وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
الروهنغيا مجموعة عرقية تنتمي إلى عائلة الشعوب الهندية ويبلغ تعداد أفرادها حاليًا حوالي 3.1 مليون روهنغي، غالبيتهم من المسلمين، عاشوا قرونًا عديدة في إقليم (أراكان) المعروف حديثًا باسم (راخين)؛ أحد الأقاليم الـ(14) لدولة ميانمار (بورما) ذات الأغلبية البوذية، الواقعة في جنوب شرق آسيا.
ويتحدث الروهنغيا لغة خاصة بهم تسمى: (روينغا)، وهم لا يعدّون من بين (135) جماعة عرقية تعترف بها الحكومة في البلاد، فقد حُرموا من حق المواطنة في ميانمار، ونُزعت عنهم جنسيتهم في عام 1982؛ الأمر الذي جعلهم محرومين من الجنسية وملكية الأراضي والتصويت والسفر، فضلًا عن أنهم يعانون العبودية على يد الجيش الحكومي منذ ذلك الحين وحتى اليوم. وتعد أقلية الروهنغيا أكبر مجموعة بلا جنسية في العالم، وتعاني منذ عقود من التمييز العنصري والإقصاء والتهميش.
ويعيش الروهنغيا داخل إقليم أراكان الذي يعد أفقر المناطق في ميانمار حيث يعيش الناس في مخيمات مهملة، وسط غياب الخدمات وانعدام المقومات الحياة، ولا يسمح لهم بالمغادرة دون إذن من الحكومة.
وبسبب العنف والاضطهاد المستمرين، فرَّ ما لا يقل عن 1.8 مليون من الروهنغيا إلى البلدان المجاورة أو إلى دول أخرى إما عن طريق البر أو بواسطة القوارب البدائية المتهالكة على مدى عقود عديدة.
ويقع إقليم (أراكان) على الساحل الغربي للبلاد، وتشرف عاصمته (سيتوي) على الجزء الشمالي من الساحل، وتحده من الشمال ولاية (تشين)، ومن الشرق منطقتي (ماغاوي) و (باغو)، والحدود مع بنغلادش من الشمال الغربي، ومن الجنوب منطقة (أيياروادي)، وخليج البنغال من الغرب. وتشكل جبال أراكان حاجزًا طبيعيًا يفصل بين الإقليم وباقي مناطق ميانمار. وتطل على ساحل الإقليم عدة جزر كبيرة أشهرها وأهمها جزيرتي (شيدوبا) و (مينغون)، ويشغل الإقليم مساحة 36,762 كيلومترًا مربعًا من إجمالي مساحة البلاد البالغة ٦٧٦٬٥٧٨ كيلومترًا مربعًا.
ومنذ سبعينيات القرن الماضي؛ فرّ نحو 1.8 مليون روهنغي من ميانمار هربًا من حرب الإبادة التي تشنها القوات الحكومية ضدهم .
أصول الروهنغيا
عاش المسلمون في (ميانمار) منذ أوائل القرن الثاني عشر الميلادي، وفقًا لكثير من المؤرخين المتخصصين بشأن جماعات الروهنغيا، وتقول (منظمة روهنغيا أراكان الوطنية): إن الروهنغيا يعيشون في (أراكان) منذ وقت سحيق، في المنطقة المعروفة الآن باسم (راخين )
وخلال أكثر من 100 سنة من الحكم البريطاني (1824-1948)، كان هناك قدر كبير من هجرة العمال المسلمين إلى ميانمار (بورما) قادمين من الهند وبنغلادش اليوم، ولأن البريطانيين يديرون ميانمار كمقاطعة في الهند، اعتبرت هذه الهجرة داخلية، وفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش.
وحسب المنظمة؛ فإنه كان يُنظر إلى هجرة العمال سلبًا من قبل سكان الأقاليم في ميانمار ذات الأغلبية البوذية، وتم استغلال ذلك في تعميق الشعور بالكراهية تجاه جميع سكان إقليم أراكان لاعتبارات دينية، وتعالت عندها دعوات طرد الروهنغيا من البلاد واستمرت محاولات تأليب الرأي العام ضد الروهنغيا لنزع حق المواطنة منهم، وتصاعدت وتيرة عمليات استهدافهم وتضييق الخناق عليهم بهدف دفعهم إلى الرحيل.
وقالت المنظمة في تقرير صدر عام 2000 إنه بعد الاستقلال؛ عدت الحكومة الهجرة التي وقعت خلال الحكم البريطاني (غير شرعية)؛ لتتخذها ذريعة في رفضها المواطنة لغالبية الروهنغيا.
وقد دفعت الحملات الإقصائية المستمرة معظم سكان ميانمار من البوذيين للنظر إلى الروهنغيا على كونهم بنغال، وتم رفض مصطلح روهنغيا بحجة أنه استُحدث مؤخرًا لأسباب سياسية.
الروهنغيا مضطهدون منذ قرون
كان أول ظهور لاضطهاد المسلمين في ميانمار إبّان عهد الملك (باينتوانغ) في القرن السادس عشر الميلادي، وذلك بحظر ممارسة الذبح الحلال للدجاج والمواشي، وإجبارهم على الاستماع إلى الخطب والمواعظ البوذية وإكراههم على تغيير دينهم بالقوة.
