بقلم كاري ل. بيرون/وكالة إنتر بريس سيرفس
واشنطن , أكتوبر (IPS) – إنتقد كبار المسؤولين في الأمم المتحدة حكومة ميانمار لتباطؤها في التصدي ل "السبب الجذري" وراء أعمال العنف الطائفي المتصاعدة غرب البلاد والذي من شأنه أن يعطل عملية الإصلاحات السياسية الداخلية الجارية.
وصرح توماس أوخيا كوينتانا، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان في ميانمار، بعد تسليمه تقرير جديد عن الأوضاع في ميانمار إلى الجمعية العامة، "نرى أن (الحكومة) لا تقوم حالياً بإتخاذ القرارات المناسبة من أجل إيجاد حل حقيقي…".
وأشار إلى أن الوضع في راخين بقوله: "لم تتخذ القرارات الفورية والضرورية للسيطرة على الوضع وبدء معالجة الأسباب الجذرية في تلك المنطقة، وذلك على العكس تماماً مما حدث في مناطق الأقليات العرقية الأخرى في ميانمار".
وكانت أعمال العنف قد اندلعت مجددا بين المجتمعات البوذية والمسلمة في خمس بلدات في ولاية راخين الغربية يوم الأحد السابق واستمرت خلال غالبية الأسبوع، وذلك بالرغم من تقارير تفيد بأن تدخل قوات الأمن قد حقق بعض الهدوء القسري.
وعلى الرغم من خفض الرقم الرسمي للقتلى يوم الجمعة الأخير من 112 إلى 67 (بالإضافة إلى 95 قتلوا وأكثر من 2800 منزلا أحرقت) إلا أن هذه الأرقام تضع أعمال العنف الجديدة على قدر خطورة الاشتباكات التي بدأت الفعل في شهر يونيو الماضي.
وكانت الإشتباكات، التي تردد أنها إندلعت نتيجة لإغتصاب امرأة بوذية من قبل شبان روهينغيا، قد خلفت ما لا يقل عن 90 قتيلاً ودمرت أكثر من 3000 منزلا. ومن غير الواضح حتى الآن ما الذي أثار أعمال الشغب الجديدة هذا الاسبوع.
وقالت إيزابيل آرادون، نائبة مدير منظمة العفو الدولية لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، "هذه الأحداث الأخيرة بين الروهينغيا المسلمين والبوذيين تؤكد الوضع الملح الذي يتطلب تدخل السلطات لحماية الجميع، وكسر حلقة العنف والتمييز".
وبدوره، أعرب الامين العام للامم المتحدة بان كي مون عن أسفه أيضاً لهذه الجولة الجديدة من العنف يومي الخميس والجمعة، وكذلك فعلت حكومات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وكانت واشنطن قد أعلنت مؤخرا عن مساهمة قدرها 2.7 مليون دولاراً لصالح المشردين من راخين وذلك في اعقاب انتهاء أول حوار بين الولايات المتحدة وميانمار حول حقوق الإنسان، والذي يقال إنه ركز بشكل كبير على راخين.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الامريكية فيكتوريا نولاند، "من الواضح أن هناك توترات دينية عميقة هناك، لكنه يبدو أن سبب هذه المشكلة هو الفقر المدقع وانعدام الفرص التي ابتلي بها كلا المجتمعين على حد سواء في ولاية راخين. لذلك فحل هذه المشكلة على المدى الطويل يكمن في توفير الحكومة لنوعية حياة أفضل لكلا المجتمعين".
ومنذ يونيو، يعيش ما يقرب من 80,000 شخص في مخيمات اللاجئين التي يزعم أنها تحتوي على الكثير من التمييز العلني ضد الأقلية روهينغيا المسلمة، وهي المجموعة المحرومة من حق الجنسية في ميانمار.
ويذكر أن الحكومة قد تحركت بسرعة لفرض سيطرتها على راخين الشمالية، رافضة السماح لوسائل الإعلام والمراقبين الدوليين أو المساعدة الدولية بالتواجد في المنطقة.
