دخل الإسلام سريلانكا في القرن السابع الميلادي على يد التجار والملاحين القادمين من شبه الجزيرة العربية. وبمرور الوقت ازداد عدد المسلمين في هذه الدولة الآسيوية نتيجة للزيجات المختلطة بين المهاجرين العرب وسكانها الأصليين، أو بسبب نزوح المسلمين إليها من شبه القارة الهندية المجاورة، حتى صار الإسلام اليوم ثالث أكبر ديانة فيها، وصار المسلمون (جلهم من السنة الشوافع) يشكلون 9 في المائة من إجمالي عدد سكانها البالغ 19.5 مليون نسمة. أما أكبر الديانات فهي البوذية التي يزيد عدد أتباعها على 70 في المائة، تليها الهندوسية التي يشكل أتباعها 15 في المائة. وتأتي المسيحية في المرتبة الرابعة بنسبة 7.4 في المائة، مع ملاحظة أن الأغلبية العظمى منهم تنتمي إلى الكنيسة الكاثوليكية.
ومسلمو سريلانكا لئن كانت أحوالهم وحقوقهم في هذا البلد على الدوام أفضل من أوضاعهم في الدول الأخرى التي يشكلون فيها أقلية، بدليل ممارستهم عقائدهم وأعيادهم الدينية بحرية كاملة، ووجود خمسة آلاف مسجد ومئات المدارس، ومعاهد ومراكز إسلامية كثيرة تتبعهم، ووجود تمثيل لهم في البرلمان ومجلس الوزراء والمناصب الحكومية العليا، ناهيك عن وجود وزارة تختص بالشؤون الإسلامية، ومحكمة إسلامية تطبق أحكام الشريعة، فإنهم كانوا ضحايا للحرب الأهلية التي اندلعت ابتداء من عام 1983 بين الأغلبية السنهالية البوذية (75 في المائة)، والأقلية التاميلية الهندوسية (11.2 في المائة)، وذلك بحكم إقامة الكثيرين منهم في مناطق الحرب الرئيسة مثل شبه جزيرة جفنا، ورفضهم القتال إلى جانب هذا الطرف أو ذاك. حيث تشير الإحصائيات إلى مقتل عشرات الآلاف منهم في تلك الحرب، إضافة إلى تهجير نحو 300 ألف نسمة.
اليوم يشكو هؤلاء من تزايد موجة العنف والكراهية ضدهم على أيدي الأكثرية البوذية، في مشهد يذكرنا بما حدث في العام الماضي لإخوتهم من أقلية ''الروهانغ'' في بورما على أيدي البوذيين أيضًا. لكن على خلاف ما جرى في بورما التي انتهجت سياسة رسمية لتهجير مسلميها ودفعهم نحو النزوح إلى بنجلادش المجاورة تحت مزاعم أنهم ليسوا من السكان الأصليين، فإن مشكلة المسلمين المتفاقمة في سريلانكا تعود إلى أمر أقل ما يقال فيه إنه ''سخيف'' ولا يستدعي كل هذه الضجة وردود الأفعال الشوفينية، إلا إذا كان في الأمر فزعة دينية ما بين أتباع البوذية في سريلانكا وبورما اللتين تعتبران مهد هذه الديانة والحاضنتين لمقدساتها. وبعبارة أخرى فإن ما فجر غضب السريلانكيين البوذيين ضد شركائهم في الوطن من المسلمين هو إصرار الأخيرين على الترويج للمنتجات الغذائية الحلال ومنح تراخيصها، وهو ما اعترض عليه البوذيون بحجة أن مثل هذه الأمور يجب أن تصدر من الجهات الرسمية وحدها وليس من جماعات غير رسمية تابعة لديانة معينة.
وهذا يقودنا إلى ملف شائك هو أن البعض من المسلمين (أقول البعض) يسيئون إلى أنفسهم وإخوتهم في بلاد المهجر أو حيثما يشكلون أقلية، وذلك بإصرارهم على أمور ثانوية، أو تحديهم وخرقهم لما هو معمول به وسائد، أو عن طريق الالتحاق بالجماعات المتطرفة والترويج لخطابها، ما يجعل الآخرين ينظرون إليهم نظرة الشك والريبة التي تتحول مع الوقت إلى شعور بالكراهية.