وبعد الحرب العالمية الثانية بدأت مشاعر الكراهية لمسلمي ميانمار في حكم الإنجليز؛ حيث أطلق البوذيون على المسلمين لقب (كالا) في سنة 1921، وهو لفظ عنصري يعني السود، وفي عام 1938 ظهرت حملة باسم (بورما للبورميين فقط)، وبناءً عليه قام كثير من الأقلية المسلمة في ميانمار بالنزوح عبر الحدود مع بنغلادش بسبب الاضطهاد والقتل الجماعي الذي يتعرضون له في بلادهم.
وبحسب تقارير موثقة، فإنه منذ أغسطس الماضي، وقعت مجازر عدة بحق الروهنغيا، أسفرت عن مقتل نحو 7000 منهم، وإصابة أكثر من 11 ألف آخرين، ناهيك عن آلاف المفقودين الذين لم يُعرف حتى اللحظة مصيرهم بسبب تدهور الوضع الأمني، يُزاد على ذلك تدمير 68 قرية مسلمة في ميانمار وإبادة جميع مواطنيها، واحراق أكثر من 850 منزلًا، فيما قام الجيش الحكومي بإحراق أكثر من 192 مسجدًا في مناطق إقليم أراكان.
وقالت صحيفة الإندبندنت إن هناك تقارير كثيرة تحدثت عن قتل عشوائي للمدنيين المسلمين في إقليم أراكان، من قبل عناصر الجيش الميانماري ومجاميع مسلحة من السكان البوذيين .
قتل ثلاثة آلاف روهنغي في ثلاثة أيام فقط
أعلن المجلس الروهينغي الأوروبي (ERC)، عن مقتل ما بين ألفين وثلاثة آلاف مسلم من أقلية الروهنغيا في الهجمات التي شنها جيش ميانمار في أيام (27-29) من شهر آب/أغسطس الماضي في إقليم أراكان غربي البلاد، استنادا إلى معلومات موثقة تم الحصول عليها من نشطاء ومصادر معتمدة بالمنطقة، وأشار المجلس إلى أن هجمات الجيش تسببت أيضا في تشريد أكثر من مئة ألف شخص خلال المدة نفسها، موضحًا أن آلاف الأشخاص باتوا عالقين على الحدود مع بنغلادش.
وذكرت المتحدثة باسم المجلس (أنيتا ستشوغ)، أن قرية (ساوغبارا) التابعة لمدينة (راثيدوانغ) وحدها شهدت يوم الأحد (27/8/2017) مقتل نحو ألف شخص، وأن طفلًا واحدًا فقط نجا من المجزرة.
ودعت المتحدثة، وهي أكاديمية في مجال الطب وتعمل بسويسرا، إلى ضرورة التحرك السريع للمنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، لـوقف المجازر في أراكان، ووصفت الممارسات التي يرتكبها جيش ميانمار بحق مسلمي الروهنغيا منذ آب/أغسطس الماضي، بأنها فصل جديد من الجرائم ضد الإنسانية، وقالت: إن جيش ميانمار استخدم الأسلحة الآلية والمروحيات في الهجوم على المدنيين، كما عمد إلى احراق عدد من القرى باستخدام قاذفات الصواريخ.
وكانت دوامة العنف الجديدة قد بدأت في 25 آب/ أغسطس الماضي عندما قام الجيش الحكومي بحملة عسكرية عنيفة وواسعة النطاق، تعرض خلالها المدنيون الروهنغيا لفظاعات على أيدي العسكريين وميليشيات مناوئة للأقلية المسلمة؛ الأمر الذي أجبر نحو مليون من المدنيين الروهنغيا على الفرار إلى الحدود مع بنغلادش. ويقول كثيرون ممن هربوا: إن قوات الأمن، ومتعاونون مدنيون معها؛ دمروا قراهم تمامًا وقتلوا آلاف المدنيين في حملة هدفت إلى طردهم من البلاد.
فرار أكثر من 523 ألف من الروهنغيا إلى بنغلادش في أقل من شهرين بسبب استمرار الهجمات من قبل جيش حكومة ميانمار والميليشيات البوذية على قرى أراكان.
ما يحدث في ميانمار نموذج للتطهير العرقي
((نموذج للتطهير العرقي))، هكذا وصفت منظمة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ما يحدث مع أقلية الروهنغيا في ميانمار، حيث شجب الأمير (زيد بن رعد الحسين) المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ((العملية الأمنية الوحشية)) ضد مسلمي الروهنغيا في ولاية أراكان بميانمار.
وقال الأمير زيد أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف بتاريخ 7/9/2017: إن أكثر من 300 ألف شخص فرّوا إلى بنغلادش وهناك المزيد محاصرون عند الحدود وسط تقارير بحرق قرى وجرائم قتل خارج إطار القانون، وأضاف: أدعو الحكومة في ميانمار إلى إنهاء عملياتها العسكرية الوحشية مع تحمّل مسؤولية كل الانتهاكات وتغيير نمط التمييز واسع الانتشار ضد السكان الروهنغيا.
