وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
وضع كارثي يعيشه مسلمو الروهنغيا بمعسكرات اللاجئين على حدود ميانمار، الذين فروا منها جراء التطهير العرقي الذي يمارسه الجيش مدعوما بميليشيات بوذية، حيث فروا إلى حدود مدينة كوكس بازار ببنغلادش، حيث يتعرض المسلمون هناك إلى الموت جوعا بعد أن فروا من الموت على يد البوذيين، ليواجهوا مصيرا مجهولا .
تشير الإحصائيات إلى أن عددهم وصل إلى نحو مليون لاجئ يعيشون أوضاع كارثية فلا يجدون الدواء وقبله الطعام، فيعتمدون على شرب مياه غير صحية مختلطة بصرف صحى، بالإضافة إلى انتظار المعونات التي ترسلها عدد من الدول ممثلة في المنظمات الإغاثية والتي لا تكفيهم .
الإحصائيات أيضا تشير إلى أن اللاجئين منهم 60 % أطفال معظمهم فقدوا أهلهم، و20% من النساء فقدن أبناءهن وأزواجهن، و20%رجال كبار في السن، بينما قتل معظم الشباب والرجال في تطهير عرقي يمارس ضدهم هو يعد الأسوأ في تاريخ الإنسانية، وسط عجز عالمي عن مساعدة هؤلاء الذين وصفوا بأنهم “أكثر الأقليات تعرضا للاضطهاد في العالم”.
“اليوم السابع” قام بجولة داخل معسكرات الروهنغيا لاستطلاع أحوالهم والتقى عددا منهم واستمع إلى ما تعرضوا إليه من بطش وظلم على يد قوات الجيش في ميانمار “بورما”، والمدعومة بميليشيات بوذية .
التقينا سيدة وصلت منذ نحو أربعة أشهر فقط يدها مكسورة أثناء فرارها ولم تعالج حتى الآن وتدعى “عائشة”، وفي بداية حديثها روت السيدة أن قوات الجيش الميانماري اقتحمت قريتها وأخذت كل الرجال وقيدتهم وأخذتهم إلى مكان لا نعرفه، وتستطرد: “قتلوا زوجي ورجال القرية في الجبال وقتلوا جميعا على أيدي المليشيات البوذية”.
وتواصل السيدة المكلومة حديثها قائلة: “لقد ضربني أفراد الجيش الميانماري ضربا مبرحاً حتى كسرت يداي نتيجة الضرب بالحديد عليها، ثم سحلونا إلى أن تقطعت جلودنا”، موضحة أنها استطاعت الفرار بعد أن اختل توازن أحد الجنود الذي كان يعذبها ليقع في بركة من الماء لتنهض وتهرب.
امرأة روهنغية تتحدث لليوم السابع عن قتل زوجها وسحلها
حديث السيدة الروهنغية لم يخل من البكاء والارتعاش نتيجة الخوف وتذكر هول الكارثة التي عاشتها، من جرائم الاغتصاب والتعذيب وغيرها.
الروهنغيا متمسكون بالعودة إلى إقليم أركان بميانمار، رافضين أن يطلق عليهم مسلمو ميانمار متمسكين بلقب الروهنغيا، مطالبين المجتمع الدولي بالتدخل وحمايتهم من التطهير العرقي الذي يتعرضون إليه، وعن بداية الأزمة حيث قدم الروهنغيا من ولاية “أراكان”، أو كما كان يُطلق عليها قديمًا “راخين”؛ حيث يعيش مسلمو “الروهنغيا”، الذين وصفتهم المتحدثة باسم الأمم المتحدة عام 2009 بأنهم “أكثرُ شعبٍ بلا أصدقاءَ في العالَم”؛ ومن معاناتهم أنهم لا يملكون بطاقات هوية حيث ترفض حكومة ميانمار منحهم بطاقات هوية، وبالتالي فهم محرمون من كافة حقوقهم، بالإضافة إلى الحديث عن أن أصولهم ليست ميانمارية وأنهم من بنغلادش، وهو ما رفضه الجانب البنغالي ليظلوا عالقين بلا هوية ، لكنهم متمسكين بانتمائهم لميانمار.
بلغت الجرائم المرتكبة ضد الروهنغيا ذروتها عام 2012م بعد اغتصاب وقتْل امرأةٍ بوذيّة هناك وإلصاق التُّهَمَة ببعض المسلمين؛ ممّا أدّى إلى أعمالِ العنف حينئذٍ التي أَودت بحياة أكثر من 200 شخصٍ وتشريد 140 ألفًا، والكثيرون منهم يعيشون منذ ذلك الوقت في مُخيّماتٍ بدون رعايةٍ صحيّةٍ أو تعليمٍ، وبالكاد يَصِلُهم الغذاء.
وامتدت الانتهاكات طَوالَ السنين التي تلت 2012، لتشهدَ مُنعطَفًا جديدًا عام 2017، مع قيام القوات الميانمارية بحملاتِ دَهْمٍ واسعةٍ على تجمعات “الروهنغيا”؛ أَدّتْ إلى موجةِ فرارِ مدنيّين واسعةٍ من قُراهم، قَدّرتْها “المفوضية السامية لشئون اللاجئين” في الأمم المتحدة في أوائل سبتمبر بأكثرَ من 35 ألفًا من النازحين الجُدُد خلال 24 ساعةً فقط؛ أي: قرابة 1458 مسلمًا فَرّوا من البلاد كلَّ ساعةٍ، وعلى الرغم من التنديدات الدولية، إلّا أنّ الأوضاع تزداد سوءًا دونَ وجودِ أي بوادرِ أملٍ لانفراجها؛ إنصافًا لهذه الفئة المُضطهَدة من المسلمين.
