تقرير: سها الشرقاوي
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
كأي مصري تعاملت مع ما أثير بشأن حرق وقتل مسلمي «ميانمار» أو «بورما» -بمسماها القديم- باهتمام شديد تشوبه العديد من التساؤلات، أسمع الأخبار من وقت لآخر، وأشاهد بعض الصور صدفة بشكل غير مقصود على مواقع التواصل الاجتماعىي، لم أكن أصدق بعضها، إلى أن جاء يوم وسألت نفسى: «ماذا لو كان كل هذه الأخبار والصور التي لا أصدقها حقيقة؟».
من هنا بدأت الاهتمام بمعرفة أصل الحكاية، ومتابعة ما يتم نشره من أخبار عن هؤلاء المسلمين المتألمين، والبحث في بعض المواقع التي تنقل أخبار ميانمار واللاجئين المضطهدين من مسلمي «الروهنغيا»، حتى تشبعت منها كونها مكررة وليس فيها جديد.
قررت أن أحمل حقائبي وأذهب إلى هناك في مهمة صحفية تستكشف ما يحدث رغم ما قد يمسني من مخاطر بسبب ما يحدث هناك، ولكوني مسلمة أيضا.. عرضت الأمر على رئيس التحرير، الذي فاجأني بموافقته، بل مساندتي بكل الإمكانيات.
ما زادني إصرارا على السفر أن كل من يعرف برحلتي هذه لم يصدق أنني سأذهب إلى ميانمار، وحذرني من أنني سأموت لا محالة، رغم أنهم لا يصدقون الكثير من الأخبار التي تنشر.. فكانت رحلتي أو إن شئت فلتقل مغامرتي إلى «ميانمار»، تحديدًا على حدودها مع دولة بنغلادش.
الجيش يشرف على ساحات استقبال المساعدات
الجيش يتولى الإشراف، وحكوميون يتولون التنظيم والتوزيع في ساحة كبيرة خالية إلا من مجموعة من الأفراد العسكريين، وممثلين حكوميين، يرافقهم مجموعة من الموظفين والمتبرعين.
المشهد السابق يلخص الحال في ساحة استقبال المعونات القادمة إلى اللاجئين «الروهنغيا» على الحدود الفاصلة بين بنغلادش وميانمار، وهى المنطقة التي تتواجد بجوار منطقة المخيمات.
مثل المخيمات، تبدو البساطة في كل شيء، فتصادفك خيمة بدائية يجلس بها عدد من الأفراد، عندما اقتربت منهم تبين لي أنهم مجموعة من أفراد الجيش وأفراد من جهات حكومية في بنغلادش، يرافقهم مجموعة من الموظفين، ومجموعة أخرى من المتبرعين الذين حضروا للتبرع وتقديم الإعانات، التي تصطف في سيارات وشاحنات تقف خارج الساحة.
تصادف دخولي مع دخول مجموعة من هؤلاء المتبرعين الذين قَدِموا من السعودية، مع شاحنات تحمل تبرعات، وجاؤوا للحصول على تصريح دخول إلى المخيمات لتوزيع المواد الغذائية التي قدموا بها بأنفسهم.
جلس الأفراد السعوديون في الخيمة مع ميجور راشد، مسؤول التصاريح، الذي سأل عن تفاصيل المعونات القادمة، وبعد عدة أسئلة تم الحصول على تصريح، مع مرافقة عدد من الجنود كقوة أمنية للحماية والإشراف على التوزيع.
تحدثت مع الميجور راشد عن أوضاع اللاجئين، وكيفية توزيع المعونات، فقال: «قمنا بتجهيز هذا المكان لاستقبال المعونات، كعملية تنظيمية في المقام الأول، لأن كل المعونات تصب هنا، ثم بعد ذلك تتم عملية خروجها إلى المعسكرات التي تضم اللاجئين».
بعد الحديث مع الميجور، تجولت في ساحة المعونات، التي تضم عنابر مفتوحة توضع فيها الأجولة القادمة من الخارج والداخل، ويعمل عشرات الجنود تحت إشراف قيادات أمنية في ترتيبها وتصنيفها حسب نوعها، بجوار بعضها البعض.
أما أنواع المعونات فهي مواد غذائية وتضم «رز ومكرونة وسكر وعلب السمن والصلصة والفول المعلب»، وأكثر هذه المعونات قادمة من حملات شعبية ومن منظمات حقوقية بنغالية، وكذلك ماليزيا ودول الخليج.
توجهت إلى المسؤول الأول في المكان، ميجور آفاق، الذي تتلخص مهمته في استلام المعونات وتوزيعها، فقال: «توزيع الإعانات يتم في عدة نقاط، تبدأ باستقبال جميع المعونات والمساعدات من المتبرعين، سواء أفرادًا أو منظمات حقوقية أو دول، ما عدا مساعدات الأمم المتحدة، وأي منظمة تابعة لها، فهي تقوم بنفسها وبحرية ودون قيود، بتوزيع معوناتها على مخيمات اللاجئين، وتتبعهم فقط قوة تأمينية».