ضحايا من بين مئات العائلات الروهنغيا الذين قتلتهم قوات الحكومة الميانمارية في أراكان أثناء محاولة الأهالي الهرب إلى بنغلادش – 9/10/2017
ميانمار ترفض دخول المحققين الأمميين
وقال المفوض السامي في افتتاح الدورة السادسة والثلاثين لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف، بحسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية: إن ميانمار رفضت دخول المحققين (التابعين للأمم المتحدة) المتخصصين في حقوق الإنسان، مؤكدًا أنه لا يمكن تقييم الوضع الحالي بشكل كامل، لكن الوضع يبدو نموذجًا لتطهير عرقي واضح المعالم. وكان مجلس حقوق الانسان قد شكّل في 24/3/2017، بعثة دولية مستقلة للتحقيق في ممارسات أفراد الجيش ضد أقلية الروهنغيا المسلمة، لكن ميانمار لم تسمح لهؤلاء الخبراء بالتوجه إلى المكان.
وفي معرض تعليقه على أن الأحداث الأخيرة قد بدأت بعد مهاجمة نقاط للشرطة في إقليم (أراكان)؛ قال المفوض السامي: إن هذه العملية غير متكافئة ولا تقيم وزنًا للمبادئ الأساسية للقانون الدولي، وأضاف: لقد تلقينا تقارير عديدة وصورًا التقطت بالأقمار الصناعية لقوات الأمن وميليشيات محلية تحرق قرى للروهنغيا، ومعلومات ذات مصداقية حول عمليات إعدامات جماعية خارج إطار القضاء، بما في ذلك إطلاق النار على مدنيين فارّين من هول ما حدث.
وفي 11/9/2017، أعلن متحدث باسم الأمم المتحدة أن عدد الروهنغيا المسلمين الذين فرّوا من هجمات الجيش على إقليم أراكان في ميانمار ودخلوا بنغلادش منذ 25 أغسطس بلغ 513 ألفًا.
نقوش حجرية تعود إلى القرن الرابع عشر تصف الروهنغيا في ميانمار بأنهم مسلمون متدينون ومتفوقون علميًا – من كتاب (بورما، اللغات والتاريخ)
هجمات منظمة تهدف إلى منع العودة
قال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في تقرير نُشر الأربعاء، 11/10/2017: إن القوات الحكومية في ميانمار نفذت هجمات: ((منظمة ومنسقة ومخطط لها بشكل جيد تهدف إلى منع أعضاء جماعة روهنغيا العرقية من العودة)). وقال التقرير، استنادًا إلى مقابلات مع روهنغيا وصلوا إلى بنغلادش الشهر الماضي: ((إن عمليات التطهير بدأت قبل الهجمات المسلحة على مواقع الشرطة في 25 أغسطس / آب، وشملت عمليات القتل الجماعية والتعذيب الوحشي واغتصاب النساء والأطفال)).
وقالت الأمم المتحدة: تم طرد أكثر من نصف مليون مسلم من الروهنغيا من إقليم (أراكان) واحرقت منازلهم ودمرت محاصيلهم الزراعية وسويت القرى بالأرض.
وأشارت معلومات موثّقة إلى أن القوات الحكومية في ميانمار دمرت عمدًا ممتلكات الروهنغيا، وحرقت مساكنهم وسوّت عشرات القرى بالأرض في إقليم (أراكان) الشمالي، ليس فقط لدفع السكان إلى الهرب، ولكن أيضا لمنع اللاجئين الروهنغيا الذين فرّوا من مناطقهم حذر الموت من العودة إلى منازلهم، وفقًا لما ذكره تقرير مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان.
ونقل التقرير عن فتاة تبلغ من العمر 12 عامًا قولها: إن الجنود الحكوميين والمسلحين البوذيين كانوا يحاصرون منزلها قبل إطلاق النار على شقيقتها، وقالت الفتاة: انتابتنا حالة من الذعر، وأطلقوا النار على أختي أمامي، وكانت تبلغ من العمر سبع سنوات فقط، وأضافت: وأبلغتني وهي تصرخ أن أدعها وأهرب، ولكنني حملتها وحاولت حمايتها، ولكن لم يكن لدينا أي مساعدة طبية خلال رحلة الهروب، وكانت تنزف كثيرًا لدرجة أنها فارقت الحياة بعد يوم واحد، ودفنتها بنفسي.
ووصف آخرون لموظفي الأمم المتحدة كيف حذر المهاجمون السكان المحليين من الروهنغيا وخيروهم بين المغادرة فورًا أو مواجهة الموت، وأضافوا: قال لنا المسلحون إنكم لا تنتمون إلى هذا المكان، أنتم من بنغلادش، وإذا لم تغادروا حالًا، فإننا سنحرق منازلكم ونقتلكم جميعًا بلا رحمة.
السلطات الميانمارية تراقب حركة قوارب الصيد بحجة وقف عمليات الإتجار بالبشر حتى 22 أكتوبر الجاري. والقيود المفروضة تحول دون إنقاذ الضحايا
العنف في ميانمار (جرائم ضد الإنسانية )
حذر خبراء في مجال حقوق الإنسان، تابعون للأمم المتحدة من أن العنف الجاري ضد النساء والأطفال في إقليم (أراكان) قد يرقى إلى أن يكون جرائم ضد الإنسانية، وكانت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة (سيداو) ولجنة حقوق الطفل، قد دعتا سلطات ميانمار إلى إجراء تحقيقات فورية وفعالة في قضايا العنف ضد النساء والأطفال بما يضمن محاكمة مرتكبي الانتهاكات في إقليم (أراكان).
وقالت اللجنتان في بيان مشترك لهما إننا نشعر بقلق خاصة إزاء مصير النساء والأطفال الروهنغيا الخاضعين لانتهاكات خطيرة لحقوقهم الإنسانية، بما في ذلك القتل والاغتصاب والتشرد القسري.
