وأشارت الصحيفة إلى ما كتبه هنري لويس منكن -وهو صحفي وناقد اجتماعي، ويعتبر أحد أكثر الكتاب الأميركيين تأثيرا خلال القرن العشرين- من أنه عندما يكون المتعصبون في قمة السلطة فليس هناك حد للقمع.
وقالت الصحيفة إن تاريخ ميانمار بعد الاستعمار يمكن أن يؤخذ كدراسة حالة لملاحظة منكن تلك إلى أن بدأ حكام البلاد العسكريين -فجأة وبدون أسباب واضحة- يباشرون إصلاحات مترددة قبل عامين تقريبا. ولم تلغ أي منها حتى الآن، والعملية يبدو أنها تلقى زخما. وآخر هذه الإجراءات اللبرالية هي الإعلان عن وضع حد للرقابة الإعلامية. وأضافت أنه رغم تأخر هذه الخطوة وعدم اكتمالها فإنها لاقت ترحيبا.
وأشارت تايمز إلى أن الكثير من الأمور يمكن أن تفشل في المرحلة الانتقالية السياسية لميانمار. لكن الشجاعة والتصميم اللذين أظهرهما المعارضون للحكم العسكري، والثقة المتزايدة التي أبدتها وسائل الإعلام المستقلة في البلاد، تجعل من غير المحتمل أن تكون هناك إمكانية للارتداد إلى الاستبداد المطلق والركود الذي كان في السابق.
وذكرت الصحيفة أن الحكومات الغربية أُخذت على حين غرة من إصلاحات ميانمار. وهي بحاجة لأن تكون على بينة من حدود ما يمكن أن يحققه الضغط والإقناع. لكن الدبلوماسية ينبغي أن تصاغ بمهارة قدر الإمكان، لمكافأة التغيير وتشجيع المزيد منه، ودعم الأقليات العرقية والدينية التي ما زالت تكافح الاضطهاد في دولة يزيد عدد سكانها على خمسين مليون نسمة، وفيها أكثر من مائة قومية.
وتعتبر ميانمار مثالا بارزا لأمة دمرتها قوة الأفكار السيئة والذرائع الوحشية اللازمة لتنفيذها. وبعد حصولها على استقلالها عن بريطانيا عام 1948 بدت آفاقها الاقتصادية مشرقة كأي دولة في جنوب شرق آسيا. ومع احتياطيات النفط الوفيرة نمت ميانمار بسرعة في سنوات استقلالها الأولى على قوة الصادرات من المنتجات الأولية. لكن نصيب الفرد من ناتجها المحلي الإجمالي الآن يبلغ نحو ثمن نظيره في جارتها تايلند. والاختلاف يُعزى بدرجة كبيرة إلى أيدولوجية خبيثة.
علم التنجيم
فبدلا من الانفتاح على الاقتصاد العالمي، مارست ميانمار الاكتفاء الذاتي وبدائل الاستيراد في ظل استبداد جعلها تغلق نفسها عن العالم. وكانت ثمار دكتاتورية الجنرال ني وين -الذي استولى على السلطة في انقلاب عسكري عام 1962 وظل فيها حتى عام 1988- الفقر والقمع. وهذا المهووس المنقطع النظير استخدم علم التنجيم لتوجيه سياساته الشاردة والوحشية.
وقالت الصحيفة إن آمال حدوث انفراجة بعد رحيل ني وين استُثمرت في انتخابات متعددة الأحزاب عام 1990. لكن عندما فازت هذه الأحزاب فوزا ساحقا بقيادة أونغ سان سو كي ورابطتها الوطنية للديمقراطية ألغى الحكام العسكر النتائج وسجنوا الفائزين. وباستثناء انتخابات وهمية قاطعتها سو كي لم يصل كثير من أخبار ميانمار آنذاك إلى العالم الخارجي، رغم بروز تقارير عن عمليات طرد جماعي واغتصاب وأعمال عنف مروعة ارتكبها الجيش.
ومن ثم جمدت الأمور في مكانها إلى حد كبير حتى عام 2010. ومنذ ذلك الحين أطلق سراح السجناء السياسيين (وكانت سو كي أبرزهم) وأُدخلت تشريعات تجيز الأحزاب السياسية والنقابات العمالية المستقلة وخفت الرقابة على الصحافة. وهذا الإجراء الأخير يبدو أنه كان استجابة للضغط الشعبي وخاصة حملة "أوقفوا قتل الصحافة".
وختمت الصحيفة بأنه من غير المعروف إلى أي مدى سوف يسمح التغيير حقا بحرية التعبير. وقد أعربت الأمم المتحدة عن مخاوفها من العنف الدموي ضد الأقلية من مسلمي الروهينغا على أيدي البوذيين في إقليم راكان. ومن المعروف أن ميانمار لها تاريخ مشوه كدولة مارقة في ظل نظام قمعي. فهي تحتاج إلى مجتمع مدني قوي الآن لضمان الخروج من هذا الكابوس.