وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
ما زالت موجات النزوح مستمرة في إقليم “أراكان”، الذي تسكنه أقلية الروهنغيا المسلمة غربي ميانمار، حيث غادر الآلاف منازلهم قبل عدة أيام نتيجة العنف المتواصل من قبل الجماعات البوذية المتطرفة، في المنطقة التي تشهد أزمة عميقة ومستمرة منذ عقود. وقد هرب أفراد من مسلمي الروهنغيا إلى الحدود مع بنغلاديش، غير أن حرس الحدود في بنغلاديش يحاولون إعادتهم لبلادهم.
حاورت “التحرير” عمران الأركاني الباحث والإعلامي الروهنغي في وكالة أنباء”أراكان”، حول المأساة وكيف يتعاملون معها في ظل التجاهل الدولي على المستوى الرسمي والإعلامي، وإلى نص الحوار:
-كيف ترون صور عمليات الحرق التي تمارس ضد مسلمي الروهنغيا؟ وما سر تلك الطرق في التعذيب؟
ما أحب أن أوضحه أولًا حول الصور المنشورة لحرق الروهنغيا في أراكان وقُراهم المسلمة، في وسائل الإعلام المختلفة، رغم كونها تظهر بشاعة الجريمة وسادية الميليشيات البوذية الراديكالية، لكنها لا تكشف حجم الجرائم التي تمارس ضد المسلمين العُزل، إنما هي جزء من واقعهم المرير والمؤلم وراء الحصار، وهي صورة مصغرة من سلسلة الاعتداءات اليومية الشنيعة التي يتعرضون لها في أرضهم. فالحصار الذي تفرضه حكومة ميانمار الجائرة على الروهنغيا هو السبب الرئيس في إفشال محاولات بث وتغطية الأحداث بشكل احترافي وشامل يتناسب مع حجم قضيتنا؛ فتلك الصور والمشاهد المأساوية القليلة، التي غزت الساحة الإعلامية عن معاناة مسلمينا، تتخطى فيها الإنسانية بكل الخطوط الحمراء. وأنبّه على وجود صور ومقاطع وثائقية تنسب إلى قضيتنا عن طريق مصادر مجهولة وهي لا تتعلق بها، إنما من نشرها يريد التشكيك في صدق قضيتنا العادلة، وإخفاء حقد ووحشية البوذيين في ميانمار تجاه المسلمين. أما سر تلك الطرق في التعذيب فيعود إلى أسباب رئيسية، منها خوف البوذيين من انتشار الإسلام في المنطقة ضمن سياسة بقاء ميانمار للبوذيين، حيث دمّر البوذيون كثيرا من الآثار الإسلامية من مساجد ومدارس وقتل العلماء والدعاة، وطمعهم في الأرض (أراكان) والتي تعود ملكيتها للروهنغيا. وهذا يؤكد أنهم العرقية الوحيدة التي يحق لها المطالبة بكل حقوقهم الأساسية والوقوف ضد حكومة ميانمار والبوذيين، ولوجود القرائن والأدلة التي تبرهن على أن البوذيين أنفسهم هم الدخلاء.
-هل جرت محاولات لإيقاف عملية التطهير العرقي بإقليم أراكان؟
في الحقيقة حتى الآن لم نر محاولات مباشرة وجادة مع حكومة ميانمار لإيقاف الإبادة المستمرة ضد المسلمين. ولكن توجد مباحثات عريضة في هذا الشأن مع حقوقيين وسياسيين ودبلوماسيين في الدول الكبرى، وللأسف فإنها تأتي في مقابل ديكتاتورية حكومة ميانمار ونفوذ عسكرها، إذ لم تثمر في إنهاء الأزمة بشكل تام.
– ما دور مصر؟ وهل توجد حملات إغاثة مصرية وصلت إلى ميانمار؟
نتطلّع من مصر وشعبها الكريم المحب للخير، إلى أن تقوم بدورها وواجبها تجاه قضية مسلمي أراكان، ورأينا في بدايات اندلاع الأزمة الأخيرة في أراكان المحتلة مطلع عام ٢٠١٢ استنكارا جادا من منظمات مصرية عدّة بكل أطيافها، رغم الأزمة الداخلية التي مرّت بها مصر آنذاك.
– كيف ترون دور الأزهر الشريف ومؤسسته في الإقليم؟
دور الأزهر يظهر جليا في الدفاع عن القضايا الإسلامية وعن قضيتنا بشكل خاص. ونحن لا ننسى وقفته الأخوية المشرفة في التعريف بقضيتنا، يوم أن كنا نعاني في بدايات الأزمة من قلة المهتمين من النخب والمفكرين والاختصاصيين في الشؤون الإنسانية والدولية، وكم نتمنى أن يتم تكثيف الجهود تجاه قضية إخوانهم في أراكان، خاصة في هذه الفترة التي قلّ فيها الدعم وانشغل فيها أغلب المؤسسات الإنسانية والدعوية بالقضايا الإقليمية لها.