وأضاف البيان: هذه الانتهاكات قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، ونحن نشعر بقلق عميق إزاء فشل الدولة في وضع حد لهذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي ترتكب من قبل القوات العسكرية الحكومية وقوات الأمن الأخرى، والتي لا تزال يتحمّل العبء الأكبر منها النساء والأطفال والفئات الضعيفة الذين كانوا -وما زالوا- أول ضحايا العنف والأعمال الانتقامية بخلفيات عرقية.
وقد روى مهجرون من الروهنغيا الذين فرّوا: قصص الاغتصاب وغيرها من الاعتداء الجنسي، والقتل العشوائي للمدنيين وإشعال الحرائق في المنازل والمحاصيل الزراعية من قبل مختلف عناصر القوات الحكومية في ميانمار. وصنفت الأمم المتحدة خروج الروهنغيا من ميانمار بـ ((أكثر حالات اللجوء إلحاحا في العالم)).
إن محور الأزمة هو عدم اعتراف الحكومة الميانمارية بالأقلية المسلمة وامتناعها عن وصف الروهنغيا مجموعة عرقية في ميانمار، رغم أنها تعيش أساسًا في إقليم (أراكان) جنوب غربي البلاد. ولكن في 2/10/2017، قال وزير خارجية بنغلادش (أبو الحسن محمود علي): إن ميانمار اقترحت اعادة اللاجئين الروهنغيا الذين فرّوا الى بلاده؛ إلا أنه شكك في جدية حكومة ميانمار بشأن انفاذ هذا الموضوع.
نور فاطمة، 6 أعوام، لاجئة روهنغيا تعاني من حروق وكسر في عظم الفخذ بعد هجوم القوات الحكومية في أراكان على منزلهم واحراقه وقتل من فيه
حكومة ميانمار تمارس التعتيم والتضليل بشأن ما يجري
كشف أحد الصحفيين، أنه تم تبليغه بضرورة التقليل من تغطية ما تتعرض له الأقلية المسلمة في أراكان خاصة خلال الأحداث الأخيرة في بلدة (منغدو) الغربية، وهذا يدل على أن وضع الصحفيين لا يختلف وضع الصحفيين في أراكان عن باقي سكان الإقليم، من حيث تعرضهم للمضايقات والتهديدات وشتى أساليب الاضطهاد الأخرى، ولاسيما عند محاولتهم نشر أخبار أو تقارير صحفية عن أزمة الروهنغيا. وقال الصحفي البالغ من العمر 28 عامًا لبعض وسائل الإعلام: ((إنه جرى استهدافه في العام الماضي بسبب تقاريره عن أزمة الروهنغيا… وإن العمل في المجال الإعلامي بميانمار محفوف بالمخاطر؛ حيث إن حياتي ستكون في خطر إذا ما وصلت عملي؛ وسيقومون بقتلي مباشرة)).
وتقوم وسائل الإعلام المحلية الرسمية والمدعومة من الدولة بتغييب الحقائق والفظائع الجارية ضد الروهنغيا، مدعومة من رئيسة ميانمار (أونغ سان سوتشي) وحكومتها، التي تنتقد التغطية الإعلامية الدولية للأزمة، وترفض بإصرار تقارير موظفي الأمم المتحدة الذين وثقوا محنة الروهنغيا.
وتتعامل الحكومة مع ما ورد من أخبار على أنها أنباء مفبركة. وقال (ماونغ زارني)، الناشط الميانماري في مجال حقوق الإنسان، لصحيفة (ذا ليسينينغ بوست)، إنه يرفض الاتهامات والأدلة الموثقة توثيقًا مهنيًا التي تفيد بأن ما يحصل هو جرائم إبادة جماعية، وزاد: أنا أرفض التقارير التي تتحدث عن تعرض مئات النساء للظلم والانتهاك، مستشهدًا بإنكار (سو تشي) لأخبار متواترة بشأن حالات اغتصاب واسعة النطاق لنساء الروهنغيا واعتبرتها مزيفة، وقال هذا ما تستطيع أن تقرأه على صفحة (الفيسبوك) الرسمية لـ ( أونغ سان سو تشي): الاغتصاب المزيف.
وتخفي الحكومة في ميانمار الكثير من التفاصيل في تعاطيها مع ملف الروهنغيا؛ فبالأمس القريب نفت عمليات التدمير واسعة المساحة، التي أُثبتت بناءً على صور الأقمار الصناعية، التي تم التقاطها في وقت سابق من الشهر الماضي، ونشرتها منظمة (هيومن رايتس ووتش)، وأكدت في تقريرها أن أكثر من ألف منزل دمر بالكامل في قرى مسلمة غرب بورما، يفرض عليها الجيش الحكومي حصارًا خانقًا منذ أسابيع.
وقال العديد من الصحفيين المحليين في ميانمار إنهم يواجهون أنواعًا من المضايقات، تصل إلى التهديد بالقتل، إذا ما قرروا الخروج عن النسق الحكومي في تناول قضية الروهنغيا، ويقول هؤلاء الصحفيين: إن الرقابة تؤثر على أدائهم، إذ يشعرون أنهم محاصرون، حيث تخضع جميع الأخبار للرقابة قبل نشرها. وقالوا: إن تبني وجهة النظر الحكومية في ميانمار بشأن قضية الروهنغيا تراه جليًا في عناوين الصحف اليومية، إذ يتم التأكيد على أن السلطات تواصل محاربة ما تسميه (الإرهاب الإسلامي) في ولاية أراكان.
