيب.
عرفان بالجميل وموطئ قدم
العميد حسين حمودة صاحب موسوعة إسرائيل في إفريقيا رأى أن علاقة إسرائيل بميانمار تنطلق من محورين الأول عرفان بالجميل لما قدمته ميانمار من دعم لتل أبيب قبيل مؤتمر باندونغ ولإعطاء رسالة للجميع بأن إسرائيل لا تنسى من وقفوا بجانبها.
المحور الثاني كما يوضح حمودة لـ”مصر العربية” هو سعي إسرائيل لتوطيد علاقتها بآسيا عقب مؤتمر الصدمة “باندونج”، فإسرائيل وجدت ثلثي سكان العالم مجتمعين ضدها بحشد من مصر ويوغسلافيا و الدول التي شكلت عدم الانحياز وكان لهم كتلة تصويتية كبيرة في الأمم المتحدة ومن حينها تحاول إيجاد موضع قدم لها في القارة.
وتابع:” منذ هذا التاريخ إسرائيل وضعت خطة لتقويض الوجود المصري وكتلة عدم الانحياز وتحاول اختراق الدول، وبدأت بخطة مع الهند التي كانت حليف كبير لمصر وتحولت لأكبر حليف مع إسرائيل عسكريا واقتصاديا”.
اتفاق على إبادة المسلمين
ميانمار وإن كانت ليست دولة كبيرة في رأي الخبير الاستراتيجي إلا موطئ قدم لإسرائيل يمكن أن تخفي فيها من تريد بجانب أنها تبيد الأقلية المسلمة، وهذا يلتقي مع مصلحة تل أبيب سياسيا وعقديا، فهي تشاركها العداء للمسلمين، وتراهم الأخطر عليها، لذلك لا تبخل عليهم بالأسلحة التي تساهم في قتل المسلمين.
وذكر الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في الشؤون الإسرائيلية أن الدور الإسرائيلي في ميامار قديم وتاريخي فعقدت معهم إسرائيل العديد من صفقات السلاح ودعم بعض الثوار في المناطق المجاورة من خلال بورما.
واعتبر فهمي في حديثه لـ”مصر العربية” دعم إسرائيل لميانمار بالسلاح بأنه ليس جديدا، فإسرائيل تعتبر نفسها مستودع سلاح من وإلى مناطق التماس الإسرائيلي في آسيا، فتل أبيب اعتمدت على علاقات هيكلية بينها وبين هذه الدول.
مواقف ميانمار الداعمة
وأردف أن مواقف ميانمار في الأمم المتحدة كلها مؤيدة لإسرائيل سواء في دعمها في عمليات التصويت في الأمم المتحدة وخارجها، ولذلك الموقف السياسي لإسرائيل مؤيد لميانمار في كل ما تفعل.
وعن سبب الصمت الدولي عن إبادة المسلمين في ميانمار رأى فهمي أن كثيرا من الدول تنظر بارتياب لمناطق نفوذ إسرائيل خاصة أن ميانمار تجمعها بإسرائيل علاقات تاريخية ومن المناطق الاستراتيجية لتل أبيب في الوقت الذي لا تعرف فيه كثير من الدول العربية أين تقع ميانمار ولا تعنيها في شيء، بحد تعبيره.