وأضاف: «تأتي إلى هنا معونات من كل المنظمات، سواء حكومية أو من أفراد، ويتواجد في المشهد الشعب والحكومة البنغالية، فتأتى منهما معونات، بشكل يومي».
وتابع: «بعد استقبال كل هذه المعونات ندونها في كشف ونضعها في مكان آمن ونوزعها على جميع النقاط، أي المخيمات، التي يصل عددها إلى ١٢، ونحاول أن تصل المعونة لكل لاجئ، لكن الأعداد تفوق المقدم».
250 طنًا من المعونات لـ900 ألف لاجئ
تحدث الميجور آفاق عن رأيه في معاناة اللاجئين «الروهنغيا» قائلًا: «يعيشون مأساة ومعاناة حقيقية، خاصة فئة الأطفال، ويصل عدد الأطفال المرضى إلى ٢٤٠ فردًا، وأغلبهم مصابون بالإسهال والكوليرا والملاريا وأمراض الكبد (فيرس الالتهاب الكبدي)».
وأضاف: «يتعرضون في بلادهم إلى القتل، فالقرى تُحرق والناس يتشردون، والقتل وإحراق البيوت لا يتوقف حتى الآن، لكننا معهم وسنقدم لهم كل الدعم، لأنهم مسلمون».
وتابع: «سيقف الجيش والشعب البنغالي إلى جوارهم، حتى يعودوا إلى بيوتهم، لكن لي عتاب على بعض الدول، فالإمدادات التي تأتى هنا قليلة، وعدد اللاجئين كبير ويحتاج إلى مساعدات كبيرة، لذا الحاجة أكبر من المساعدات التي تأتينا، واللاجئون عددهم يزداد يومًا بعد الآخر، ويحتاجون الكثير والكثير من المساعدات».
وأوضح أن ما يأتي إليهم ما بين ٢٠٠ و٢٥٠ طنًا من المساعدات، من دول متفرقة، منها الإمارات والسعودية والبحرين والكويت ومصر.
ووجه الميجور دعوة إلى المسلمين والجهات المعنية وحقوق الإنسان بأن يقفوا بجوار «الروهنغيا»، لأنهم يستحقون كل الدعم والمساندة، كما قال، مناشدًا أصحاب القلوب الرحيمة، خاصة الدول الإسلامية: «يا أمة الإسلام يوجد هنا أكثر من ٩٠٠ ألف إنسان يحتاجون إلى الطعام والشراب، وهم جياع وعطشى، أين أنتم يا أصحاب الأموال والثروات الهائلة؟، فبالله عليكم أن تساعدونا».
كما ناشد الجمعيات الإسلامية، خاصة التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي والبنك الإسلامي للتنمية أو صندوق التعاون الإسلامي والجمعيات العربية وغير العربية الإسلامية، متسائلا: «أين أنتم من هذه الأزمة الإنسانية الكبيرة؟!».
وشدد على أنه لا يمانع في توزيع المتبرعين بأنفسهم المعونات، قائلًا: «نحن ليس لدينا أى مانع من ذلك، فمن يريد أن يأتي إلينا بشكل شخصي ويوزع بيده هذه المعونة التي تأتي منه فليأتِ، المهم هو أن تصل المعونة إلى من يستحقها هنا».
وبسؤاله عن نوعية المعونات، قال: «المواد الغذائية والمستلزمات والكوادر الطبية، والملابس والأدوية، وجميع المستلزمات التي تحتاجها المعيشة الإنسانية، وخبراء ومتدربون في مجال أعمال إنسانية».
مسئول بنغالي: 150 شاحنة تصل يوميًا
في ساحة المعونات، تتوزع الأعمال على الأفراد الحكوميين ــ بجانب أفراد الجيش ــ، وهؤلاء مهمتهم كتابة كل ما يخص المعونات من الناحية الإدارية مثل الأعداد والأنواع وغيرهما، إلى جانب تحرير الأوراق والمستندات والأختام وغيرها.
وهم يعملون بشكل متواصل طوال اليوم، عن طريق تقسيم العمل إلى «نوبات» متتالية على مدار اليوم.
التقيت في الساحة نائب وكيل وزارة الخدمة المدنية ببنغلادش زكريا عبدالله، الذي كان معه الحوار التالي عن عدد شاحنات المعونات، ومركز توزيعها، وبداية وصول المساعدات، وعملية التنظيم التي يشارك بها.