على أن هناك من يتبنى في تفسير الحالة السريلانكية تفسيرًا مشابهًا للحالة البورمية، ومفاده بأن خلف المشكلة الراهنة تقف الغيرة، وأن مصدر الغيرة هو العامل الاقتصادي، حيث من المعروف أن مسلمي سريلانكا، على الرغم من كل ما تعرضوا له من تهميش في الماضي على أيدي القوى الاستعمارية الغربية التي توالت على حكم هذه البلاد بدءًا من البرتغاليين والهولنديين وانتهاء بالبريطانيين، وعلى الرغم من ترددهم في أثناء الحكم البريطاني في دخول المعاهد النظامية خوفًا من التنصير، فإنهم يشكلون اليوم الفئة الأكثر تميزًا لجهة التعليم والالتحاق بالجامعات والتخصص في مجالات الهندسة والطب والمحاسبة والإدارة، كما أنهم متميزون بتحقيق نجاحات مشهودة في عالم التجارة، الأمر الذي حقق لهم مستويات معيشية أفضل من البوذيين أصحاب الأكثرية العددية.
ولما كان التعميم آفة يجب تجنبها، خصوصًا عند الحديث عن القوميات والشعوب، فإنه من المهم أن نستدرك ونقول إن موجة العنف ضد مسلمي سريلانكا تقودها فقط فئة متطرفة من البوذيين ممثلة في ''حركة بودو بالا سينا'' التي يعني اسمها ''قوة البوذيين الأشداء''، في الوقت الذي سارعت فيه فئات أخرى من البوذيين إلى إصدار بيانات شجب واستنكار ضد أي أعمال تنتهك حقوق المواطنين المسلمين أو تشعرهم بالمهانة والازدراء أو تدعو إلى مقاطعتهم، أو تتعرض لدور عبادتهم، بل إن هذه الفئات من البوذيين العقلاء خاطبت حكومة الرئيس ماهيندرا راجاباكسا للتدخل ووضع حد لخطاب الكراهية والتحريض ضد المسلمين التي تمارسها الحركة المذكورة بصور شتى، وذلك من منطلقات كثيرة من بينها أن الأعمال العدائية ضد المسلمين تقوض علمانية الدولة السريلانكية، وأن سريلانكا لا تقوى على الدخول مجددًا في صراع ديني من بعد ربع قرن من الصراع الإثني الذي كلفها مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمعوقين والمشردين، وخسائر بمليارات الدولارات.
وحذت بعض الصحف حذو هذه الفئات البوذية العاقلة في المطالبة بعدم جَرِّ البلاد مرة أخرى إلى صراعات تهلك الأرواح البريئة، وتدمر الاقتصاد الوطني، وتشيع الخوف، وتعصف بالسياحة والاستثمارات الأجنبية، بل راحت تنتقد الحكومة متهمة إياها بالتساهل والتغافل إزاء عدد من الأحداث التي وقعت في العام الماضي، وكانت كلها بمثابة مقدمات للحملة العنصرية الراهنة ضد مسلمي البلاد.
من هذه الأحداث أنه في نيسان (أبريل) 2012 هاجم عدد من الرهبان البوذيين مسجدًا في قرية ''دامبولا'' في أثناء أداء صلاة الجمعة بحجة أن المسجد بني من دون ترخيص رسمي، وأنه أقيم على أرض تابعة لمعبد بوذي، فأحدثوا أضرارًا به وبمحتوياته من المصاحف والكتب الدينية.
وفي حزيران (يونيو) من العام ذاته تظاهر نحو 200 شخص بقيادة رهبان بوذيين أمام مركز إسلامي في ضاحية ديهيوالا على مشارف العاصمة كولومبو، وقاموا برمي الأحجار واللحوم المتعفنة على مبنى المركز، وهم يرددون هتافات معادية ودعوات بسرعة إغلاقه. وبعد هذه الحادثة بعدة أسابيع بعث بعض الرهبان البوذيين برسالة تهديد إلى زعماء المسلمين في بلدة كرونيغالا، مطالبين إياهم بضرورة التوقف عن ممارسة شعائرهم الدينية بما في ذلك رفع الأذان.
وتكرر مثل هذه الحوادث في أماكن أخرى من البلاد وصولًا إلى مظاهرة كبيرة حشد لها البوذيون المتطرفون في العاصمة كولومبو للمطالبة بإلغاء الذبح الحلال وإدانة إطلاق اللحى وارتداء النساء الحجاب.
ويخشى المراقبون من تزايد أعمال العنف والكراهية هذه في سريلانكا دون أن تلقى الاهتمام الكافي أو الإدانة الشديدة من المجتمع الدولي الذي يصب كل جهوده اليوم – فيما يخص سريلانكا – على توثيق الفظائع التي ارتكبتها القوات الحكومية وميليشيات نمور التاميل في حربهما الأهلية ما بين 1983 و2009.