وكالات
يبدو أن الصورة المعتادة والمعروفة لدى الجميع عن الديانة البوذية باعتبارها تدعو للسلام والهدوء وللرهبان البوذيين باعتبارهم نموذجا للتواضع فى سبيلها للتغير الجذرى حاليا، والسبب التطورات المتلاحقة التى تشهدها ميانمار فى الآونة الأخيرة، والتى لفتت أنظار الصحافة الغربية الى الحد الذى وضعت فيه مجلة "تايم" الأمريكية صورة أحد الرهبان البوذيين ممن لمع نجمه خلال الفترة الماضية على غلافها باعتباره يمثل أبرز ملامح التطرف البوذى كما أطلقت عليه المجلة أو كما اعتبرته بعض الصحف الغربية أحد أشهر رموز الأصولية البوذية كما يفضل الراهب "آشين ويراثو" أن يطلق على نفسه.
وفى الوقت الذى تسعى فيه ميانمار لتحقيق الديموقراطية تعانى الاقلية المسلمة من أسوأ صور التمييز والعنف الذى راح ضحيته المئات خلال العام الماضى بسبب التيار الذى يجسده هذا الراهب بعد أن أصبح ظاهرة رصد المراقبون قوة تأثيرها ونفوذها فى المجتمع البورمى بعد أن أصبح جمهوره يعد بالالاف ممن يحرصون على الاستماع لعظته، التى يخصصها بالكامل للحديث عن الأعداء ومثيرى الشغب والمقصود بهم الأقلية المسلمة دون أن يسميهم بصراحة وان كانت كل الدلائل تشير الى أنهم المقصودون بهذا الوصف. ورغم أن آشين يعد من أشهر الرهبان المحرضين على الأقلية المسلمة الا أنه ليس الوحيد فهو يمثل توجها كاملا يشير بوضوح لتصاعد تيار التطرف البوذى فى ميانمار. وهنا يشير المراقبون الا انه بالرغم من أن هذا الراهب الذى يعد الاب الروحى للتوجه المعادى للمسلمين ينفى صلته دائما بأى أعمال عنف تنفجر ضد الاقلية المسلمة الا أن هناك شبه اتفاق على أن عظاته وخطاباته تمتلىء عادة بالاشارات المعادية للاسلام وتحفل بالكراهية والعنف، وهو أمر يبدو أنه ليس جديدا عليه، فقد سبق وسجن عام 2003 بسبب هجومه على الأقلية المسلمة ولكن أطلق سراحه العام الماضى بعد ان حصل على عفو فى اطار حالة الانفتاح السياسى التى تشهدها ميانمار حاليا على يد الرئيس الاصلاحى "ثين سين". ويبدو أن هذا الخطاب الذى بدا خافتا واعتبره الكثيرون دخيلا على المجتمع البورمى يكتسب أرضا جديدة كل يوم، خاصة فى ظل مناخ الحرية الجديد، وهو ما دفع البعض للقول أن ويثارو يعبر دائما الخيط الرفيع بين حرية التعبير والحض على الكراهية مستفيدا من تخفيف القيود المفروضة ومن الفترة الانتقالية الهشة. وهو أمر يراه المحللون لا يشكل تهديدا حقيقيا لمسار الديمقراطية فى ميانمار فقط، ولكنه يثير العديد من التساؤلات حول قدرة الحكومة على حفظ الامن، وعلى تعقب هذا الخطاب المتطرف من قبل الرهبان البوذيين فى دولة تدين غالبيتها بالبوذية ويشكل المسلمون من4 الى 8% من عدد السكان ويحتل فيها البوذيون المناصب العليا فى الجيش والشرطة والادارة الحكومية، وهو ما يتناقض مع الخطاب الطائفى السائد الداعى لمواجهة محاولات تغيير هوية الدولة من قبل السكان المسلمين.