■ ماذا عن المجهودات التي تقوم بها هنا لتقديم المساعدات إلى اللاجئين؟
– في الأصل، نحن نحصل على المعونات من الشعب، ولا يوجد لدىّ قائمة بمعونات حكومية، فنحن نحصل كل يوم على ما بين ١٠٠ و١٥٠ شاحنة محملة بمواد المساعدات، وكل شاحنة تأتى إلينا نوصلها إلى مراكز التوزيع، واللاجئون يذهبون إلى مراكز التوزيع، فلدينا ١٢ مركز توزيع تحصل على المعونات التي توزع، وللجيش البنغالي دور في التوزيع، ويتواجد الجنود وبعض المسئولين من الخدمة المدنية، للتأكد من وصول المعونة، كما توجد في المخيمات دفاتر تسجل فيها جميع المعونات والكميات التي يحصل عليها اللاجئون هنا، لكى تصل إلى أكبر عدد منهم.
■ متى بدأ تنظيم المساعدات هنا؟
– جاء الجيش إلى هنا في ٢٤ سبتمبر، لكن بدأنا نحن كخدمة مدنية في تنظيم هذه المساعدات منذ ١٠ سبتمبر، وقبل ذلك كانت المعونات تأتى ونشرف عليها، منذ بدء تدفق اللاجئين في ٢٥ أغسطس الماضي.
في البداية كنا نحصل على المساعدات من الشعب البنغالي فقط، ثم توسع الأمر بعد ذلك، والآن تأتى معونات من أغلب الدول، خاصة العربية، والمعونات التي تأتى من هذه الدول تُوضع في المخازن، ولا نحتاج إليها إلا بعد الانتهاء من توزيع المعونات الذاتية، التي يقدمها الشعب البنغالي، لأن هناك مساعدات تأتى من البنغاليين، بنفس الكميات، يوميًا.
■ أنت مطلع بشكل كبير على تلك الأزمة لتواجدك هنا بشكل مستمر.. ما توقعاتك لها؟
– أنا هنا لخدمة ومواساة المأزومين بها، لأنهم إخوة مسلمون، ولا أستطيع أن أقول شيئًا الآن عن تلك الأزمة، فالقادم هو الذي سيقول ويكشف عما سوف يحدث.
لاجئ روهنغى: لا يصلنا أي دعم دولي.. فقط من الأهالي
خارج ساحة المعونات، صادفت لاجئًا روهنغيا يُدعى عارف بن سفيان، تحدث عن الأزمة التي يواجهونها، وكيف تصرف لهم الإعانات.
سألته في البداية عن سبب وجوده بجوار الساحة، فأجاب بأن المخيم الذي يقيم فيه يوجد على نقطة حدود بين بنغلادش وميانمار، ولا تصل له إعانات سوى من الأفراد المقيمين بالمنطقة، وجاء اليوم إلى الساحة لطلب إعانات بشكل رسمي ، لكى تصل له ولعشرات غيره يتواجدون على الحدود.
وأضاف: «خرجنا من قريتنا في ٢٥ أغسطس الماضي ، بعد أن حرق البوذيون قريتنا بشكل كامل، ونحن الآن موجودون على حدود ميانمار في مخيمات بها ٨ آلاف لاجئ».
وتحدث عن بداية أزمة «الروهنغيا» قائلًا: «قمنا في الليل على أصوات وحريق، فلم نفهم أي شيء غير أن الجنود البوذيين يحرقون ويقتلون كل من يقابلهم من روهنغيين، متخذين موضوع أن هناك حركة جهادية تعرضت لهم، ستارًا للخلاص منا، فقط يقتلوننا لأننا مسلمون».
وأضاف: «دول العالم الغربي لا تنظر إلينا لأنها تحمى فقط اليهود، لذا نرجو من العالم الإسلامي أن يتدخل ويتكاتف لينقذنا ولنعيش في بيوتنا فقط، ولا نريد أي شيء آخر». وعن المعونات، قال: «لا تصل أي معونات دولية هنا، فقط هناك مساعدات شعبية من الأهالي المجاورين لنا وللمخيمات».
التجارة بالأزمة عن طريق صور «فيسبوك»
خلال مرورى بين المخيمات، أشاهد من يقدمون الإعانات، وهى مواد غذائية أو ملابس، وأيضًا بعض الإسعافات الطبية، تقابلت مع عدد من الأطباء الألمان الذين اعتزموا بناء مستشفى صغير بالمكان، متخصص لعلاج «الروهنغيا»، بعدما جلبوا معهم الأجهزة الطبية.
وقبل انتهاء جولتي داخل ساحة المعونات، لفت نظري وجود أعداد كبيرة من المتطوعين والمتبرعين، وأغلبهم من الشباب، أكثرهم من البنغال ولا يوجد بينهم عرب إلا قليلون، تدفعهم عوامل إنسانية لخدمة وإنقاذ «الروهنغيا».
ورغم صعوبة أزمة «الروهنغيا» الذين يبادون إحراقًا وقتلًا، ومأساويتهم، إلا أنني لاحظت أن هناك متاجرة بألم هذا الشعب، فهناك متاجرة بالإعانات، خاصة من جانب بعض المنظمات وبعض الحقوقيين، فالكثير منهم يأتي للتصوير مع الأطفال «الروهنغيا»، لكي ينشروا الصور ويراها الجميع حول العالم، على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة «فيسبوك» و«تويتر».