وعلاوة على ذلك تقول وسائل التواصل الاجتماعي التابعة للحكومة إن الروهنغيا هم من يحرقون منازلهم لاستغلال ذلك إعلاميًا من أجل استعطاف الناس وتسليط الضوء على قضيتهم، على الرغم من التقارير التي نشرتها الأمم المتحدة مؤخرًا، وأشارت إلى احراق الجيش الحكومي منازل الروهنغيا كجزء من حملة ممنهجة أوسع تهدف لطرد الروهنغيا من ميانمار ومنع عودتهم إلى البلاد، إلا أن الحكومة الميانمارية ترفض هذه التقارير وتقول عنها: إنها تحوي معلومات كاذبة.
وخلال حديثه مع صحفيين؛ نفى وزير الرعاية الاجتماعية وإعادة التوطين الميانماري (وين ميات آيي) حدوث هذا النوع من الهجمات، وتابع قائلًا: ((إن هذه الاتهامات تنتشر كالنار في الهشيم في جميع أنحاء العالم على الرغم من أنه لم تقع أي اعتداءات منذ أيلول/سبتمبر الماضي، وهذا هو أداء وسائل الإعلام الصفراء، ويمكنني القول إن وسائل الإعلام العالمية “تتنمر علينا”)).
في حين تؤكد الشرطة البنغلادشية استمرار حركة وصول آلاف الروهنغيا الفارّين هربًا من شبح الموت الذي ما زال يطاردهم، بسبب التي ترتكبها القوات الحكومية في بورما، التي ما زالت تستهدف المدنيين في إقليم أراكان بعد مرور سبعة أسابيع على بداية الأحداث الأخيرة.
قوارب الموت تزيد أعداد الضحايا
على الرغم من أن طريق البحر كلف الكثير من الروهنغيا حياتهم؛ إلا أنهم يعلمون أن البقاء داخل قراهم المحاصرة من قبل الجيش الميانماري يعني الموت المحقق
ذكر ضباط شرطة في (9/10/2017)، أن ما لا يقل عن 12 لاجئًا من الروهنغيا، معظمهم من الأطفال، غرقوا عندما انقلب قاربهم في مصب نهر (الناف) بالقرب من (شاه بورير دويب) في الطرف الجنوبي من بنغلادش، حيث كان على متنه حوالي 100 شخص، بحسب الشرطة البنغلادشية، ليزيدوا بذلك أعداد قوائم ضحايا أعمال العنف، التي تقوم بها القوات الحكومية في ميانمار. وفي 28 أيلول/سبتمبر الماضي، انقلب قارب آخر يحمل نحو 80 لاجئًا. وقد نجا سبعة عشر شخصًا منهم فقط، بينما تأكدت وفاة 23 شخصًا آخرين، والباقون قيدوا في عداد المفقودين.
وقال مسؤول في حرس الحدود البنغلادشي لـ(وكالة فرانس برس): تم انتشال 12 جثة على الأقل بعد عملية إنقاذ استمرت طوال ساعات الليل، وأضاف: كان الضحايا 10 اطفال وامرأة ورجل، في حين تم انقاذ 13 شخصًا على الأقل كانوا على وشك الغرق، بينهم ثلاث نساء وطفلين، وذلك بعد انخفاض مستوى مصب نهر (الناف).
مآسي أزمات النزوح واللجوء
تسبب الاضطهاد الحكومي واسع النطاق ضد أقلية الروهنغيا في ميانمار، الذي يمتد لعقود، بموجات نزوح كبيرة هي الأكثر إلحاحًا في العالم، حيث اضطر أكثر من 1.8 مليون شخص لترك مدنهم وقراهم في أراكان والنزوح داخل الإقليم أو اللجوء إلى دول الجوار أو الدول القريبة منها، وخاصة بنغلادش وماليزيا، ولا شك هنالك من المآسي والويلات التي ترافق تلك موجات وسط قلة ذات اليد بالنسبة للاجئين الروهنغيا وألم الشتات وفقدان المعيل وبقية أفراد العائلة في أغلب الأحيان.
وفي يوم واحد فقط (9/10/2017)، كشف حرس الحدود في بنغلادش، أن أكثر من 11 ألفا من اللاجئين الروهنغيين عبروا من ميانمار. وقال المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (أدريان إدواردز) في جنيف: عدنا إلى وضع التأهب التام فيما يتعلق بتدفق اللاجئين، إنها زيادة كبيرة بعبور 11 ألفا.
ويعيش النازحون الروهنغيا حياة التشرد في مخيمات أنشأوها بأنفسهم داخل خيام مصنوعة من القماش المشمع وعصي الخيزران على الرمال وفي الأماكن المفتوحة، كما توجد أعداد محدودة من المخيمات الصغيرة المسجلة التي تديرها المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية. وقال فريق التنسيق للإغاثة الذي يضم وكالات إنسانية مختلفة في تقرير له، نُشر بتأريخ 8/10/2017: إن هناك ما لا يقل عن 326700 شخصًا في أماكن إيواء عفوية بحاجة طارئة إلى مأوى يؤمن لهم ولو الحد الأدنى من مقومات الحماية.
