وكالة أنباء أراكان ANA | الأناضول
منذ ست سنوات، لم تعد “ما نو” وعائلتها إلى منزلهم في ولاية كاتشين، شمالي ميانمار، نظراً لاحتدام القتال بين القوات الحكومية ومتمردي أقلية كاتشين.
فقد عاد القتال بين الجانبين، عام 2011، بعد 17 عاماً من وقف إطلاق النار، الذي وقع عليه المجلس العسكري الميانماري السابق وجيش استقلال كاتشين (KIA)، عام 1994.
أسفر ذلك عن نزوح عشرات الآلاف من منازلهم، ولجوئهم إلى أكثر من 70 مخيماً مؤقتاً في الولاية، تلك المعاناة التي وصفت “ما نو” (42 عاماً)، استمرارها بـ”المخيب للآمال”، فقد كانت واحدة من أولئك النازحين الذين علقوا الكثير من الآمال على “أونغ سان سو كيي”، الحائزة على نوبل للسلام، التي وصلت إلى السلطة عام 2015.
وفي حديث مع الأناضول، قالت “ما نو”: “عندما وصلت سو كيي للسلطة، كنا نأمل بأن تنهي حكومتها الحرب وتعيدنا إلى منازلنا”، مضيفةً: “لا أدري لماذا يستمر القتال (في كاتشين)، أعتقد أن التاتماداو (القوات المسلحة الميانمارية) لا تستمع لها”.
وبالرغم من تراجع الجيش عن قبضته المطلقة على البلاد، وسماحه بإجراء انتخابات وتشكيل حكومة شبه مدنية، إلا أن الأوضاع في مناطق الاضطرابات لم تتحسن، بل شهدت تفاقماً في الأشهر الأخيرة، الأمر الذي حملت جهات مقربة من الجيش مسؤوليته للمتمردين، بدعوى تزايد نشاطهم في التوسع وإنشاء قواعد عسكرية وتجنيد المزيد من العناصر، وغيرها من التهم.
وقد أشارت إلى ذلك مؤسسة “ثاينينغا” للدراسات الاستراتيجية، التي تدعم الرواية العسكرية، مضيفةً في رسالة خصت بها الأناضول، الجمعة: “إن على كل المجموعات المسلحة إلقاء السلاح واتخاذ خطوات شجاعة نحو الطاولة”، وذلك على اعتبار أن البلاد قد تحولت إلى الحكم المدني، ولم يعد للمتمردين حجة بالإبقاء على أسلحتهم.
في المقابل، فبالرغم من تسلم قيادة مدنية دفة الحكومة، إلا أن الدستور الذي سطره العسكر عام 2011، أبقى لهم حق الاحتفاظ بربع مقاعد البرلمان، وبالتالي القدرة على تعطيل أي قرارات تشريعية، بالإضافة إلى ضمان ثلاث حقائب وزارية للجيش.
علاوة على ذلك، فإن كثيرين يعتقدون أن “سو كيي” تفتقد للسيطرة على الجيش، بل إن “مين زين”، مدير معهد الاستراتيجية والسياسة الميانماري، أشار في حديث للأناضول أن الجيش كان يعد بالتخفيف من قبضته بعد خمس أو عشر سنوات، إلا أنه اليوم لا يتحدث عن ذلك مطلقاً.
ونبه “زين” إلى أن الجيش اليوم يظهر رغبة أكبر للحفاظ على دوره في السلطة، ويتحدث عن “تدهور الأمور” بدونه، واصفاً ممارسات الجيش بـ”اللعب الماكر”.
وكان قائد الجيش، الجنرال مين أونغ هلاينغ، شدد في كلمة له الأسبوع الماضي، على ضرورة احتفاظ القوات المسلحة بدورها القيادي في سياسات البلاد، وذلك بالنظر إلى “تاريخ البلاد الحساس”، في إشارة سقوط أغلب البلاد في قبضة مجموعات مسلحة، عقب استقلالها عن بريطانيا عام 1948.
في المقابل، فإن كثيراً من الميانماريين، حتى من أنصار المؤسسة العسكرية، يرفضون الفصل بين ممارسات الجيش وتوجهات الحكومة، وإن كان على رأسها اليوم قيادة مدنية، حيث أشار الصحفي الميانماري “ميو ثانت خاينغ”، في حديث للأناضول، إلى أن الكثيرين في البلاد يعتقدون أن الجانبين يشكلان فريقاً واحداً، لكل منهما وظيفته الخاصة.
يذكر أن ميانمار شهدت صراعات أهلية دامية على مدار نصف قرن، بعد استقلالها، شاركت فيها أكثر من عشر مجموعات متمردة، سعت كل منها لتوسيع مساحة أقاليمها واستقلاليتها، فيما عد أطول حرب أهلية في العالم.
وفي الفترة من عام 1962، إلى عام 2010، حكمت مجالس عسكرية البلاد، اتهم خلالها الجنرالات بقمع المعارضين، وممارسة مختلف الانتهاك، ما استدعى انتقادات وعقوبات دولية.
ومن أكثر المجموعات العرقية اضطهاداً على يد العسكر في ميانمار أقلية الروهنغيا، التي يتركز وجودها في إقليم أراكان، أو راخين، الواقع غربي البلاد، على الحدود مع بنغلاديش، حيث ترفض حكومات البلاد المتعاقبة الاعتراف بهم كمواطنين، وتدعي بأنهم مهاجرون بنغال يعيشون في ميانمار بشكل غير شرعي، وبذلك تمنح لنفسها الحق بممارسة القتل والإرهاب والتهجير بحقهم.