وكالة أنباء أراكان | أخبار مصر
رُغم بشاعة ما تعرض له مسلمو الروهنغيا بإقليم أراكان، وفرار مئات الآلاف إلى مناطق الحدود مع بنغلادش، نجاةً بأنفسهم من ويلات حملة الإبادة العنصرية على يد جيش دولة ميانمار (بورما) المسلح، إلا أن العودة إلى الديار والوطن والاستقرار لا تزال مطلبا مشروعا لهؤلاء المستضعفين، لا بد أن تتدخل كل الأطراف الفاعلة لإقراره، وضمان تنفيذه على أرض الواقع.
وباستقراء مستجدات الوضع على الأرض، نجد أن عودة مسلمي الروهنغيا، ربما تعد حلمًا “بعيد المنال”، خاصة بعد حرق مئات القرى بإقليم أراكان منذ تصاعد الأزمة في شهر أغسطس 2017م، والمعضلة الأساسية التي يواجهها المسلمون هناك منذ عام 1982م، حيث انتَزعت منهم حكومة ميانمار حق المواطنة، فحرمتهم من الجنسية، ومن الحصول على بطاقات الهوية، وتتعامل معهم على أنهم مهاجرون غير شرعيين من بنغلادش، وتسميهم في كل البيانات الرسمية “النازحين البنغال”.
اتفاق ثنائي “خلف الكواليس”
وعلى أثر تصاعد الضغط الدولي على حكومة ميانمار، بعد المجازر التي وقعت في أراكان، فضلا عن الوضع المأساوي لمخيمات اللاجئين في منطقة “كوكس بازار” الحدودية، ورغبة بنغلادش (الدولة الفقيرة) في ألا تتحول تلك المخيمات الآخذة في التضخم إلى وضع دائم! سعت الدولتان إلى إبرام اتفاق ثنائي بشأن عودة اللاجئين. والسؤال: ما هي بنود هذا الاتفاق؟، وما توقيت تنفيذه؟، ومن الوسطاء الفاعلون لحل الأزمة؟، وكيف يمكن تبديد مخاوف أقلية الروهنغيا المسلمة من معاودة اضطهادهم وتهجيرهم؟!
أسئلة كثيرة تدور في الأذهان حول هذا الاتفاق، لا تجد لها إجابة شافية وبنودا محددة. ومنذ أن كُشف النقاب عن هذا الاتفاق في وسائل الإعلام، بدا الأمر كأنه لقاء سري، لا يحمل جديدًا سوى “رغبة” الطرفين في حل الأزمة!
في 23 من نوفمبر 2017م، وقع الطرفان اتفاقا ثنائيا على بعض الشروط “شبه المستحيلة” للتحقق من إقامة الأشخاص الذين وصفهم الاتفاق بأنهم “نازحون من ميانمار”، بدلا من وصفهم بتسميتهم الحقيقة “أقلية مسلمة من الروهنغيا”.
في 13 من ديسمبر، ناقش مجلس الأمن إمكانية عودة الروهنغيا إلى بلادهم.
في 19 من ديسمبر، شكلت كل من ميانمار وبنغلادش مجموعة عمل مشتركة للإشراف على عودة الروهنغيا.
في 31 من ديسمبر، أعلنت ميانمار أنها لن تستعيد لاجئي الروهنغيا إلا خلال النهار فقط بسبب حظر التجوال.
في 6 من يناير، أعلنت بنغلادش أن عملية عودة اللاجئين الروهنغيا لن تبدأ في الوقت المحدد.
وكان الموعد المقرر لعودة اللاجئين في 22 من يناير الجاري، ولكن تأجل بسبب عدم تكامل ما أسمته حكومة بنغلادش “الدعم اللوجستي”.
أصحاب الأرض مطالبون بـ”استمارات هوية”!
ينص اتفاق العودة على أن يقوم مسلمو الروهنغيا بملء ما يعرف ب”استمارات الهوية”، يُدَوِّنون فيها أسماء أفراد أسرهم، وعناوينهم السابقة في ميانمار، وتواريخ الميلاد، ويقدمون في تلك الاستمارات إقرارا على عودتهم طوعا.
وفي حديثه عن عملية استعادة اللاجئين، أوضح رئيس إدارة الهجرة والسكان بولاية أراكان “أونغ مين”، أن استقبالهم سيتم في مركزي استقبال “تونغ بيو ليت” و”اي ونغا خو يا”، بواقع 150 شخصا يوميًا في كل مركز، وستشارك في هذه العملية إدارة الهجرة والسكان، وإدارة الشؤون العامة، وإدارة الشرطة والصحة.
وأكد “مين” أن العملية سوف تكون وفق اتفاق عام 1993م، كما أعلنت عنه الحكومة في وقت سابق، وأن العملية سوف تشهد إجراءات انتقاء وفق الأوراق التي تكون بحوزة اللاجئ.
“معسكرات إيواء” تنبئ بكارثة جديدة
“لا أعلم أين سيسكن الروهنغيا بعد إعادتهم من بنغلادش، ومتى سيستغرق ذلك”، هكذا تحدث مسؤول الهجرة بولاية أراكان، مضيفا علامة استفهام جديدة لا نجد لها إجابة!
وأفادت أنباء أن الروهنغيين ينتظرهم ما يشبه “معسكرات الإيواء”، بديلا عن منازلهم التي أحرقها جيش ميانمار، فَرّ منهم من استطاع الفرار، ومن ضاقت به السبل أُحرق مع متاعه وأهله وماله!
وتتزايد المخاوف حول عودة اللاجئين في تلك المعسكرات، خشية أن يُجهز عليهم الجيش مرة أخرى، وتحدث كارثة مروعة وإبادة جماعية، خاصة في ظل عدم ضمان العودة الآمنة، والتصريحات العنصرية التي أعلن عنها قائد جيش ميانمار “مين أونغ هلاينغ” في وقت سابق.
وكان “هيلاينغ” قد صرح في بيان سابق بأنه: “يجب أن يكون الوضع مقبولا لكل سكان أراكان العرقيين والبنغال، ويجب تأكيد رغبة سكان أراكان العرقيين الذين هم فعلا مواطنون من مواطني ميانمار”.
هذه التصريحات غير المطمئنة، التي أشير فيها للروهنغيا بلفظ “البنغال” تعني ضمنا أنهم من بنغلادش، ويعارض معظم سكان أراكان (أراكان) من طائفة “الموغ” البوذية المتطرفة وجود الروهنغيين في الإقليم!
وأخيرا.. يبدو أن اتفاق العودة بين حكومتي ميانمار وبنغلادش، مسألة بالغة التعقيد! ولن تحسم في المستقبل القريب، خاصة في ظل غياب الوساطة الدولية، والتعتيم الإعلامي لإبراز تفاصيل ما يجري خلف الكواليس بين مسؤولي البلدين!
والعجب.. أن يجلس الجلاد على مائدة المفاوضات يملي شروطه! ويغيب أصحاب الحق والقضية عن المشهد، وما عليهم إلا الإذعان لما يتم التوافق عليه بين البلدين، وفق علاقات الجوار والمصالح المشتركة.