وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
حصد مسلمو الروهنغيا سراب تغير الحكومات في ميانمار (بورما سابقاً)، بعد أن تنفسوا الصعداء بانتخاب هتين كياو المقرب من أيقونة البلاد الحائزة جائزة نوبل للسلام أونغ سان سوتشي، وأدائه اليمين الدستورية، أمام البرلمان مدشناً عصراً جديداً للبلاد بعد أكثر من 40 عاماً من هيمنة العسكريين الذين حكموا البلاد بالحديد والنار، ولكن تكشّف أن معاناة مسلمي الروهنغيا لن تنتهي بتغير الحكومات، فقد شهدت الشهور الماضية أكبر حملة تطهير عرقي تشهدها البلاد في أحدث موجة عنف تستهدف المسلمين في إقليم أراكان (أراكان) غربي ميانمار، وسقط المئات بنيران الجيش الذي يتفنّن منذ سنوات في قتل المسلمين العزّل، في محاولة لإبادتهم حسب تقارير حقوقية دولية وأممية.
الهجوم على مسلمي الروهنغيا تم هذه المرة إثر تعرض مواقع للشرطة وقاعدة للجيش لهجمات من قبل مسلحين حسبما ادعت السلطات، التي أضافت أن 24 موقعاً للشرطة كانت هدفاً لهجمات المسلحين، في حين تحدث الجيش عن مقتل 12 جندياً، وكثيراً ما تدعي حكومة ميانمار تعرض قواتها الأمنية والعسكرية لهجمات مسلحة من قبل مسلحين مسلمين لتشرعن العنف الممارس ضد الأقلية المسلمة في ذلك البلد الآسيوي.
محاصرون في أراكان
الروهنغيا جماعة إثنية تستوطن ولاية أراكان في ميانمار بشكل رئيسي، تصنفهم الأمم المتحدة «الأقلية الدينية الأكثر تعرضاً للاضطهاد في العالم»، يتميزون باستخدامهم للغة الروهنغيا واعتناقهم للإسلام، تمثّل هذه الجماعة أقلية مسلمة في بلد يدين أغلبه بالبوذية.
إلى جانب ذلك، ذكرت تقارير إعلامية عن شهود عيان، أن مئات من مسلمي الروهنغيا محاصرون داخل منطقتهم من قبل جيرانهم البوذيين في القرى غربي ميانمار، ورغم اقتصار العنف إلى حد كبير حتى الآن على المنطقة الشمالية التي تقطنها أغلبية من الروهنغيا في ولاية أراكان المجاورة لبنغلاديش، فإن العديد من المراقبين وموظفي الإغاثة يشعرون بقلق من احتمال تفجر العنف في المنطقة.
ولاية أراكان ممزقة منذ فترة طويلة بين البوذيين ومسلمي الروهنغيا، ويعيش نحو 1.1 مليون من الروهنغيا في الولاية ولكنهم محرمون من الجنسية ويواجهون قيوداً فيما يتعلق بالسفر لأن بوذيين كثيرين في شتى أنحاء ميانمار يعتبرونهم مهاجرين غير شرعيين من بنغلاديش المجاورة.
محرومون من الحقوق
المسلمون بالأراضي الميانمارية لا يحظون بحق تملك عقاراتهم وأراضيهم، ويضيّق عليهم في ممارسة أعمال التجارة خاصتهم، وتقوم الحكومة بمصادرة أراضيهم وممتلكاتهم وقوارب الصيد خاصتهم دون سبب، كما تمنعهم من تطوير مشاريعهم الزراعية، ويحرمون من تقلد وظائف بهيئات حكومية وكذا الجيش، كما يحرمون من حق التصويت في الانتخابات؛ فوجودهم في ميانمار كعدمه بالنسبة للدولة، بل يبدو أنها تفضل عدمه، وبالطبع حق تكوين وتأسيس المنظمات أو ممارسة الأنشطة السياسية ليس من نصيب هؤلاء، فيعيشون كالسجناء في مخيمات أو قرى معزولة وحركتهم منها وإليها ممنوعة.
