”الاقتصادية” يفتح المستشفى المسلم في مدينة رانغون البورمية أبوابه للجميع من كل الطوائف، من سجناء سياسيين مفرج عنهم من السجون البورمية إلى عائلات أكثر فقرا، حيث تحول رمزا للسلام في بلد ممزق بالتوترات بين البوذيين والمسلمين.
فالمستشفى له تاريخ طويل من التسامح واحتضان الفئات الأكثر فقرا في المجتمع، إذ كان يستقبل تقليديا المعارضين للمجلس العسكري لدى خروجهم من السجن. وعلى الرغم من الإصلاحات التي بدأها النظام، لا يزال المعتقلون السياسيون يعالجون في المستشفى.
ويبدأ توافد المرضى بأعداد كبيرة منذ ساعات الصباح الأولى في رانغون، قاصدين العلاج في هذا المستشفى ذي السلالم المتسخة وفي جو من الحر الشديد داخل الغرف.
ويتسابق زهاء 500 بورمي يوميا للحصول على عناية طبية متوافرة لهم في هذا المستشفى، وقد لا تكون كذلك في سواه، في هذا البلد حيث تم إهمال النظام الصحي على مدى سنوات من جانب النظام الحاكم سابقا.
ويعكس المرضى التنوع الطائفي في هذا البلد ذي الغالبية البوذية، إذ يرتدي بعضهم سروال ”لونغيي” التقليدي العريض في بورما، فيما تضع النساء المسلمات الحجاب.
ويشرح تين ميو مين رئيس قسم الجراحة في ”المستشفى المسلم المجاني” والسجين السياسي السابق في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية ”أ ف ب”: ”أنا جراح ومن مسؤوليتي معالجة المرضى المتألمين، فهذا المستشفى لا يقيم أي تمييز بين المرضى، سواء كانوا أغنياء أو فقراء، نبلاء أو من أوساط متواضعة، قريبين من المعارضة أو مواطنين عاديين. ليس هناك تمييز”.
ويضيف هذا الطبيب وهو الوحيد البوذي من بين رؤساء الأقسام في هذا المستشفى الذي تعد غالبية كبيرة من موظفيه من المسلمين: إنه عالج عددا كبيرا من الرهبان البوذيين خلال السنوات الـ21 من عمله في المستشفى المسلم، كما كان الطبيب الشخصي للمعارضة البورمية أونغ سان سو تشي حائزة جائزة نوبل للسلام”.
ويوضح تين ميو أن هذه المؤسسة الاستشفائية مستمرة بفضل التبرعات الدولية كما بفضل أموال الزكاة التي يدفعها المسلمون في بورما. فيما تؤكد تين تين كهاينغ ابنة مريض بوذي في سن الـ57 عاما سافر من منطقة في دلتا نهر أيراوادي ليعالج من فتق ”إنني لا أفكر في هذا الأمر. لقد قمنا بالتجارة مرارا في الماضي مع مسلمين. لدي علاقات جيدة معهم”. ويمثل هذا المستشفى رمزا للسلام في بلد ذي غالبية سكانية بوذية تمزقه أعمال العنف الطائفية. ومنذ العام الماضي، قرابة 250 شخصا غالبيتهم مسلمون، قتلوا خلال أعمال شغب سبقتها حملات مناهضة للمسلمين قام بها رهبان بوذيون متشددون.
لكن، في حين ترتفع حدة التوتر في مناطق عدة من بورما، فإنها تغيب في هذا المستشفى في الحي المتنوع طائفيا في وسط رانغون.
وعند بنائه في عام 1937 من جانب الأقلية المسلمة في البلاد، كان ”المستشفى المسلم المجاني” في البداية مستوصفا، في وقت كانت بورما لا تزال جزءا من الإمبراطورية البريطانية في الهند. وبات المستشفى يضم حاليا أجهزة متخصصة في أقسام الجراحة والتوليد وأمراض العين وأيضا العلاجات النفسية.
ويمكن لمن لديهم الإمكانات أن يدفعوا تعريفة رمزية، في حين أن الأكثر فقرا يعالجون بالمجان، في وقت يحرم نصف البورميين من العناية الطبية الأساسية.
وتستفيد بعض المناطق من برامج مساعدات دولية، تضاف إليها عيادات يديرها رهبان بوذيون أو حزب أونغ سان سو تشي المعارض.
وعلى الرغم من الإصلاح السياسي المعلن، فإن الميزانية المخصصة للصحة لا تزال زهيدة في بلد يعيش أكثر من ربع سكانه تحت خط الفقر. وفي المستشفيات العامة التي تعاني نقصا مزمنا في التمويل، على الأطباء تولي مهمة شراء الأدوية بأنفسهم. وبحسب أرقام منظمة الصحة العالمية، بلغت النفقات على الصحة في عام 2011 في بورما 27.9 دولار للشخص الواحد.
ولم تسهم الدولة إلا بمقدار 2.9 دولار، وهو المستوى الأدنى في العالم، (على الرغم من أن ذلك يشكل تقدما بالمقارنة مع عام 2005 مع 0.5 دولار سنويا دفعتها الدولة عن كل مواطن).