بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك لهذا العام 1434هـ، توجه الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلى، بكلمة عبر فيها عن أحر التهاني والمباركة للأمة الإسلامية بهذه المناسبة العظيمة، وفي ما يلي نص الكلمة:
"في هذه الأيام المباركة، تحلّ مناسبة هامة تؤكد قيم الإسلام السمحة ومبادئه السامية ومعاني التضامن بين المسلمين. فشهر رمضان شهر طهارة وصفاء وأمن، وهو شهر يجتهد فيه المسلمون بصورة خاصة للكف عن جميع أشكال الإثم طلباً للتوبة والغفران كما جاءت بذلك تعاليم الإسلام وقيمه. وفي هذه المناسبة العظيمة، أتوجه إلى كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بخالص التهاني والتبريكات، داعياً الله للجميع صوماً مقبولاً وسعياً مشكوراً، وأن يرشدنا لنعيد توحيد صفوفنا ونعزز تضامننا حتى يسود الازدهار وتشيع قيم السلام في العالم ونتمكن من الدفاع عن تعاليم ديننا في وجه البغي والشرور، وأن يوفق قادة أمتنا ومسؤوليها لتنفيذ الأهداف التي ينشدها العالم الإسلامي من تجسيد للإصلاح والحكم الرشيد وصيانة لحقوق الإنسان وكرامته، وأولها صون حرمة دمه وحقه في الحياة.
ولكم يؤسفني أن يهلّ شهر التسامح والغفران، وعالمنا الإسلامي يشهد في بعض مناطقه حروباً واضطرابات وأزمات إنسانية كما يقع في سوريا على سبيل المثال، حيث غدا القتل وسفك الدماء والدمار والخراب جزءاً من حياة الناس اليومية. وكم كنت آمل أن تكون أيام شهر الرحمة ولياليه صافية من تلك الشوائب خالية من كل القلاقل والمكدرات.
وأغتنم هذه المناسبة لأجدد ندائي إلى كل الأطراف المتقاتلة في العالم الإسلامي إلى احترام حرمة هذا الشهر الكريم، بوقف كل أشكال العداء وإراقة الدماء، راجياً أن يمهد هذا الالتزام الخلقي الطريق لحل سلمي لأزمات الشعوب الإسلامية كافة.
وأود كذلك أن أنبه الرأي العام في العالم الإسلامي إلى مخاطر الانزلاق في أتون الصراع الطائفي والفتنة المذهبية، والمساعي التي يقوم بها البعض لصبغ هذا الحراك السلبي بالصبغة السياسية. فتعدد المذاهب في الإسلام حقيقة تاريخية لا مراء فيها، وهي تدل على ثراء الفكر الإسلامي وتنوعه. وعلى مر التاريخ وتعاقب القرون، لم يعرف العالم الإسلامي الصدام بين أتباع المذاهب على النحو الذي يعرفه عالمنا اليوم. وأمام هذا الواقع، ينبغي أن نعي جيداً أن واقع الاختلاف هو رحمة للأمة، وليس على الإطلاق مصدراً للنـزاع أو الشقاق. لذلك، أهيب بزعماء السياسة وعلماء الدين وقادة الرأي والفكر ورجال الإعلام وعموم المسلمين أن يقفوا في وجه هذا التيار الذي قد يجرفنا إلى مهاوي التردي في مستنقعات من المعارك الجانبية التي لن يكون فيها أبداً أي رابح أو منتصر.
ولا يفوتني أن ألفت الأنظار إلى معاناة إخواننا من أقلية الروهينغيا المسلمة في ميانمار، وإلى تجدد معاناتهم مع استمرار الانتهاكات الوحشية الواسعة النطاق ضدهم. وأدعو المسلمين كافة إلى الإسهام في التخفيف من معاناة هؤلاء المستضعفين، كما أهيب بدول الجوار أن تنظر بعين الرأفة والعطف لمن يلجأ إليها من المشردين من هذه الأقلية.
وأجدد دعوتي كذلك للجميع من أجل مساعدة المحتاجين في مختلِف مناطق العالم الإسلامي ودعمهم، ولاسيما في المناطق التي يقاسي أهلها الفاقة والعوز ويعانون قلة ذات اليد أو الذين تضرروا بفعل النكبات والكوارث والتشرد وفقدان المأوى، كما هي حال اللاجئين السوريين في دول الجوار، وأهيب بالجميع الإسراع إلى التبرع لهم بسخاء مستلهمين من هذا الشهر الكريم قيم البر والإحسان التي تحضنا على الوقوف مع إخوتنا في محنتهم وبلواهم، وأن نشد أزرهم امتثالاً لتعاليم ديننا الحنيف في التضامن والتآزر وتجسيداً لمعاني البذل في شهر العطاء.
وفي الختام، أدعو الله جلت قدرته أن يقي أمتنا شر الفتن والتشرذم والخلافات، وأن يمنّ عليها بما يرفع من شأنها، ويعزز جانبها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.