وهنا يشير البعض الى أن الحركة التى يقودها الراهب وتسمى "969" وهى ثلاثة أرقام يقول إنها تمثل قيم وتعاليم البوذية تسببت فى أن يصبح المجتمع فى حالة استقطاب غير مسبوقة، خاصة وانه يتم خلال العظات توزيع منشورات تشير للخطر الذى يمثله المسلمون وتدعو لمقاطعة تجارتهم ومحالهم، بل إنها تبنت مؤخرا حملة لمنع الزواج المختلط بين أبناء الديانات المختلفة، وهو ما دفع بعض الرهبان ممن قادوا انتفاضة عام 2007 الداعية للحرية وانهاء الديكتاتورية العسكرية للتعبير عن شعورهم بالاحباط مما يحدث، فالى جانب تسببها فى تزايد موجات الكراهية والعنف، فقد أثرت سلبا على صورة ميانمار فى محيطها الاقليمى، واقلقت البوذيين فى الدول المجاورة الذين اعتبروا ما يحدث انتهاكا صريحا لتعاليم البوذية للحد الذى دفعت الدلاى لاما للقول فى مارس الماضى بأن أى قتل باسم الدين غير مقبول، داعيا الرهبان البوذيين لتأمل الوجه الحقيقى للبوذية. وهى دعوة يبدو انها لا تجد آذانا صاغية خاصة فى ظل الانتشار الواسع للملصقات التى تحمل شعار الحركة فى كل مكان فى ميانمار على السيارات والمحال، وللقوائم التى تضم المحال التى يمتلكها تجار مسلمون والدعوة لمقاطعتها.
وهنا يشير المراقبون الى أن هذا الخطاب المتشدد وان كان له أبعاد سياسية تتعلق ببعض الأطراف التى تسعى لتحقيق مصالح انتخابية خلال انتخابات 2015 القادمة، الا أن الحقيقة أن اسبابه تبدو أعمق بكثير. ويرى هؤلاء أن هناك شعورا عاما بالتحامل ضد الأقلية المسلمة، عملت الحكومات العسكرية خلال العقود السابقة على زرعه فى أذهان العامة، خاصة وأن هذه الحكومات اتخذت خطوات فعلية على أرض الواقع للتمييز ضد الأقلية المسلمة. هذا الخطاب الذى يسعى لبث الخوف من المسلمين تلقاه عدد محدود من الرهبان البوذيين الذين يحظون عادة باحترام المواطنين ويتمتعون بالمصداقية بسبب الادوار السياسية التى لعبوها على مدار السنوات الماضية، وزادوا عليه تعميق مخاوف الاغلبية البوذية من أن يشكل هؤلاء تهديدا للنقاء العرقى للبلاد، وبسبب انتشار تحركات هؤلاء الرهبان فى طول البلاد وعرضها، وفى ظل تلميح البعض إلى وجود دعم من بعض الاطراف المتشددة التى تسعى لتقويض جهود الرئيس الاصلاحية، إستطاع هؤلاء الوصول لأكبر عدد ممكن من المواطنين واقناعهم بوجهة نظرهم المتطرفة. ومع ذلك يرى البعض أن أساس هذه الدعوة ليس دينيا فقط ولكنه اقتصادي كذلك، ففى هذه الدولة التى تعد من افقر الدول الاسيوية يتمتع المسلمون بمستوى مادى افضل من البوذيين بسبب نشاطهم الاقتصادى الواضح وهو ما يثير حفيظة الكثيرين، الذين يبدون مخاوف من أن يزداد تميز هؤلاء خاصة مع انفتاح البلاد أمام الاستثمارات الخارجية. وايا كان الامر فان الحكومة التى سارعت للهجوم على تقرير مجلة التايم مؤكدة انها تعمل على تجنب البلاد صراعات غير مطلوبة وانها تتعاون مع القيادات الدينية والزعامات الحزبية والإعلام والمواطنين لتحقيق ذلك مطالبة ببذل مزيد من الجهد ليس فقط لتحسين صورتها فى الخارج ولكن لضمان ان يسير التطور الديمقراطى فى مساره الصحيح دون عوائق تحول دون نجاحه.
بوابة أراكان الإخبارية