روايات مروعة لا كلمات تصفها
يحمل اللاجئون قصصًا مروعة عن عمليات القتل الجماعية والاغتصاب الجماعي وتدمير قرى بأكملها وإبادة مواطنيها على بكرة أبيهم، ولا توجد صور ولا أشرطة فيديو ولا كتابات يمكن أن تصف ما يحدث هناك، بل هو أبعد ما يكون من التوضيح والتفسير.
ومن مدينة (كوكس بازار) جنوبي بنغلادش، في مخيم في (كوتوبالونغ)، أحد أكبر مخيمات اللاجئين الروهنغيا في بنغلادش؛ نتوقف عند قصة (عبد الأمين)، 41 عامًا، روهنغي من قرية (كيارنيوبين)، التابعة لمنطقة (لايميو) في ولاية (بوثيداونغ).
يقول عبد الأمين: تعرضت لتعذيب وحشي من قبل جنود حكومة ميانمار، عند محاولتي الهروب من القرية بعد اجتياحها من قبل القوات الحكومية في 11 أكتوبر الجاري، وأنا محظوظ في بقائه على قيد الحياة؛ لأنه رأى كثيرين جرى تعذيبهم حتى الموت، وتظهر في الصورة آثار الضرب على الرأس بأخمص البنادق الذي تعرض له.
وفي المكان نفسه كانت تجلس على الأرض في إحدى الخيم (نضال راجوما)، وهي تصف ليلة اغتصابها وقتل طفلها بوحشية. وبألم وحسرة ظاهرتين على وجهها، تروي مأساة عاشت تفاصيلها يوم هجوم الجيش على قرية (تولا تولي)، وهي قرية معزولة شمالي إقليم (أراكان) حيث كانت تعيش، وتقول وهي تبكي: كان طفلي (صادق)، سنة ونصف، نائمًا في حضني عندما دخل علينا الجنود الحكوميين وقاموا بضربي ضربًا مبرحًا، ثم أجهشت بالبكاء وقالت: سقط صادق من بين ذراعي، ثم سحبوني بعنف إلى الحائط، وبدأ طفلي يبكي، وبعد دقائق سمعتهم يضربوه وهو يصرخ، ثم مزقوا جسده الصغير بعد أن جعلوه هدفًا لنيران بنادقهم، ثم تعرضت للاغتصاب الجماعي من قبل الجنود.
وقالت (نضال): أشعر أنني أحترق من الداخل ألماً وغضبًا، ثم انهارت وهي تبكي بحرقة على أمها التي ماتت في الهجوم، حيث قتل الجنود والديها أمام عينيها، وجميع أخواتها وشقيقها الأصغر. وتمكن زوجها من الفرار.
وقال زوجها (محمد رفيق) للصحفيين: أحيانًا تقول زوجتي: إنها تشعر أن رأسها يكاد ينفجر وأنها لا يمكنها نسيان ما حصل، أحيانا تنظر إلى صور صادق، وتنهار بكاءً وصراخًا. وقال لاجئ آخر في المخيم: هاجم الجيش قريتنا في الساعة 11 صباحا، وبدأوا يطلقون النار على المنازل وعلى الناس؛ ومات من مات منهم… وعندما هرب من بقي حيًا من الأهالي، أحرق الجنود المنازل بزجاجات من البنزين وقاذفات الصواريخ… والآن لا توجد منازل في منطقتنا فكلها محترقة تمامًا؛ لذلك لم يكن أمامنا خيار غير الفرار واللجوء إلى بنغلادش. وقد روى عدد كبير من اللاجئين الروهنغيا قصصًا مماثلة، ووصفوا كيفية اغتصاب النساء والفتيات وتعذيبهن وإجبارهن على تحمل أعمال رذيلة على يد جنود حكومة ميانمار.
الروهنغيا يتعرضون لجرائم إبادة جماعية
قال وزير الخارجية البنغلادشي (أبو الحسن محمود علي): إن ما يجري في إقليم (أراكان) هو جرائم إبادة جماعية ترتكب خلال أعمال العنف التي تثيرها القوات الحكومية في ميانمار؛ الأمر الذي أدى إلى نزوح ما يقرب من 500 ألف روهنغي إلى بنغلادش. وقال الوزير علي للصحفيين في مؤتمر صحفي عقده في دكا يوم الأحد، 10/9/2017: إن المجتمع الدولي يقول انها إبادة جماعية، ونحن نقول أيضًا إنها إبادة جماعية.
تدمير 288 قرية للروهنغيا وقتل معظم من فيها خلال المدة (25 آب/أغسطس – 20 أيلول/سبتمبر 2017) من قبل القوات الحكومية والميليشيات البوذية في ميانمار: هيومن رايتس ووتش
والتقى (علي) دبلوماسيين غربيين وعربًا ورؤساء وكالات الأمم المتحدة في بنغلادش؛ لغرض الحصول على الدعم اللازم لإيجاد حل سياسي لأزمة الروهنغيا الراهنة، وتقديم مساعدات إنسانية عاجلة للاجئين، الذين تجاوزت أعدادهم في البلاد المليون شخص، وقال: إنها مشكلة وطنية الآن. وقال رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في بنغلادش (غازي ريازول هوك): إن شخصيات بارزة في ميانمار قد تواجه تهمة ارتكاب جرائم “إبادة جماعية” في محاكم دولية.
