ترجمة: سعيد كريديه
تكشف القناة الرابعة البريطانية النقاب عن مصير اللاجئين الروهنغيا المسلمين الذين هربوا من بلدهم ثم وقعوا فيما بعد بين براثن مهربي البشر وهم يتعرضون للضرب والسجن وأحيانا للبيع كعبيد.
فبالرغم من الجمال الخلاب لجزيرة “تاروتاو” التايلاندية والتي تقع في بحر أندامان على بعد 30 كلم عن الساحل التايلاندي، إلا أن قسمها الجنوبي أضحت بؤرة معسكرات سرية لمهربي البشر مما جعلها أرض الكوابيس والألام والمآسي، وذلك وفقاَ لما أدلى به السكان المحليون وعدد من أفراد الشرطة.
فهناك يقوم تجار البشر بحجز وضرب وتعذيب وابتزاز لاجئين بورميين أكل اليأس حياتهم، بالإضافة إلى احتمال بيعهم كعبيد للعمل بالسخرة في صيد الأسماك .
تبدأ قصة هؤلاء الروهنغيا في جزيرة “سانت مارتن” التي تقع في خليج النبغال قبالة ساحل بنغلادش وتبعد 2000 كلم عن “تاروتاو .” فعلى سواحل هذه الجزيرة ترسو سفن عابرة للمحيطات وتنتظر استقبال حمولة مؤلفة من “بشر يائسين” يشكل الروهنغيا المسلمون السواد الأعظم منهم. فهلاء الروهنغيا هربوا من أهوال النزاع الطائفي الدائر في شمال غرب بورما، وحسب “منظمة مراقبة حقوق الإنسان ” فإنهم ضحايا التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية ، وقد فر نتيجة لذلك خلال العام الماضي حوالي 35000 روهنغي مسلم، وهي أكبر عملية نزوح تتم بواسطة المراكب منذ حرب فيتنام. ووفق خبراء في الأمم المتحدة وموظفين في منظمات غير حكومية فإن عدد من شبكات السماسرة ومهربي البشر يشتركون في استغلال هذا النزوح الرهيب والفظيع حيث يتم تجميع الهاربين الروهنغيا في مواقع سرية قبالة شواطئ بورما وبنغلادش ثم يقبضون ما يعادل 200 جنيه استرليني ثمن الرحلة. ويُجبر كل راكب على وضع رباط في معصمه عليه اسم المهرب، ثم ينقل الركاب إلى مراكب صغيرة وتبدأ رحلة محفوفة بالخطر لمدة 3 او 4 أيام. أما الوعود التي يطلقها هؤلاء السماسرة للروهنغيا بنقلهم إلى ماليزيا (التي تسمح لهم عادة بدخول أراضيها) فهي لا تتحقق أبدا لأن الرحلة تنتهي بهم على ساحل تايلاند.
وقد أجرت القناة الرابعة البريطاينة مقابلات مع هؤلاء المسافرين والهاربين وأدلوا بأخبار مروعة عن الظروف القاسية التي كانوا يعانوا منها على المراكب. فكان النساء والأطفال يوضعون في أقفاص بينما كان الرجال يضغطون فوق بعضهم كأنهم ألواح خشب وكل ملتصق بالآخر ولم يُسمح لهم بالوقوف أو الحركة، وكان كل مركب يحمل ما بين 650 و 1000 راكب. وقد قال أحد الذين أجريت معهم المقابلة إنه شاهد رجلا عجوزاً تبدو عليه علامات الإحباط يزحف للذهاب إلى دورة المياه، لكنه قفز بالماء ولم يلتفت إليه أحد. أما الصدمة الكبرى للهاربين فكانت الذهاب بهم إلى معسكرات اعتقال في جزيرة “تاروتاو Tarutao” بدلاً من ماليزيا، وكان على أقربهائهم أن يدفعوا ما يعادل 1500 جنيه استرليني لإطلاق سراحهم. أما الذي لا يدفع له أقاربه أو أصدقائه في ماليزيا أو تايلاند (إما لعدم القدرة او لعدم الرغبة بعد الاتصال بهم بواسطة الهاتف الجوال) فيكون مصيره الضرب كل يوم من دون أحداث جروح، ثم يُعطى مسكنات كي تتحسن حالته ولا يتعرض للموت، فاذا مات خسر السماسرة إبتزاز الأموال منه. وقال رجل آخر أُجريت مقابلة معه إن السمسار هدد ببيعهم لمراكب الصيد التايلاندية والعمل بالسخرة عليها في حال لم يدفع أهلهم الفدية.
لكن هل يُعقل أن يتم كل هذا في جزيرةٍ يرتادها الناس للتنزه والعمل والسلطات غافلة عن ذلك؟ بالطبع لا، فقد قال أحد أعضاء عمليات التهريب إن فريقه دفع رشوة إلى قوات الأمن المؤلفة من القوات المسلحة والشرطة كي يغضوا النظر عن معسكرات الاعتقال، وأضاف أن قوات الأمن تأتي بشكل مجموعات منفصلة فتأتي إحداها ويتم رشوتها ثم ترحل وتأتي أخرى مكانها ثم يتم رشوتها أيضاً وترحل وتأتي أخرى وهكذا دواليك، ولتجنب دفع الرشوة عمد تجار البشر إلى تغيير أماكن معسكرات الروهنيغيا كل عشرة أيام حتى تكون بعيدة عن أعين قوات الأمن. وبالرغم من ذلك نفى القائد العام للشرطة استلام أي رشوة، لكنه اعترف بوجود عمليات تهريب يستلزم ضبطها مصادر وقدرات تفوق إمكانيات الشرطة.
ومن جهة أخرى قال أحد حراس الأدغال إنه لأول مرة في التاريخ يمنع دخول الجمهور وموظفي المنتزه إلى القسم الجنوبي من الجزيرة، وأضاف ان مدير المنتزه أغلق مركزين للحرس على ساحلها الجنوبي. لكن هذا المدير نفى وجود أي قيود على زيارات الجمهور وموظفي المنتزه لتلك المنطقة.
وفي الواقع، أغارت السلطات على القسم الجنوبي للجزيرة ووجدت معتقلات في الأدغال مؤلفة من خيم سوداء وبرج مراقبة على مدخلها، وتبين أن معظم سكانها من الروهنغيا وعدد قليل من البنغلادشيين والباكستانيين. وقد قال أحدهم إنهم هنا منذ عدة أسابيع يعاملون كالكلاب، وبعضهم قال إنهم تلقوا وعوداً بنقلهم إلى أستراليا لكن بدى ذلك خيالاً فيما بعد. أما السنياريو السائد فهو ابتزاز أهلهم لأخذ الأموال مع العلم أنه لا يوجد أي دولة على استعداد لاستقبالهم، وقد يبقوا هنا لأشهر وربما لسنين.