وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
في مثل هذا الشهر عام الماضي، تم الترحيب بأونغ سان سوتشي، الزعيمة الفعلية لميانمار، في البيت الأبيض في أعقاب انتصار انتخابي تاريخي، تلاه فيض من حالات إظهار حسن النية على الصعيد العالمي.
وعدت السجينة السياسية سابقا، التي فاز حزبها في انتخابات أجريت في عام 2015، ببداية جديدة مبنية على “القوة الحقيقية لتنوعنا”، بالنسبة لبلد عانى الكثير من حركات التمرد العرقي وعقودا من الحكم العسكري.
أشاد باراك أوباما، الرئيس الأمريكي في ذلك الحين “بطريقة جديدة لتنفيذ الأعمال وحكومة جديدة”، بينما عمل على رفع عقوبات كانت مفروضة على بلادها.
بعد مرور عام، سمعة ميانمار الدولية، وكذلك سمعة الزعيمة البالغة من العمر 72 عاما، أصبحت في حالة سيئة بعد حملة عسكرية وحشية شنتها القوات الأمنية في ولاية أراكان الغربية، أدت على مدى شهر إلى تشريد ما يقارب نصف مليون شخص معظمهم من مسلمي الروهنغيا.
اللاجئون المتدفقون على بنغلاديش جلبوا معهم قصصا عن القتل الجماعي، والاغتصاب، وإحراق القرى على يد قوات الأمن، في عمليات يقول عنها دعاة حقوق الإنسان إنها ربما تكون بمنزلة تطهير عرقي أو جرائم ضد الإنسانية – وكلاهما تصفه ميانمار بأنه “عمليات تصويب للأوضاع”.
هذه أخطر أزمة منذ أن بدأت ميانمار الانتقال إلى الديمقراطية في عام 2011، جعلت أونغ سان سو تشي عالقة بين مجتمع دولي يطالب بالمساءلة وبين جمهورها هي بالذات، الذي يتسم بتعصب وطني شديد ومزاج يفتقر إلى الرحمة.
وعززت الأزمة أيضا الحالة الهشة للفترة الانتقالية غير المكتملة التي بدأتها ميانمار نحو الديمقراطية، الأمر الذي ترك الجيش يتولى ثلاث وزارات رئيسية، وربع المقاعد في البرلمان، والسيطرة على القوات المسلحة والشرطة.
سكان ميانمار ورجال الأعمال الأجانب والدبلوماسيون وغيرهم ممن أجريت معهم “فاينانشيال تايمز” مقابلات، بعضهم تحدث شريطة عدم التصريح باسمه بسبب الحساسيات السياسية، يعربون الآن عن شكوكهم بشأن ما إذا كانت زعيمة ميانمار قادرة على تحمل مسؤولياتها.
الأسوأ من ذلك، يخشون من أن أزمة الروهنغيا يمكن أن تخرج عملية الانتقال من خمسة عقود من الحكم العسكري عن مسارها. وبالنسبة لبعض منتقديها، أثبتت أونغ سان سوتشي بالفعل أنها زعيم يفتقر إلى الكفاءة حتى في قضايا أخرى سبقت اندلاع أزمة الروهنغيا.
يقول كو بي مايو هين، المدير التنفيذي لمعهد تاجاوانغ للدراسات السياسية في يانغون: “برأيي، انتقال ميانمار يعاني عيوبا خلقية – خاصة الترتيبات الدستورية المتعلقة بدمج الحكومة المنتخبة مع وصاية القوات المسلحة”. ويضيف: “إذا لم تستطع الحكومة المدنية المنتخبة تغيير اللعبة، ستموت فكرة الانتقال موتا بطيئا في مقبرة الأنظمة الهجينة”.
في خطابها الأول الذي ألقته أخيرا حول الأزمة، في قاعة فيها الكثير من المقاعد الشاغرة في نايبياداو، عاصمة ميانمار التي تشبه منتجعا للجولف، قالت الزعيمة أونغ إن حكومتها تستحق المزيد من الوقت، مشيرة إلى أنها شغلت هذا المنصب منذ أقل من 18 شهرا فقط.