يحرص الروهنغيا على الإعلان عن موطنهم ميانمار، متحدثين عن تاريخهم فمنذ القرن السابع وحتى 1784م في القرن السابع الميلادى دخل الإسلام إلى ميانمار عن طريق ولاية “أراكان” في عهد الخليفة العباسى هارون الرشيد، عن طريق التجار والرحَّالة العرب حتى أصبحت دولة مستقلة حكمها 48 ملكًا مسلمًا على التوالى، وذلك لأكثر من 350 عامًا بدءًا من 1430م وحتى 1784 م، وانتشر الإسلام في كافة بقاع ميانمار، ويوجد بها العديد من الآثار الإسلامية، ومن المساجد والمدارس مسجد “بدر المقام” في أراكان وهو مشهور، وأيضا مسجد “سندي خان” الذي بُني في عام 1430 م وغيرها.
في عام 1784 م احتل “أراكان” الملك البوذي الميانماري “بوداباي”، وضم الإقليم إلى ميانمار؛ خوفًا من انتشار الإسلام في المنطقة، فأخذ يتعسف في معاملة المسلمين؛ وامتلأت السجون بهم وقتل من قتل، ورحل الكثيرون، ودمر “بوداباي” كثيرًا من الآثار الإسلامية منَ المساجد والمدارس، وقتل الكثير من العلماء والدعاة، واستمر البوذيون الميانماريون في اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم وتشجيع البوذيين “الماغ” على ذلك خلال فترة احتلالهم التي استمرت 40 سنة انتهت بمجيء الاستعمار البريطانى.
في العام 1942 م تعرض المسلمون لمذبحة وحشية كبرى من قبل البوذيين “الماغ” بعد حصولهم على الأسلحة والإمداد من قبل البوذيين “الميانمارن” والمستعمرين البريطانيين وغيرهم، راح ضحيتها أكثر من “100 ألف مسلم” أغلبهم من النساء والشيوخ والأطفال، وشردت الهجمة الشرسة مئات الآلاف من المسلمين خارج الوطن، ورجحت بذلك كفة البوذيين “الماغ”، وكانت سطوتهم مقدمة لما تلا ذلك من أحداث
وفي يوليو 1945 ، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء أعادت بريطانيا ضم ميانمار كمستعمرة، ثم نالت ميانمار استقلالها سنة 1948 م، وانفصلت عن الاستعمار البريطاني.
ازداد الأمر سوءًا بالانقلاب الذى قاده الجنرال “نيوين” والذي أعلن ميانمار دولة “اشتراكية” وذكر علنًا أن الإسلام هو العدو الأول، وترتب على ذلك حملة ظالمة على المسلمين وتأميم ممتلكاتهم وعقاراتهم بنسبة 90% في أراكان وحدها، بينما لم يؤمم للبوذيين سوى 10%، وسحبت العملة النقدية من التدوال، مما أضر بالتجار المسلمين كثيرًا حيث لم يعوضوا من قبل الدولة، ثم فرضت الثقافة البوذية والزواج من البوذيات، ومنع ارتداء الحجاب للبنات المسلمات، والتسمي بأسماء بوذية، وأمام هذا الاضطهاد والتنكيل اضطر الكثيرون للهجرة القسرية من ديارهم وأملاكهم إلى دول العالم الإسلامي، وبخاصة بنغلادش بعد حملات عسكرية إجرامية على أراضيهم وأماكنهم، حتى الآن.
في 2015م تزايدت الهجرة الجماعية البحرية لمسلمي الروهنغيا على نحو كبير، حيث رحلت عائلات الروهنغيا من ميانمار وبنغلادش في قوارب تهريب، يصطحبهم أحيانًا أعداد كبيرة من العمال البنغاليين المهاجرين، وتقدر الأمم المتحدة عدد الذين خاضوا الرحلة بنحو 94000 شخص بين يناير 2014 ومايو 2015 م. وفي مايو 2015، ترك المهربون نحو 5000 شخص على متن القوارب في عرض البحر، بعد أن منعوا من دخول تايلاند وماليزيا وإندونيسيا، ومات منهم 70 شخصًا على الأقل في هذه المحنة وبسبب الضغوط الإعلامية، سمحت أخيرًا ماليزيا وإندونيسيا للقوارب بأن ترسو على أراضيها ثم أوقفت الوافدين على الفور.
مسلمو الروهنغيا عجز العالم عن إنقاذهم فهم يواجهون حملات إبادة وتطهير عرقي ممنهجة على يد الأغلبية البوذية التي تسكن البلاد، في الوقت الذي يقف فيه العالم عاجزًا عن إنقاذهم، بينما تشارك حكومة البلاد في حملة العنف وتدير ظهرها للانتقادات ودعوات إيقاف “المذبحة”
وتشير المراجع التاريخية إلى أن أصول الروهنغيا تعود إلى القبائل العربية التي وفدت إلى آسيا للتجارة في القرن الثامن الميلادي،وللروهنغيا لغة خاصة تتبع اللغات الهندوأوروبية، وهي تعتمد أبجدية تعد حديثة نسبيًا، وهى أبجدية معترف بها من قبل “المنظمة الدولية للمعايير”.
يبلغ عدد مسلمي الروهنغيا نحو 1.33 مليون نسمة، وتصنفهم الأمم المتحدة بأنهم من أكثر مجموعات اللاجئين المعرضين للاضطهاد في العالم.