وفي خطوة تمت الإشادة بها، قام الرئيس ثين سين، الذي ينظر إليه على أنها مهندس عملية الإصلاحات الأخيرة في البلاد، بتشكيل لجنة التحقيق المكلفة بالنظر في أعمال العنف. وكان من المقرر أن تقدم اللجنة تقريرها في منتصف نوفمبر، إلا أن كوينتانا أفادت أنه يبدو الآن أنه سيتم تأجيل ذلك التقرير.
وقالت كوينتانا، "لقد أبلغت أن اللجنة تواجه عقبات في أداء عملها. وآمل أن تتصدى اللجنة للأسباب الكامنة وراء الصراع، وبخاصة تأثير التحيزات والمواقف التمييزية العميقة الجذور على أساس العرق والدين".
هذا وقد أعلن الرئيس ثين سين الأحد الأخير أن حكومته سوف تخفف الحظر على المساعدات الدولية لروهينغيا، مشيراً "إذا لم نقبل المساعدات الإنسانية، سيقول (المجتمع الدولي) أننا لسنا إنسانيين".
فجري الإشادة بهذا التحرك على نطاق واسع. لكن تقرير كوينتانا الجديد -غير المتاح للجمهور بعد- يحذر من أن القليل سوف يأتي من الحكومة أو العمل الدولي دون اتخاذ خطوات لمعالجة الأسباب الجذرية للتوتر في راخين.
وتقول كوينتانا التي زارت شمال راخين في عام 2010، أنها كانت قادرة على التنبؤ بأن الإشتباكات الطائفية من شأنها أن تظهر على السطح في نهاية المطاف في يونيو من هذا العام.
هذا ولقد اعترفت حكومة ميانمار ضمناً بأن ردودها على ما حدث في راخين كانت متراخية.
وقال مكتب الرئيس ثين سين في بيان -مشيرا إلى أن المجتمع الدولي يراقب التقدم الجاري في ميانمار بإهتمام، أن "هناك أشخاص ومنظمات يتلاعبون خلف الكواليس في حوادث ولاية راخين".
إلا أن التغييرات الهيكلية الواسعة هي ضمن نطاق عملها من أجل معالجة "التمييز المستوطن" الذي يعاني منه مجتمع روهينغيا، كما يوضح تقرير كوينتانا أن الحكومة تحتاج لإعادة النظر في قانون عام 1982 الذي أبطل مواطنة الروهينغيا.
وتجدر الإشارة إلي أن الإصلاحات الداخلية الإضافية التي أدخلتها حكومة ميانمار في الأشهر الأخيرة لم تمس مجتمع الروهينغيا، وإنما عززت الفرصة لإندلاع التواترات الكامنة وطويلة الأمد، بين مختلف الطوائف لتصبح أكثر علانية.
في غضون ذلك، تشير التقارير المحلية إلى تزايد الافتراءات والدعاية المعادية للروهينغيا على الإنترنت والمواقع الاجتماعية. ويزيد من تفاقمها تركيز المجتمع الدولي على الروهينغيا التي تعيش أحوال فقر طاحن.
وبعد عقود من القمع العسكري، تقول العديد من منظمات حقوق الإنسان أن الروهينغيا يشعرون الآن بأنهم أكثر أمانا في ظل وجود قوات أمن الدولة، وذلك علي النقيض من إحساسهم بعدم الأمان وسط جيرانهم البوذيين.
وهنا تشير كوينتانا إلى زيادة مقلقة في التوتر بين الأديان. وتقول، "نشهد مظاهرات في الشوارع ضد الأمم المتحدة وضد روهينغيا .. حتى الرهبان شاركوا في تلك المظاهرات. وهكذا، أصبحت المشكلة التي هي ليست بالضرورة مشكلة دينية –نتيجة لهذه المظاهرات- مشكلة دينية، ليعلب الدين بهذا دوراً في المشكلة، ما يؤدي لأن تصبح مشكلة خطيرة".
وكالة الأنباء العالمية انتر بريس سرفيس (آي بي إس)