قالت للدبلوماسيين والصحافيين باللغة الإنجليزية، في كلمة بدت فيها وكأنها توجه توبيخا تارة، وتبرر تارة أخرى: “نريد أن نحدد السبب في حدوث هذا النزوح. نود التحدث مع الذين فروا، إضافة إلى الباقين”. هذه الملاحظات أعطت انطباعا عن زعيمة إما أنها بعيدة عن الأحداث التي تحصل في الأراضي الحدودية الغربية – التي يجري بثها بشكل مباشر عبر قنوات الأخبار العالمية – وإما أنها مجردة من سلطتها ولا تستطيع السيطرة على الوضع.
اتهمت منظمة العفو الدولية زعيمة ميانمار “بأنها تدفن رأسها في الرمال”، في الوقت الذي قالت فيه منظمة هيومان رايتس ووتش إن تأكيدها أن 50 في المائة من قرى أراكان المسلمة كانت سليمة بعد العنف يعطيها “علامة راسب”.
في خطابها، شبهت زعيمة ميانمار بلادها بجسم الإنسان، مشجعة المجتمع الدولي على التصدي له وللمشاكل ككل و”ليس فقط عددا قليلا من المناطق المصابة”. وقالت: “إن الأمر برمته يتعلق بمدى قدرتنا على تحقيق تقدم”.
خارج العملية
بالنظر إلى ميانمار ككل، هناك بوادر تشير إلى أن المريض وصل إلى وضع سيئ بالفعل – وبعض ذلك يعود إلى عوامل تقع ضمن سيطرتها. يقول مراقبون محليون وأجانب مطلعون على أعمال الزعيمة، بمن فيهم بعض من كان يعرفها منذ سنوات، إنها مدير مركزي صغير يعجز عن التعاطي مع مشاكل متعددة.
بعد طفرة النمو التي صاحبت موجة الاستثمارات الداخلية وسط خطوات أولية نحو التحول إلى الديمقراطية، تباطأ الاقتصاد.
يقول خين زاو وين، المحلل والسجين السياسي السابق: “إما إنها لا تسمح (لمستشاريها) بأداء واجباتهم، وإما أنها لا تصغي إليهم. إنها شخص عنيد، أناني جدا وغير ديمقراطي، لكن الناس يبدون لها ولاء عجيبا”.
لم يرد زاو هتاي، المتحدث الرسمي باسم حكومة ميانمار، على طلبات للإدلاء بتعليق. عندما تولت أونغ سان سوتشي زمام السلطة في العام الماضي، بعد انتصار ساحق للرابطة الوطنية للديمقراطية التي تتزعمها، واجهت إدارتها جدول أعمال شاقا: مطالبات بإصلاح دستور عام 2008 الذي يمنح الجيش اليد العليا على الحكومات المدنية، وضغوطا من قبل الأقاليم الحدودية المضطربة التي تدعوا إلى نظام فيدرالي، والحاجة إلى إعادة تأهيل الاقتصاد الذي توقف بسبب خمسة عقود من العزلة.
تولت مهام السلطة في الدور الجديد، “مستشار الدولة”، بسبب وجود أجانب في أسرتها (زوجها أجنبي) من تولي مهام الرئاسة. وتولت أيضا ثلاث مناصب وزارية أخرى، الشؤون الخارجية، والتعليم، والطاقة، لكنها منذ ذلك الحين تخلت عن آخر اثنين من مناصبها الوزارية. وتولي زعيمة ميانمار تركيزها الرئيسي إلى تحقيق عملية سلام هدفها الاستمرار في إرث والدها، زعيم الاستقلال، أونغ سان، ومعالجة حالات تمرد بدأت منذ عقود بين الأقليات في ولايات تتاخم إلى حد كبير ميانمار البوذية، قلب البلاد الناطق باللغة البورمية. وقضية الروهنغيا ليست جزءا من هذه العملية.