وقال (هوك) خلال زيارته مخيم للاجئين في منطقة (بازار كوكس) بالقرب من الحدود مع ميانمار: ((إن الطريقة التي نُفذت بها الإبادة الجماعية للمدنيين في ميانمار والطريقة التي قُتل بها الناس في هجمات متعمدة، تجعلنا نفكر في إقامة دعوى قانونية ضد حكومة ميانمار وضد الجيش الميانماري في محكمة دولية)). وأضاف: سنتخذ قرارًا بعد تقييم الخطوات التي يجب إجراؤها لتحقيق هذه الغاية، وفي الوقت نفسه نحث المجتمع الدولي على تقديم مساعدات بشكل يتناسب مع حجم الكارثة.
الحائزة على جائزة نوبل للسلام تشرف على الإبادة الجماعية
تواجه الزعيمة الفعلية لميانمار (سو تشي)، فضلا عن قادة الجيش الميانماري إدانات دولية على خلفية تعاملهم مع قضية الروهنغيا
أقرّت (أونغ سان سو تشي) -الزعيمة الفعلية في ميانمار- في مناسبات سابقة – بوجود مشكلات في إقليم (أراكان)، لكنها نفت حدوث تطهير عرقي للروهنغيا، وتعرضت (سو تشي) – الحاصلة على جائزة نوبل للسلام عام 1991 – للانتقاد لصمتها ثم دعمها لأحداث العنف الأخيرة بواسطة تبريرها. وطالب عدد من حملة جائزة (نوبل) سو كي، بوقف أحداث العنف الأخيرة. وقد طالب بعضهم بتجريدها من جائزة نوبل بعد تصاعد وتيرة الجرائم ضد الروهنغيا في ميانمار.
وقال مقرر الأمم المتحدة الخاص بحقوق الإنسان في ميانمار: إنه ينبغي لها أن تتدخل لوقف الانتهاكات، في حين دعت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) لجنة جائزة نوبل إلى سحب جائزتها للسلام من زعيمة ميانمار (أونغ سان سو كي).
وشن ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حملات للهدف نفسه؛ بسبب ما وصفوه بمعرفتها وتأييدها لممارسات السلطات هناك ضد أقلية الروهنغيا. وقد وقع أكثر من 405 ألف شخص على عريضة نُشرت على موقع (جينج دوت أورغ) “change.org” تطالب لجنة نوبل بسحب الجائزة من (سو تشي) التي تتعرض لانتقادات واسعة لفشلها في حماية الروهنغيا. وقالت (سو تشي)، في أول تعليق لها على أزمة مسلمي الروهنغيا الأخيرة، إن حكومتها تحمي كل فرد في إقليم (أراكان). لكنها انتقدت ما سمته (جبل الجليد الضخم من التضليل) بشأن الصراع بما يدعم مصالح الإرهابيين، بحسب ما نقل عنها. وجاءت تصريحات (سو تشي) في مكالمة هاتفية مع أحد زعماء الدول الإسلامية، بحسب ما ذكره مكتبها.
الكيان الصهيوني وحكومات الدول المتنفذة؛ يمكّنون للإبادة الجماعية ضد الروهنغيا
الدول المتنفذة في العالم هي المسؤولة عن القتل الجماعي والتشريد القسري، الذي يحدث بحق الروهنغيا في ميانمار؛ لأنها تعلم علم اليقين بأن الجيش الحكومي هناك يستخدم طريقة القتل والفوضى لطرد مئات الآلاف من مسلمي الروهنغيا، ووسائل الإعلام في تلك الدول تعج بقصص مروعة بشأن ما يحصل لأقلية الروهنغيا، وهي تقوم بنشرها كل يوم، وقد اعترف الرئيس الفرنسي (ايمانويل ماكرون) بأن ما يجري في أراكان هو جريمة إبادة جماعية؛ ومع ذلك لا تتخذ هذه الحكومات ما يلزم من الإجراءات لوقف هذه المأساة المستمرة؟!.
ونادرًا ما تذكر وسائل الإعلام في تلك الدول، مسؤولية حكوماتها عن المشاركة في هذه المأساة والجرائم الوحشية التي ترتكب فيها، من خلال سماحها لشركات الأسلحة في دولها ببيع منتجاتها لحكومة ميانمار، والاستفادة من التطهير العرقي الذي يرتكب هناك، بل تذهب إلى أبعد من ذلك من خلال توفير التدريب العسكري لعناصر الجيش الحكومي الضالع بجرائم ضد الإنسانية بشهادة العالم. وفي وقت سابق من هذا العام زار رئيس أركان الجيش الميانماري (مين أونغ هلينغ)، كلًا من: المانيا والنمسا في رحلة تسوق للأسلحة الأوربية تم الإعلان عنها رسميًا، وتقوم الشركات الصهيونية أيضًا بتسليح الجيش في ميانمار، وإرسال مستشارين يقومون بتدريب القوات الحكومية في ولاية (أراكان)، حيث يحدث الكثير من أعمال العنف والفظائع وجرائم التطهير العرقي، وقد نشرت شركة (تار إديال كونسيبت) الصهيونية صورًا على موقعها الإلكتروني لموظفيها الذين يدربون عناصر الجيش الميانماري على أساليب القتال، وكيفية التعامل مع الأسلحة التي تم توريدها إلى حكومة ميانمار عن طريق الشركة؛ وكل هذا يجري على الرغم من العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على ميانمار، والتي يبدو أنها للاستهلاك الإعلامي فقط.
