أعرفُ أنكَ واجمٌ من هول ما ترى من مقاطع البؤس والشقاء، وصورِ المعاناة والتشريد، التي تبثّها وكالات الأنباء ليل نهار!
أدركُ أنك لم تزل مشغول البال بأمسك الحزين الذي تصرّفت به أغوالُ القدر، ونابته خطوب الدهر، فأصبحتَ منهكَ الروح والجسد!
أعلم أنّ عقلك يُربكه وضع يومك القلق، الذي يطحنُك برحى المفاجآت وتقلبّات الأحداث وزوابع الغِــيَر!
أشاركك همّ "غدك المبهم" الذي اتخذّته وسادة، وغمّ "مستقبلك" الذي جعلته لحافًا.. تتقلّب بهما على فراش الأرق؛ تتنظر فرجًا يضارعُ أملك، ويضاهي طموحك، ويشاكلُ ظنّك!
عشراتٌ من قوارع الأيام وطوارقها دَهت أمتنا الأركانية منذ سبعة عقود مضت..
مئاتٌ من الأمراض التي أصابت جسد شعبنا الجريح، أقعدتنا عن المسير، وصارعتنا نزع الإرادة من نفوسنا المتعبَة..
إلى أن دبّ فينا شعور بالانهزامية وزعزعة الثقة في النصر، وسادَ بيننا مناخ اليأس من الشفاء!
رغم توالي النكبات وتتابع الضغوطات النفسية عليك؛ إلا أن سخطك يكفكفهُ إيمان، وقنوطك يساورهُ يقين، وبهوتكَ يتخلّله وعي..
ذلك لأنك مسلم موّحد، آمنت بأن وجودك في الحيَاة وسطَ المصاعب والمآسي: سنّة إلهية!
كم واجهتنا الرزايا والعقبات، كم تحمّلنا لطمات الدّهر وصفعات التأريخ!
كم عانينا من رحلة التشرّد في المنافي، وذقنا من فقد الوطنِ أصناف المحن والبلايا!
كم سنةً عشنا أيتامًا لا أبَ يثكلنا ولا أمَّ تعطف علينا..!
كم تعبنا لاستيراد جوازات سفرٍ من بلادٍ لا تعترف بإنسانيتنا..
كم أرهقَنا البحث عن وطنٍ يلملمُ شتاتنا ويمسحُ شعثنَا ويداوي جراحنا؟!
كم أحببْنا أوطانًا لا تحبّنا؟!
حتى أصبحُ الواحد منّا، يردّد قول المشرّد الملتاع:
متى يستريح القلب: إما مجاورٌ .. حزينٌ، وإمّا نازحٌ يتذّكر!
إنّ تقلبّنا بين الأزمات والمحن، يزيدنا عطاءًا وقوّة وحزمًا وإرادة، وكلّ خبرٍ نرى في ظاهره الشرّ، ربّما يكمن في باطنه حلًا لمصيبة، وأملًا لملفٍ مغلق..
وإن من رحمة الله بنا –نحن الأمة الروهنجية المشرّدة- أن يطيل علينا زمن الابتلاء والأزمات؛ حتى نظل قريبين منه فننجو، ولكن عندما نُمكَّن في الأرض ربّما ننسى العبادة، ونظن في أنفسنا القدرة على فعل الأشياء، ونفتن بالدنيا، ونحو ذلك من أمراض التمكين..
فالمغزى الحقيقي لوجودنا في الحياة:
ليس التمكين في الأرض وقيادة العالم؛ وإن كان هذا أحد المطالب التي يجب على المسلم أن يسعى لتحقيقها، ولكن المغزى الحقيقي لوجودنا هو عبادة الله .. {وما خلقتُ الجنَّ والإِنس إلا ليعبدون}!
وحيث إننا نكون أقرب إلى العبادة الصحيحة لله في زمن المشاكل والصعوبات، وفي زمن الفتن والشدائد، أكثر بكثير من زمن النصر والتمكين..!
كما أشار إليه العالم الربّاني د. راغب السرجاني.
ونحنُ في زخم الصّراعات، وفي خضمّ المشكلات والخلافات بين أفراد الأمة الأركانية.. ونحن نقف أمام تساؤلات يقعُ المرء عندها في حيرة واضطراب:
إلى أين نتجه نحن؟ أيّ وجهة تسير نحوها القضيّة؟ كم سنَة نترّبع كرسيّ الأزمات؟ سبعون عامًا من القتل والتشريد والمعاناة ألا تكفي؟
أجدُ نفسي كلّما أحاطَت بي تلك الأسئلة المجهولة، إلا أن أتأمّل في علاج الله الذي خلقنا ودبّر أمورنا، العالم بسرائرنا ودواخلنا؛ حين قال جلّ من قائل سبحانه.. واقراها معي كلمةً كلمةً:
"هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين.."
تفكّر معي في الانتقال القرآني اللطيف، الذي يدعونا إلى التوقف، حين قال الله بعدها:
"فلمَّا:
أنجاهُم إذا هُم يبغونَ في الأرض بغير الحقّ يا أيّها الناسُ إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدّنيا ثمّ إلينَا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون"!
إنّها دعوة أخي وأختي الروهنجي الأركاني:
إلى أن نعود إلى الله، ونتأمّل في مجريَات الكون، وسنن الحياة..
فإن الأمل في إصلاح الوضع المتردّي لأوضاع أمتنا هو من يقودنا إلى العيش الكريم وإن غاب التمكين وقلّت الحيَل، ولن نسمح أن تكون في حياتنا مساحة لليأس والخمود بحجة أننّا في زمن الضعف والتبعية؛ بل إننا بإذن الله رغم ما بنا من ألم وجراح سنصبر على البلوى والمحن، ونرضى بما قدّره الله لنا فربّما نكون أقدر على مرضاة الله وعبادته حين تحيط بنا الملمّات، ونكون أبعد منه حين يلفّ بنا الرخاء والدّعة، وسنسعى جاهدين إلى أن يعيش شعبنا الأبيّ كبقية شعوب العالم حرّة، ونطلقها شعارًا موحّدًا لنا:
الروهنجيا.. أمانة!
@Amranalarkany