بينما تعكف السلطات الميانمارية على تقليل أعداد المسلمين بشتى الطرق، فغير الاضطهاد والقتل والتهجير، يتم فرض بعض القوانين الخاصة بتحديد النسل، وأخرى تضع ضوابط وشروط الزواج لتصعيبه على المسلمين، كما أن تراثهم التاريخي يتم تدميره، مع منع طباعة الكتب التاريخية والإسلامية، حتى إن ظهور الرجل أو المرأة المسلمين بتقاليدهم وأزيائهم الإسلامية ممنوع
قوانين تُكرس التمييز العنصري
إقرار الدولة لعدد من القوانين المثيرة للجدل يظهر اضطهاداً واضحاً للمسلمين في ميانمار، وكانت هذه التشريعات ضمن الوسائل التي لجأت إليها الدولة للقضاء على الأقلية المسلمة بها، وهي سياسة ممنهجة وتحمل صفة «العنصرية» بامتياز. والدولة لا تتوقف عن سن القوانين التي تساعدها في ممارسة جرائمها بسلاسة، وتستهدف تلك القوانين أمر التحول الديني، فيمنع أي شخص دون سن ال 18 عاماً من التحول إلى دين آخر، ويلزم البالغ الذي يسعى لتغيير ديانته بالحصول على تصريح من الدولة بذلك، وكذلك القوانين لتقييد الزواج بين أتباع الديانات، وأخرى لمنع المسلمين من الترشح للانتخابات البرلمانية.
الحكومة الميانمارية تعتبر مسلمي الروهنغيا دخلاء ولا تعتبرهم عرقية أصيلة في البلاد، فتمنحهم بطاقات خضراء بدل الهوية الوطنية التي منعوا من اقتنائها منذ فرض قانون المواطنة في العام 1982، والذي بموجبه انتزعت الجنسية من مسلمي الروهنغيا. البطاقات الخضراء الصالحة لمدة عامين فقط كتب عليها أن حملها لا يعني المواطنة، وأنه يمكن أن يخضع حاملها للتحقيق في هويته، ومن لا يحملها مهدد بالطرد.
أفول نجمة نوبل
الزعيمة الميانمارية أونغ سان سوتشي ألغت زيارة كانت مرتقبة الشهر الماضي للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيما تواجه الحائزة جائرة نوبل للسلام سيلاً من الانتقادات بسبب صمتها حيال العنف الذي دفع أعداداً ضخمة من مسلمي الروهنغيا إلى الفرار من ولاية أراكان.
دفعت حملة القمع التي شنها الجيش الميانماري منذ 25 أغسطس/ آب الماضي، نحو 379 ألف لاجئ من أقلية الروهنغيا المسلمة إلى عبور الحدود نحو بنغلاديش في غضون أقل من ثلاثة أسابيع.
أسفر العنف عن أزمة إنسانية على جانبي الحدود (بين ميانمار وبنغلاديش)، وسط تفاقم الضغوط الدولية على سوتشي لإدانة حملة الجيش، التي قال عنها المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين إنها تحمل جميع صفات عملية «التطهير العرقي».
وتعمل بنغلاديش جاهدة لتقديم المساعدات للاجئين المنهكين والجائعين الذين يشكل الأطفال نحو 60 في المئة منهم، في حين نزح نحو 30 ألف بوذي في أراكان إضافة إلى هندوس داخل بورما. ومع تدفق المزيد من اللاجئين إلى بنغلاديش، اضطرت السلطات فيها إلى بناء مخيم جديد يسع عشرات آلاف الواصلين الباحثين عن ملاذ آمن.
ولا تملك سوتشي، أول زعيمة مدنية تحكم ميانمار منذ عقود، أي سلطة على مؤسسة الجيش النافذة التي أدارت بلادها لخمسين عاماً قبل السماح بانتخابات حرة عام 2015 بعد مقاطعات وعقوبات وضغوط مستمرة.