وسمعنا قبل مدة قصيرة فقط -بعد مرور نحو أكثر من شهرين على بدء الأحداث الأخيرة في أراكان- أن رئيسة الوزراء البريطانية (تيريزا ماي) قد أعلنت إنهاء جميع أشكال التدريب والتعاون العسكري مع جيش ميانمار، حتى توقف أعمال العنف في البلاد، دون تحميل الحكومة الميانمارية المسؤولية بشأن ما تتعرض له الأقلية المسلمة من جرائم وحشية وحرب إبادة عنيفة ومأساة لا يمكن وصفها لشدة هولها.
وفي ضوء ما جرى ويجري من جرائم بشعة ضد المسلمين في ميانمار، وتحت ضغط النداءات والمناشدات المنظمات الحقوقية والإنسانية؛ تنضم -على استحياء- بعض دول العالم إلى دعوة حظر السلاح عن حكومة ميانمار، وتكتفي الأمم المتحدة بأداء دور الصحفي في نقل الأحداث والإعراب عن القلق ودعوة الدول الأخرى غير المنضمة للحظر بحذو حذو الدول التي بادرت في ذلك، وهي دعوات ونداءات لا تلقى صدى في ظل النظام العالمي الجديد.
وما برح نشطاء الروهنغيا والناشطون في جميع أنحاء العالم يعملون بلا كلل؛ لجذب انتباه العالم في الوقت الذي يحاول فيه العسكريون الميانماريون القضاء على السكان المسلمين من الروهنغيا عن بكرة أبيهم، وتجار السلاح منشغلون بإبرام الصفقات وجمع الأموال على حساب دماء الأبرياء والمستضعفين.
البنك الدولي ودعم حكومة بنغلادش (لمعالجة) قضية الروهنغيا!!
قال البنك الدولي إنه على استعداد للتحرك ببرنامج شامل لدعم الحكومة والمجتمعات المضيفة للروهنغيا للتعامل مع دخولهم بأعداد ضخمة إلى المناطق الجنوبية من بنغلادش. وقال نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة جنوب آسيا (آنيت ديكسون)، خلال اجتماعه مع وزير المالية البنغلادشي (آما موهث)، بتأريخ 12/10/2017: إننا نقدر دعم بنغلادش لشعب الروهنغيا وجهودها الجادة للحد من الفقر وانتشار الأمراض ومساعيها المتواصلة في سبيل تخفيف معاناة اللاجئين.
وقال (ديكسون) أيضا: في الوقت الذي نأمل فيه أن يتمكن اللاجئون من العودة إلى بلادهم بأمان في أقرب فرصة؛ فإنه من المهم أن يقوم المجتمع الدولي بتقديم الدعم للاجئين وللمجتمعات المضيفة على المدى القريب خاصة الخدمات الأساسية. وسنفعل كل ما بوسعنا لتقديم هذا الدعم. وقال البنك الدولي في الوقت الذي حافظت فيه بنغلادش على بابها مفتوحًا أمام تدفق مئات الآلاف من اللاجئين، وبذلت قصارى جهدها في مد يد العون إليهم، إلا أن البلاد تكافح تحدياتها الخاصة في الفقر وقلة فرص العمل. ولا تزال دراسة قيمة الاستثمارات جارية ولكن يمكن أن يشمل برنامج البنك الدولي تقديم الدعم لتوسيع فرص الحصول على الخدمات الصحية والتعليم ومياه الشرب والصرف الصحي وشبكات الطرق.
وقال وزير المالية (موهث): إننا نشعر بالامتنان بشكل خاص لعزيمة وسخاء الشعب البنغلادشي. بيد أن حجم الاحتياجات يتطلب استجابة إنسانية وانمائية عالمية، ونتطلع إلى الحصول على دعم البنك الدولي. وفي هذه الأثناء، أعلنت حكومة بنغلادش أنها ستبني مخيمًا ضخمًا تنقل إليه جميع اللاجئين من الروهنغيا، الذين تجاوزت أعدادهم 800 ألف شخص. وقال وزير إدارة الكوارث والإغاثة البنغالي (مفضّل حسين تشودري) إن الحكومة خصصت مزيدًا من الأراضي لتوسيع مخيم في منطقة (كوتوبالونغ) قرب بلدة (كوكس بازار) الواقعة على الحدود مع ميانمار، من أجل استيعاب اللاجئين الروهنغيا الواصلين حديثًا والبالغ عددهم نصف مليون، فضلًا عن اللاجئين في السنوات السابقة وهم نحو ثلاثمئة ألف، وتابع بالقول أنه سيتم نقل جميع الروهنغيا من 23 مخيما قرب الحدود ومخيمات أخرى عشوائية حول (كوكس بازار)، وتجميعهم في المخيم الكبير الذي سيكون من أكبر مخيمات اللاجئين في العالم.
وكانت حكومة بنغلادش قد توصلت مؤخرًا مع نظيرتها في ميانمار إلى تفاهمات أولية بشأن عودة اللاجئين الروهنغيا، بيد أن هناك شكوكًا قوية في أن تسمح ميانمار بعودتهم جميعا، وقد تزايدت المخاوف من حدوث أزمات صحية كارثية في المخيمات العشوائية التي يقيم فيها الفارّون من أراكان. وهنا نتساءل متى يدرك العالم أن إنشاء مخيمات وأماكن للإيواء وتوفير بعض المساعدات هو حل مؤقت لقضية ملايين النازحين قسرًا الذين شردهم سعير الحروب والمعارك؟