ونأمل أن يكتب لنا لقاء عاجل مع قيادات الأزهر ومسئوليه، لمناقشة قضيتنا، ومستقبل شبابنا الأركاني علّ بعضهم يحظى بشرف التعلم على يد علمائه ودعاته.
– من يرتكب المجازر في حق مسلمي الروهنغيا؟ هل الجيش الميانماري أم مجموعات متعصبة بإقليم أراكان؟
المتورط الأول هو الحكومة الميانمارية البوذية فهي توجه عصابات تابعة لها، ترتدي لباسا مدنيا، إلى افتعال الأزمات في الوسط الإسلامي وإثارة الشغب؛ حتى يتسنى للجيش التدخل إلى جانب العصابات المتمردة وبدوره يقوم بحماية العصابات وشن اعتقالات واسعة تستهدف الروهنغيا بتهم ملفقة، إلى جانب تأسيس الحكومة منظمات إرهابية تدير المجازر والمحارق، وعلى رأسها منظمة “969” الإرهابية، والتي صرح رهبانها بأنهم لا يريدون أي مسلم على أرض أراكان. وتُشكل ثروات أراكان الاقتصادية الطبيعية مطمعًا للحكومة الميانمارية، حيث الطبيعة والأنهار، والشلالات التي لو تم استثمارها لتوليد الكهرباء ستزود ميانمار كلها بالطاقة، فضلا عن وجود البترول والغاز الطبيعي، وخشب التيك الشهير.
– وما أشكال الاضطهاد التي يلقاها الروهنغيا؟
التمييز العنصري في مختلف جوانب حياتهم من قبل حكومة ميانمار إلى جانب الجرائم القانونية التدريجية المؤكدة بالوثائق والأدلة والتي أدت إلى سحب المواطنة وإلغاء العرقيات المسلمة في دستور البلاد والإعلان عنهم على أنهم أجانب، وفرض الضرائب الباهظة على المسلمين، ومنعهم من مواصلة التعليم العالي، والتهجير الجماعي والتطهير العرقي، والقيود المفروضة على الحياة العائلية، والحق في حرية التحرك والتنقل، وممارسة الشعائر الدينية، وبناء الدور التعليمية، وترميم المساكن والمساجد، وتجريم إقامة الشعائر الدينية للمسلمين، وتجريم العمل وصيد الأسماك، ومضايقة المزارعين، وغير ذلك.
– كيف يعيش أهالي الإقليم حاليا؟ وهل تم إيقاف الشعائر الدينية للمسلمين؟
يعيشون منذ عشرات السنين في ظروف مأساوية وأوضاع إنسانية مزرية، وقد صار أغلب السكان يعتمدون كليا على المساعدات الإنسانية ليواصلوا العيش، بعد أن فقدوا الثقة بالحكومة. يتم التضييق على الشعائر الدينية للمسلمين، فلا يمكن لمسلم رفع الأذان ولا الذهاب إلى الحج ولا حتى ذبح الأضحية، ومن يتجرأ بفعل أحدها يقتل بطريقة وحشية بربرية.
– هل توجد مقاومة من الروهنغيا؟ وهل دور منظمات الإغاثة الدولية كاف؟
المقاومة في الداخل ضعيفة جدا، حتى لا تكاد تذكر بسبب عمل البوذيين منذ عشرات السنين على إضعاف قوة المسلمين من جميع النواحي. ولا أنسى ما يشهده الأهالي من حملات تفتيشية مشددة من حين لآخر لسلب الأسلحة البيضاء، وشرائح الهاتف المحمول، والأجهزة المزودة بالكاميرا، حتى العصي لا تترك في مساكن المسلمين؛ خوفًا من التنسيق للمقاومة والدفاع عن النفس والعرض. أما دور المنظمات الإغاثية الدولية فيستفيد منه الشعب البوذي المقيم في أراكان غالبًا، لأن للرهبان نشاطًا في مرافقة الوفود من الخارج والتجول بهم بين فقرائهم. كما يحتجزون المساعدات ويخصصونها للبوذيين دون المسلمين.
– هل بالفعل أسهمت جماعات عرقية في منع وصول المساعدات الإنسانية للإقليم؟ وكيف يتم تأمين وصول المساعدات حاليا؟
هذا صحيح، يوجد جماعات معادية للمسلمين وحاقدة على عرقية الروهنغيا تقف جنبا إلى جنب مع الرهبان والسلطات في منع وصول المساعدات. ويتم توصيلها بتضحيات ومخاطرة كبيرة من قبل أفراد مسلمين من الأهالي بتعاون المتعاطفين معهم من البوذيين وتتم دون علم الحكومة.
– كيف يمكن للعالم الإسلامي إغاثة مسلمي ميانمار؟
عن طريق جمعيات ومؤسسات إغاثية وخيرية موثوقة ومعروفة بمباشرتها قضيتنا الأراكانية.