وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء على عمليات تهجير مسلمي الروهنغيا من ميانمار. والجدير بالذكر أن العديد من شهود العيان من الذين فروا إلى بنغلادش، ونجوا من الهجمات العشوائية التي تشنها ضدهم القوات الحكومية والمليشيات البوذية المتحالفة معها، قد قصوا رحلة عذابهم وحجم المعاناة التي يتعرضون لها.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21″، إن الآلاف من الروهنغيا يصلون كل يوم إلى بنغلاديش، في حين تظهر عليهم علامات الإعياء والجوع، مصطحبين معه أطفالهم الذين يعانون من المرض والجفاف. وقد اضطر هؤلاء الأشخاص إلى عبور مسافات طويلة وسط ظروف مناخية قاسية، على أمل الوصول لمخيم للاجئين.
وفي الأثناء، كان هؤلاء الواصلون يحملون في جعبتهم قصصا مرعبة حول المجازر التي شهدوا على حدوثها في ميانمار، على يد قوات الأمن والمليشيات البوذية والسكان المحليين البوذيين، منذ 25 من آب/ غسطس الماضي. وقد انبثقت هذه العمليات على خلفية قيام مجموعة مسلحة مسلمة بشن هجوم على قوات حكومية.
وأكدت الصحيفة أن الروهنغيا يتعرضون منذ ذلك التاريخ لعمليات انتقام جماعية وممنهجة، لا تفرق بين مدني أو مسلح أو طفل أو مسن، حيث تقوم طائرات هليكوبتر بقصف المنازل وإضرام النار فيها، في الوقت الذي تقوم فيه قوات برية بملاحقة العائلات ومنعهم من الفرار. وبالتالي، فإنها ارتفعت حصيلة الضحايا إلى مستويات مثيرة للقلق.
ونقلت الصحيفة شهادة راشد أحمد، وهو فلاح يبلغ من العمر 46 سنة من قرية منغدو في ميانمار، الذي قال: “أنا أسير منذ أربعة أيام، لقد تم تدمير كل القرى بالكامل، لم يبق أي شخص هناك، فقد رحل الجميع”.
والجدير بالذكر أن الروهنغيا الذين يمثلون أقلية مسلمة في ولاية أراكان غرب ميانمار، تم تجريدهم من جنسيتهم وحقوقهم المدنية على يد النظام العسكري الحاكم. وفي الأثناء، بقي هؤلاء الأشخاص رهينة الاضطهاد، الذي بدأ منذ عقود من الزمن، على يد الأغلبية البوذية المسيطرة، التي تمارس ضدهم عمليات قتل جماعي فضلا عن عمليات اغتصاب، وذلك حسب تقارير رسمية صادرة عن الأمم المتحدة. وقد أدى ذلك، مؤخرا، إلى ظهور مقاومة مسلحة في صفوفهم، في محاولة للتصدي لهذا الظلم.
وأوردت الصحيفة على لسان ميزانور رحمان، أحد المواطنين من الروهنغيا، أنه “في 25 من آب/أغسطس، كنت بصدد العمل في مزارع الأرز في قرية تون بازار، عندما دوى صوت طائرات الهليكوبتر في السماء”.
وأضاف رحمان، أنه “عندما ترامى صوتها إلى أذني شعرت بخوف شديد، وخرجت زوجتي تركض من البيت حاملة رضيعها البالغ من العمر شهرا واحدا، وسارعنا للاختباء في غابة مجاورة. وقد شاهدنا بأعيننا كيف قامت القوات الحكومية بإحراق المنازل وإطلاق النار بشكل عشوائي على الجميع”.
وأكد ميزانور رحمان أن عائلته الموسعة تمكنت من الفرار، باستثناء شقيقه الذي توفي منذ اليوم الأول برفقة سبعة من أقاربه، وأمه التي لقيت حتفها بعد ثلاثة أيام بطلق ناري من قبل حرس الحدود.
وأردف ميزانور رحمان أنه وعلى الرغم من وصوله إلى مخيم كوتوبالونغ للاجئين في بنغلادش، إلا أنه لا يشعر بالأمان البتة. في الوقت ذاته، تعاني زوجته من تزايد حدة نزيف ما بعد الولادة، وقد ساءت حالتها حتى باتت غير قادرة على المشي وإرضاع طفلها.
وذكرت الصحيفة أن كل الفارين الذين قابلتهم في مخيم اللاجئين تحدثوا عن عمليات قتل عشوائية في أكثر من 15 قرية مسلمة. وقد تم إحراق عائلات بأكملها وهي لا تزال على قيد الحياة، داخل منازلها.
وقد أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش صحة هذه المعلومات، بالاعتماد على صور القمر الصناعي، حيث أظهرت أضرارا على نطاق واسع نتيجة اندلاع نيران في 17 موقعا في هذه المنطقة، من بينها قرى تم إحراق 700 منزل فيها.
وتجدر الإشارة إلى أن الاضطهاد الذي يتعرض له الروهنغيا بشكل متواصل، دفع البعض منهم لتكوين فصيل مسلح يحمل اسم “جيش تحرير الروهنغيا في أراكان”. وقد دخل هذا الفصيل في مواجهات مسلحة مع القوات الحكومية خلال الأسبوع الماضي، وهو ما عمق الأزمة بالنسبة للمدنيين، في حين أعطى ذريعة جديدة للقوات الحكومية لممارسة عمليات القتل الجماعي.
وفي هذا الصدد، صرح راشد أحمد، أن “أغلب الشباب والرجال تم إجبارهم على البقاء والقتال مع جيش تحرير الروهنغيا في أراكان، في حين تم السماح لي بالمغادرة لأنني كنت مسنا”. وأضاف أحمد، أن “هؤلاء المقاتلين ليس لديهم شيء ليخسروه، حيث تسعى حكومة ميانمار لاجتثاث مجموعة عرقية كاملة من البلاد”.
وأوردت الصحيفة أن الفرار من ميانمار لا يعني نهاية المعاناة بالنسبة لمسلمي الروهنغيا، حيث تعد بنغلاديش بدورها دولة فقيرة، كما أنها تشكو من الاكتظاظ وسوء المناخ. ومن المرجح أن كارثة إنسانية أخرى ستحصل قريبا، في حال لم يحدث تدخل دولي عاجل. من جهتها، شكلت منظمة الأمم المتحدة لجنة تحقيق خاصة للبحث في وقائع عملية الإبادة التي دفعت 85 ألف شخص من الروهنغيا للمغادرة نحو بنغلادش خلال الأشهر القليلة الماضية. في المقابل، منعت حكومة ميانمار بقيادة أونغ سان سوتشي فريق الموظفين الأمميين من الدخول إلى البلاد.
وفي الختام، أفادت الصحيفة بأن المسلمين الذين فروا يومي الخميس والجمعة الماضيين، لم يجدوا أي مساعدة بانتظارهم عند وصولهم إلى قرية ريزو أمتالي داخل الأراضي البنغلادشية. وفي الأثناء، تعاطف السكان المحليون معهم وقدموا لهم مياها للشرب وبعض الغذاء، فيما قام أصحاب الشاحنات بنقلهم إلى مخيم تم تجهيزه لإيوائهم.