ولا يجد الروهنغيا تعاطفاً معهم في أوساط الأغلبية البوذية في ميانمار حيث يلقب أفراد الأقلية التي لا تحمل جنسية ب«البنغاليين» وهو ما يحمل محلياً معنى المهاجرين غير الشرعيين.
ولكن خارج حدود بلادها، انهارت سمعة سوتشي كمدافعة عن المضطهدين على خلفية أزمة الروهنغيا.
من جهتهم، أدلى لاجئو الروهنغيا بشهادات مروعة عن إطلاق الجنود النار على المدنيين وجرفهم وحرقهم قرى بأكملها في ولاية أراكان الشمالية بمساعدة عصابات بوذية. إلا أن الجيش ينفي الاتهامات فيما قللت سوتشي من شأن الادعاءات بحدوث انتهاكات فألقت باللوم على «جبل ثلج ضخم من المعلومات الخاطئة» تسبب برأيها في تعقيد النزاع.
وكانت سوتشي، الحائزة جائزة نوبل للسلام لإصرارها على الدفاع عن الديمقراطية في بلادها أثناء الحكم العسكري، تحظى بتأييد كبير لدى المجتمع الدولي فيما مضى.
وفي سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، وقفت سوتشي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث قوبلت بتصفيق حار لخطاب ألقته بعد عدة شهور من تحولها إلى أول حاكمة مدنية لبورما بعد نضالها لعقود في ظل النظام العسكري السابق.
وفي ذلك الخطاب تعهدت بإيجاد حل للكراهية العرقية والدينية في أراكان سعياً إلى «السلام والاستقرار والتطوير لجميع المجتمعات في الولاية».
ولكن حتى غيرها من الحائزين جائزة نوبل للسلام أدانوا صمتها، فيما اعتبر الأسقف الجنوب إفريقي ديزموند توتو بأنه «من غير اللائق لرمز للاستقامة قيادة دولة من هذا النوع».
وفيما انتقدت الولايات المتحدة وغيرها من القوى الغربية حملة الجيش، أكدت بكين أنه من حق بورما «الحفاظ على استقرارها». ودعا فيل روبرتسون من منظمة «هيومن رايتس ووتش» مجلس الأمن إلى تمرير قرار بفرض «حظر دولي على السلاح» على الجيش الميانماري، رغم تأكيده بأنه يتوقع بأن تخف الصين إلى نجدة حليفتها الآسيوية، والتخفيف من أي رد فعل أممي.
هل من نهاية لرحلة الآلام؟
لقد عانى أفراد الروهنغيا البالغ تعدادهم 1,1 مليون سنوات التمييز في بورما، حيث حرموا من الجنسية رغم جذورهم الممتدة في البلاد.
وحتى بنغلاديش لا ترغب باحتواء المجموعة بشكل دائم، رغم أنها تقدم ملاذاً مؤقتاً للاجئين.
وتوفي عدد كبير من الروهنغيا أثناء قيامهم بالرحلة المحفوفة بالمخاطر للهرب عبر الحدود، حيث غرق نحو مئة أثناء الرحلات بالقوارب لعبور نهر ناف الفاصل بين بورما وبنغلاديش.
دكا التي وجدت نفسها فجأة مسؤولة عن إيواء اللاجئين من الروهنغيا، وتأثير هذا التدفق الكبير للاجئين في البلاد أمنياً واقتصادياً وإنسانياً وأخلاقياً، تحاول جهدها تخفيف المعاناة التي يقاسيها اللاجئون، والوفاء بالتزاماتها الإنسانية والأخلاقية الدولية، وفي الوقت نفسه تجند نفسها دبلوماسياً من أجل إيجاد حل مرض لقضية اللاجئين. تسعى السلطات في بنغلاديش إلى إنشاء مخيم تبلغ مساحته حوالي ألفي فدان قرب الحدود مع بورما لإيواء نحو 250 ألفاً من الروهنغيا. كما تخطط لبناء مرافق في جزيرة قد تتعرض لفيضانات. فيما تجري اتصالات سياسية مع الدول الإسلامية في منظمة التعاون الإسلامي والرابطة الآسيوية والأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة بهذا الشأن.