بالنسبة للاقتصاد، تدعي الحكومة أنها حققت بعض الإنجازات: انخفض التضخم وعجز الموازنة، وتم اتخاذ إجراءات صارمة فيما يتعلق بالكسب غير المشروع الذي كان متفشيا في ظل النظام العسكري السابق.
يقول شون تيرنل، وهو باحث أكاديمي أسترالي يقدم المشورة لإدارة “مستشارة الدولة”: “كانوا جادين تماما في تعاملهم مع الفساد، خاصة على المستويات العليا”. مع ذلك، وعلى مستوى الحكومة المركزية وحكومات الولايات، كانت الزعيمة مثقلة بإرث البيروقراطيين الذين خدموا النظام القديم. في اختيارها لوزرائها، يقول رجال الأعمال والدبلوماسيون إنها أعطت الأولوية لمؤهلات الولاء والمعارضة، بدلا من تعيين أناس جدد أو أناس خبراء في العالم الحقيقي لمجالات مثل التجارة والقانون. يقول أحد المصرفيين الدوليين الناشطين في ميانمار: “متوسط عمر القيادة التنفيذية مرتفع جدا، ما يعني أنهم ذوو عقلية اشتراكية”. ويضيف: “لجأت إلى أشخاص تعتقد أنهم موالون لها وليسوا أشخاصا فاسدين، لكن وتيرة الإصلاحات الاقتصادية كانت تعاني كثيرا لأن القيادة التنفيذية ضعيفة والبيروقراطية موالية للحكومة السابقة”. وبسبب عيشها في المنفى فترة زمنية طويلة، ثم بعد ذلك 15 عاما في الإقامة الجبرية، أونغ سان سو تشي نفسها غير ملمة أبدا بخبرات وتجارب العمل الأساسية – باستثناء وظيفة صغيرة في الأمم المتحدة شغلتها عندما كانت شابة.
قاعدة المهارات المحدودة التي تتسم بها الإدارة الجديدة، إضافة إلى المسار المتشدد الذي تتخذه أونغ فيما يتعلق بالفساد، جعلت بعض الوزراء إما غير مؤهلين للتعامل مع مشاريع الإنفاق وإما كارهين لإدارتها وتسييرها خوفا من اتهامات بجني أرباح شخصية.
تقول أونغ تون، وهي مستشارة لوكالات التطوير الدولية في يانغون: “ليست لديهم أية مصادر للبيانات من أجل تطوير السياسات، لذلك لا يمتلكون الثقة الكافية التي تجعلهم قادرين على اتخاذ قرارات”. في الوقت نفسه، وجه كل من جماعات المجتمع المدني والمجتمع المسلم في ميانمار، الذي يشكل نحو 4 في المائة من عدد السكان، انتقادات لإدارة أونغ بأنها لا تفعل الكثير لتهدئة التوترات الطائفية في البلاد.
شهدت ميانمار أعمال شغب مميتة ضد المسلمين في عام 2013، قبل أن تتولى إدارتها زمام السلطة، ويشعر بعضهم بالقلق من أن العنف يمكن أن يتكرر على شكل قصف أو هجوم آخر داخل البلاد.
ونشرت شبكة حقوق الإنسان في ميانمار الشهر الماضي بحثا يقول إن الظروف التي يتعرض لها الروهنغيا تفاقمت خلال السنوات الأربع التي انقضت منذ ذلك الحين، وتحدثت عن “اضطهاد منهجي مستمر” للمسلمين خلال مدة لا بأس بها من الفترة الحالية من النظام المدني المزيف، ما أدى إلى ارتفاع حاد في عدد القرى التي تنصب لافتات وتعلن نفسها “خالية من وجود المسلمين فيها”.
