التغيير: صناعة محلية أركانية لا تُستورد من الخارج!
لأوّل مرّة التقيت بمهندس طيران أركاني، كدتّ من فرحتي بمعرفته أن أقبّل رأسه!
لكن سرعان ما تغيّرت نظرتي تجاهه، حين حاورني بأسئلة جنونية غريبة؛ قال مفتتحاً:
يا أخي .. ماتشوفوا بلاوي الشباب في الحواري وتسكّعهم في الأزقة.. ليش ما سويتوا لهم توعية؟
قلت له:
نحنُ أقمنا برامج، ولازلنا نعمل.. وسنظلّ كذلك، ثم نحن مجمتع من المجتمعات، ولشبابنا من المآخذ ما لغيرهم.
قال:
طيب.. يا أخي البنات قاعدين يحبّوا ويسووا حركات بطّالة مال أمّها داعي، ليش انتوا ما تمنعون البنات من هالحركات؟!
قلت:
بناتنا من أشرف البنات، عفيفات طاهرات حافظات طموحات، وما ذكرته من ملاحظات موجودة في كلّ المجتمعات..
وأستطيع الجزم بأنّ فتياتنا إيجابيات مختلفات عن غيرهنّ، ونسبة ما ذكرت موجودة بنسبة قليلة جدًا لكننا أيضًا نقيم لهن برامج وأنشطة وهناك لجنة نسائية مباركة..
همهم قليلًا وعاد قائلًا:
طيب يا أخوي.. ليش ما تشوفوا أمر مدارس البرما.. وقسم كل مدراء المدراس الخيرية حرامية وما فيهم خير؟!
قلت:
التعميم مرفوض في كلّ شيء، وما تقول عنهم "حرامية" هم من ساهموا في بناء مدارس خاصة تحتوي أبناءنا وبناتنا..
وإن ارتكبوا أخطاء فمن واجبنا أن نقوّمهم ونساعدهم ونشدّ من أزرهم، فنحن كلنا نعلم حاجة المدارس إلى كلّ شيء!
لكننا رغم ذلك نسعى إلى التواصل مع مديري المدارس المباركين المتعاونين، وسنظلّ بإذن الله!
سكت قليلًا، ثم عاد سائلًا:
يا أخي ليش ما تشوفوا حلّ لذولا العيال اللي درسوا الثانوية وما فكروا يكملوا الجامعة، ليش انتوا ما سويتوا شيء لهم، ليش ما شفتوا لهم منح دراسية؟
قلت:
شبابنا المتخرجين من الثانويات العامة والمعاهد الشرعية هم من خيرة الشباب، والجميع يطمح إلى إكمال دراساته العليا لو كان في إمكانه، وهناك لجنة تعليمية تسعى إلى الحصول على المنح الدراسية،
وهناك شباب مباركون يعملون من السودان لهذا الغرض، ولكننا بإذن الله نظلّ نتابع أمر المنح الدراسية وقبول الطلاب في الجامعات بما نملك.
قال:
أجل ليش ما تجمّعوا فلوس للبرما اللي يتقتلوا هناك في البلد، وتساعدوهم بدال ما تسووا حفلات هنا وهناك؟!
هنا لم أستطع أن أتمالك، فانفجرت في وجهه صارخًا:
ما دورك أنتَ أيها المثقف؟!
هل خلقك الله للانتقاد وطرح الأسئلة فحسب؟!
ثم لماذا هذا الأسلوب التشاؤمي، وهذه النظرة القاسية لني جلدتك؟!
لماذا تلقي اللوم على غيرك؟
أليس من الأفضل أن تحاول إيقاد شمعة، بدل أن تسبّ الظلام ليل نهار؟!
الا تجيد غير هذه اللغة أيها المتعلم؟!
هل تعلم أنك محاسب أمام الله عزوجل على تخاذلك لأمتك؟!
لماذا تستخدم منطق " خلقكم الله للعمل من أجلنا، وخلقني الله لأجل أن أتفرّج عليكم وأنتقدكم"؟!
ثم من أكونُ "أنا" حتى توجّه لي هذه الأسئلة؟
أنا شاب مثلك، أسعى للتغير والنهوض بأمتي قدر ما أملك من مقوّمات وقدرات..
يا أخي المثقف:
والله الذي لا إله سواه، لن يأتي الإصلاح والتغيير والنهوض من غيرنا، ما لم نصنعه بأنفسنا جميعًا!
يجب أن نتيّقن تمامًا:
أن التغيير والنهوض بالأركانيين والقضية الأركانية، لا يُستورد من غيرنا!
بل يجب أن يصنع التغيير كلّ فردٍ منا، وكل شابّ أو شابّة يجب أن يتحمّلوا مسؤولية أمته.
ما حكّ جلدك مثل ظفرك ** فتولّ أنت جميعُ أمرك!
متى بالله، تقوم بواجبك الذي عليك تجاه قومك وأمتك؟!
لمَ -يا أخي- تستطيع أن تكتب عشرات رسائل الحبّ والبلاغة، وتتبجّح بقوة لغتك العربية، وتفتخر بتمكنك من الإنجليزية؛ ثم لا نجدُ لكَ صولةً كتابية في أمر قضيتك؟!
أليس من العيب أخي:
أن تسمع أمتك تناديك، وترى بأمّ عينك حاجتهم إليك؛ ثم تتركهم وتعمل محاميًا للشيطان؟!
أخاف أن نكون نحنُ أول من يُسعر بنا في النار، لأننا علمنا حاجة أمتنا وفحصنا عيوبها، وعدْدنا سلبياتها؛ ثم رقدنا!
عمرُ المختار، وجيفارا، ومانديلا، وغاندي..
رموز خدموا قضاياهم الداخلية حتى أصبحوا عظماء ساهموا في صناعة التأريخ!
سامحني أخي -مهندس الطيران- على قسوة عباراتي، وصلافة جملي، فإنّها والله خرجت بحرقة..
ودعني أقبّل رأسك لأنّ أسئلتك لم تأتِ إلا من عدم رضاك بواقع أمّتك، وحرصك على الخير، لكنني أتمنى أن تكون طرفًا في صناعة الإرادة لأمتنا، لا أن تكون أمين مكتبة تنظّف غبار المآسي والمشكلات من رفوف السنين العجاف بمكنسة الكلام دون العمل!
أخوك ومحبّك:
عمران الأركاني
@AmranaLarkany