ترجمة: سعيد كريديه
من الناشطين السياسيين الذين أُطلق سراحهم بعد سنوات في سجون ميانمار إلى الأسر المنكوبة والفقيرة، الكل مرحب به في المستشفى المجاني الإسلامي في يانغون الذي يمثل رمزا للوحدة في بلد تمزقه الاضطرابات الدينية .
فهناك بالكاد تتواجد مساحة غير مكتظة في هذا المركز الطبي الصاخب حيث يدخله حوالي 500 شخص يومياَ ليتلقوا علاجات قد تكون غير متوفرة في النظام الصحي لميانمار.
وقال الطبيب تين "ميو وين" قبل الانطلاق في جولة على أقسام المستشفى (وهو سجين سياسي سابق كان الطبيب الشخصي لزعيمة المعارضة أونغ سان سو كيي) :"أنا طبيب جراح لذلك فإن مسؤوليتي هي معالجة المرضى الذين يعانون."
وأضاف " إن سياسة هذا المستشفى هي عدم التمييزولا يهم ما إذا كان الناس أغنياء أو فقراء ، أو لأي دين ينتمون " وقال بأنه عالج العديد من الرهبان خلال 21 عاما من العمل في المستشفى .
فهذا المرفق الصحي هو منارة نادرة توائم بين الطوائف في دولة تعاني من عنف ديني يسبب انهيار وطني في وقت كانت البلاد تخرج فيه من ظل الحكم العسكري .
وقد قتل نحو 250 شخصا وشرد أكثر من 140000 في العديد من المناطق إثر اندلاع أعمال العنف منذ حيران (يونيو) 2012، معظمهم من الأقلية الإسلامية الذين كانوا هدفا لأعمال شغب و حملة عنف بقيادة بعض الرهبان المتطرفين .
فبينما تعم الاضطرابات الدينية البلاد، يقول الناس الذين يزورون هذا المستشفى (الواقع في وسط مدينة يانغون المتعدد الثقافات) إنه ينبغي وضع الخلافات جانبا.
وقال "تين تين خينغ" وهو أب بوذي يبلغ 57 عاماً سافر من منطقة دلتا إيراوادي لإجراء عملية فتق :" أنا لا أفكر في الدين، لقد قمت بالتجارة مع المسلمين مرات عديدة في الماضي، لدي صداقات حميمة معهم."
وقد بدأ المستشفى عمله كمستوصف صغير في عام 1937م نتيجة لحملة قام بها شباب مسلمون محليون عندما كانت ميانمار تعرف باسم بورما وتخضع لسيطرة الحكم الاستعماري البريطاني في الهند.
ولدى المستشفى الآن أقسام متخصصة في الجراحة، وأمراض النساء والتوليد والعيون و الطب النفسي ، كما أن العلاج مجاني للذين يعتبرون فقراء وليس باستطاعتهم المساهمة ، في حين يتم فرض رسوم رمزية لأولئك القادرين على الدفع. وهناك حاجة ماسة إلى جميع الخدمات في بلد أهمل المجلس العسكري السابق فيه النظام الصحي وركز على الإنفاق العسكري .
وتوفر بعض وكالات الإغاثة الدولية مساعدات محدودة في مناطق معينة ،كما تنتشر العديد من العيادات التي يديرها رجال دين بوذيون وحزب المعارضة التابع لأونغ سان سو كي إلا أن العديد من السكان الفقراء محرومون من المساعدة الطبية الأساسية.
وتعمل المستشفيات الحكومية التي تعاني نقصا مزمناً في التمويل على أساس تقاسم التكاليف مع المرضى الذين يتحملون كل المصاريف ابتداءً من الأدوية اللازمة حتى المعدات المستخدمة .
ووفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية كان إجمالي الإنفاق على الرعاية الصحية في ميانمار هو 27.9 دولاراً للشخص الواحد في عام 2011م كانت حصة الحكومة منها 2.9 دولاراً – وهو أدنى مساهمة في العالم . ولكن هذا كان في الواقع أفضل من عام 2005 عندما أنفقت الدولة 50 سنتا أمريكيا فقط للفرد الواحد.
وقال "تين ميو وين"، وهو البوذي الوحيد الذي يتبوأ منصب رئيس قسم في المستشفى،: " إن تبرع المسلمين بعشرة في المئة من دخلهم للأعمال الخيرية كان مصدرا مهما لدخل إيراد المستشفى و للعلاج المدفوع والهبات الدولية ".
وقال :" إن المستشفى شكل لفترات طويلة رمزاً محلياً للتسامح وملاذا لأولئك الذين لا يجدون مكاناً يذهبون إليه. فخلال عقود من حكم المجلس العسكري ، والتي انتهى قبل عامين ، وضعت سلطات ميانمار المئات من النشطاء في السجون السيئة السمعة في البلاد ، خاصة أولئك الذين تورطوا في احتجاجات ضخمة مناهضة للحكومة في عام 1988م و 2007م . وكثيرا ما كان يتعرض السجناء السياسيون لظروف قاسية يبعدون فيها عن أسرهم ويعاملون بوحشية ولايحصلون على الرعاية الصحية المناسبة.
وقال تين ميو وين :" إن العديد خرجوا من السجن وهم في حالة بدنية وعقلية سيئة للغاية ولم يتمكنوا من تحمل تكاليف العلاج في المستشفيات الحكومية التي كانت يُنظر إليها على أنها معادية أيضا للنشطاء الذين أفرج عنهم وقد أمضى الطبيب ثلاث سنوات في السجن بعد مشاركته في انتفاضة فاشلة عام 1988م قادها الطلبة لكنها شهدت أيضا صعود المعارضة سوكي . وقد أمضى العقدين الماضيين يعمل في المستشفى الإسلامي منذ إطلاق سراحه الذي رحب به النشطاء المحتجزون ".
وأضاف "لا يأتون إلى هنا بسبب المشاكل المالية فقط ولكن ربما لأنهم يؤمنون بي، ونحن نتفهم بعضنا بشكل جيد للغاية . فقط أولئك الذين بقوا في السجن يعرفون كم عانينا داخله من سوء التغذية وتدهور الصحة. كان الوضع داخل السجن رهيباً."
وحسب الإصلاحات السياسية التي أقرت في البلاد منذ أن تولت الحكومة الجديدة الشبه مدنية السلطة عام 2011م فإن المعتقلين السابقين لم يعودوا منبوذين من قبل المستشفيات الحكومية إلا أن الولاءات القديمة تظل ثابتة .
وقال كياو سو نينغ (44 عاماً) ، وهو سجين سياسي اعتقل خمس مرات ومساعد مقرب من سو كي : "إن الطبيب هو مثل فرد من أفراد أسرتي نحن نثق به ، لذلك ذهبنا إلى المستشفى بعد أن تم إطلاق سراحنا."
وأعرب عن أمله في أن يستمر المستشفى المسلم في النمو وأن يزيد عدد المراكز الطبية التي يمكن أن تحذو حذوها وقال :"بصرف النظر عن أي دين يعتقده الناس يجب أن يتلقوا العلاج عندما يكونوا مرضى أريد العديد من هذه المستشفيات ".