تقول أونغ كوكو، من “ميانمار موزايك”، إحدى جماعات المجتمع المدني التي تعزز التسامح ما بين البوذيين والأقليتين المسلمة والمسيحية: “هم بحاجة إلى نوع من الإجراءات التي تتخذ ضد الجماعات القومية المتطرفة التي تعتبر خطيرة جدا على العملية الانتقالية”.
الزعيمة الفعلية للبلاد دعت إلى التسامح، لكن في خطابها الذي ألقته أخيرا (كما في الخطابات السابقة) استخدمت لغة تحذيرية لا تشير إلى جماعات عرقية أو دينية محددة، على افتراض تجنب رعايتها لجماعة بوذيي بامار العرقية، الذين يشكلون جوهر الدعم المقدم لها.
رد الفعل العسكري
يقول بعض المراقبين لأونغ سان سوتشي إن الافتراضات التي يستند إليها الدعم الغربي كانت معيبة منذ البداية: العالم الخارجي علق كثيرا من الآمال على شخص ذي غرائز تشبه تلك الغرائز التي يتصف بها زعيم من سلالة الأسر الآسيوية قديمة الطراز.
مع ذلك، يرون أنها أفضل أمل لميانمار حتى الآن. يقول أحد كبار الدبلوماسيين في يانغون: “سيكون من الغباء حقا الاستغناء عن فكرة الانتقال للديمقراطية في ميانمار والاهتمام فقط بالوضع في ولاية أراكان، الوضع الذي لا تملك فيه إلا القليل من السيطرة”.
ويعتقد أنصار الزعيمة أنه الحكم عليها يتم بطريقة قاسية جدا نظرا لافتقارها للنفوذ على الجيش. يقول يو نيان وين، وهو مسؤول كبير في “إن إل دي” في يانغون: “إن سياق موقف بلادنا مختلف عن البلدان الأخرى في كل أنحاء العالم. نحن لا نستطيع السيطرة على ما يحدث على الأرض، خصوصا في مناطق القتال”.
وبحسب أعضاء في دائرة الزعيمة، العالم الخارجي – حين يضغط عليها للتحدث بشكل أقوى بشأن أراكان – يقلل من تقدير مدى هشاشة الانتقال الديمقراطي في ميانمار، حيث لا يزال بمقدور الجيش الاستيلاء على السلطة مرة أخرى.
لكن آخرين يرفضون هذه الفكرة، ويشيرون إلى أن الجيش يتمتع أصلا بما يكفي من القوة الحقيقية، ناهيك عن المنافع الاقتصادية من الشركات التي يسيطر عليها. السؤال هو ما إذا كانت الأزمة ستؤذي ثقة المستثمرين التي هي أصلا مهتزة.
أونغ تون لين، رئيس رابطة الأدلاء السياحيين في ميانمار، يقول إن شركات الرحلات السياسية الأجنبية ألغت نحو 15 ـ 20 في المائة من الرحلات المحجوزة نتيجة ما وصفه بـ “أخبار مزيفة” بشأن أراكان. وتقول مؤسسته إن السياحة تجلب أكثر من ملياري دولار سنويا إلى ميانمار، مشكلة 3 في المائة من الناتج المحلي القومي.
ويعتقد رجال أعمال أن الأزمة يمكن أن تؤذي الاستثمار الأجنبي. يقول تنفيذي غربي في يانجون: “هل تريد استثمار 100 مليون دولار في ميانمار؟ في تقريريك السنوي، عليك أن تدافع عن هذا الموقف”. على أية حال، معظم الشركات متعددة الجنسيات كانت تتجنب ميانمار. أكبر المستثمرين الأجانب كانوا من الصين واليابان وغيرهما من البلدان الآسيوية، ومعظمها يتردد في انتقاد الحملة العسكرية. يقول المستشار تيرنيل: “من حيث العوامل الاقتصادية، لن يكون الأثر كبيرا مثلما يتوقع الناس. الاستثمارات الغربية في الأغلب لم تكن هناك على أية حال”.